سهام القحطاني/ al-jazirah- تحية إلى كل امرأة تقاوم من أجل حقها في الوجود والاستمرار، وإلى كل امرأة تصارع من أجل حق صوتها في المشاركة وصناعة نموذج سلمي للحياة، وإلى كل امرأة تعلن بشجاعة رفضها للقهر والاستغلال والظلم.
من «برتا سوتنر»- أول امرأة حصلت على جائزة نوبل للسلام عام 1905، إلى «نادية مراد» الحاصلة على جائزة نوبل للسلام 2018م، وهي يزيدية عراقية تعرضت للاستبعاد الجنسي على يدّ داعش الإرهابية، التي سطّرّت -داعش- تاريخاً أسود فيما يتعلق باستعباد النساء بكل أنواعه والذي سيظل وصمة عار خالدة.
أقول ما بين «برتا و نادية مراد»، ألف حكاية وحكاية تسرد تاريخ المرأة المأساوي في كل زمان ومكان، ألف حكاية وحكاية تُؤرخ لسيرة المرأة في زمن الحروب والصراعات العرقية والدينية، ألف حكاية وحكاية تشهد على مدى الظلم والاستغلال الذي تعرضت له المرأة و ماتزال؛ كونها دائما في معادلة القوى المختلفة هي الحلقة الأضعف.
صراع المرأة مع الوجود ليس أزمة مؤقتة بصلاحية زمنية، بل هي سيرة تشكّلت مع بداية التاريخ الإنساني، لسوء فهم أصبح مع مرور الأيام وتقادم التجارب التاريخية أصل الرواية التاريخية لمكوّن طبيعة المرأة.
هذا الأصل الافتراضي والمزيف هو الذي حّول المرأة إلى «إثاث» قابل للاستباحة كعقاب لها على أصل تاريخها ونوازعها الذي كما يروّج له ذلك الأصل مبنية على الغواية والشر والخراب.
وأوضح حالات الظهور لذلك الكامن في العقل التاريخي للشعوب والأمم هي حالات الصراع والحروب، إذ تتحول المرأة تحت ضغط تلك الحالات إلى مصدر استغلال من حلقة السبي والرّق إلى حلقة الجاسوسية.
كانت وماتزال المرأة في زمن الحروب والصراعات الحلقة الأضعف؛ لإمكانية إعادة تدوير استغلالها، ولخلوّها غالباً من أيّ قيمة اطّرادية قد تؤثّر على المدى البعيد أو القريب في تحوّل المجتمعات وانعكاساتها -حسب معتقد العقل الجمعي-.
ولذا ظلّ مفهوم السبي قائماً عبر الأزمنة رغم اختلاف التوصيفات التي تبني لأقنعتها دلالات قابلة دوما للتجديد والإضافة. وهو اختلاف أتاح لفاعل الأزمة وبطل الحرب فرصة إلى تحويل المرأة إلى «مصدر تحفيزي» لقيادة غرائز أتباعه و»تجاري» للمراهنة على مكتسباتها في السوق الحرة التي أصبحت تُشرّع الاتجار بالمرأة تحت مسميات برّاقة تعود في نهاية الأمر إلى «فكرة التسليع» التي أنبنت في ضوئها «إستراتيجية تجنيد جسد المرأة» ليصبح طُعماً لاصطياد الآخر.
لذا تظلّ الحقيقة الحاصلة وفق البراهين الثابتة تؤكد على أن المرأة على مستوى التطبيقات الواقعية «لا قيمة لها كتقدير إنساني مُحصن بوثيقة حقوق واستحقاقات سواء قانونية أو معنوية حقيقية في زمن الحروب والصراعات تحميها من أي استغلال مباشر أو غير مباشر» وتقتص لها.
وهي دائماً هكذا في جميع الحالات، ولكن خارج دائرة الصراع والحروب، تتفاوت نسب الضعف والتهميش والاستغلال، كما تتفاوت مساحات الحلقة من حيث الانكماش والتوسع دون فعل الكسر أو التفكيك؛ تتفاوت ليس لانتفاء قاعدة المبنى، إنما لصياغة الاحتيال التي تطغى على ماهية المعايير والتوصيفات فتخلط حدود القيم والأحكام بما دونها، ولا تخلو تلك الصياغة والخلط من استعمار جديد لكينونة المرأة.
لكن في زمن الحروب والصراعات تصبح معايير الصورة وتقاريرها أوضح، واعتبارات الاستهداف لتلك الحلقة مباشرة، وآليات السبي مُشَرّعة، لتُعيدنا إلى عصور الظلمة الإنسانية عندما كانت المرأة ضمن «نطاق التشيؤ» و «عملات التبادل التجاري» و «نموذج من نماذج الترفيه والإمتاع»، وهي عصور صنعت «الصفة المعيارية للمرأة» التي أصبحت مع الأيام أساس تاريخها الوجودي وسجلها التقييمي.
إنّ ربط المرأة بأصل الصراع والحروب؛ سواء كمصدر لها، أو «كمكافأة مضافة» للمنتصر، أو «وسيط للانتقام والعقاب من ممثل العدو» هي التي حصرت المرأة في إطار تسليعي من خلال مفهوم «الغنيمة»؛ لفوائدها المتعددة التي لا تبطل بصلاحية مؤقتة.
إضافةً إلى إمكانية تحويلها إلى ورقة ضغط للابتزاز الوجداني وإجبار قومها على الخضوع والاستسلام أو إجبارها هي على التضحية بجسدها من أجل الآخر.
إنّ فكرة استغلال المرأة في زمن الحروب والصراعات فكرة تاريخية قديمة مازالت قيد التجديد والإضافة وهي تتحرك في أكثر من مسار من توصيف السبي إلى توصيف الجاسوسية. ومعايير منظومة الاتجار بالمرأة تلك تختلف من عقيدة لعقيدة.
ففي اليهودية، تُشرّع «الغواية للمرأة اليهودية» لأنها في سبيل «مرضاة الرب» وتُشرّع استباحة النساء غير اليهوديات لأنهن من الأغيار ولا حقوق لهن ولا كرامة. وفي دين الإرهابين الدواعش وفروعها «للمرأة حكاية» تبدأ بإحيائهم «لمصطلح» «السبي» وهو مصطلح له مؤشراته؛ الذي يعيد المرأة إلى ذاكرة الفكر الجاهلي عندما كانت عبارة عن أثاث ينتقل بالتوارث ومصدر إمتاع متاح للجميع، ووسيلة جذب ومكافأة لاصطياد الأتباع خارج أي ضمانات حقوقية أو استحقاقية.
إضافةً إلى أن عدم الإيمان بالمرأة «كقيمة دفاعية» للمجتمع أو ضامن مؤكد للسلام والاستقرار والانجاز، هو الذي همّش الاهتمام بتوفير ضمانات لحماية المرأة؛ باعتبارها غير ممثل للخطر والتهديد.
وفرضية هذا الاعتبار حول المرأة في المعتقد الاجتماعي إلى مواطن يحمل صفة «المكملات» التي تتحقق القيمة المطلوبة لضرورات السلم والأمن بدونها.
هذه النظرة الدينية و الاجتماعية للمرأة لاشك أنها أسهمت بصورة فعّالة فيما ترتب عليه بعد ذلك من اضطهاد المرأة واستباحتها جسدياً وإنسانياً وحقوقياً. وهو أمر يتجلى غالباً زمن الحروب والصراعات؛ لغياب القوانين والمحاسبة، وقبلها لبروز المعتقدات الكامنة في اللاوعي الجمعي. ولذا تظل مقاومة المرأة لذلك الفكر بتطبيقاته الواقعية والتاريخية، تحدياً يواجه المرأة وخاصة زمن الحرب؛ حيث تصبح المرأة فيه مجرد خشب وقود.