المرأة والفلسفة.. هل تستطيع أن تفكّر؟
المرأة والفلسفة.. هل تستطيع أن تفكّر؟

إسلام كمال/ midan.aljazeera- لربما نظن للوهلة الأولى أنه من السخف، والرَّفاه، أن نطرحَ سؤالا كهذا في يومنا الحاضر، إذ يمكننا أن ندّعي، بَدَاهة، أن الإجابة عنه ستكون: نعم، بالطبع يمكنها ذلك! ففي عالم يُنادي بحريّة الرأي، وحقّ الإنسان بالتعبير، لا يبدو أن حقّ المرأة بطرح الأسئلة، والتفاعل مع الأحداث العامة، ونقدها، شأن يُختلفُ عليه.

لكن إذا ما أردنا فحصَ الصورةِ عن قُرب، بالاتجاه لأحد الحقول المعرفية التي تُعدّ أساس الفكر والسؤال، وباعث التأمل، أي لحقل الفلسفة، ولإنتاجات العديد من الفلاسفة حول المرأة، فقد نجد نتيجةً صادمة. انطلاقا من هذه الأرضية، دعونا نطرح التساؤل التالي: ما مكانة المرأة فعليّا في عالم الفكر والفلسفة؟

قبل الإجابة عن التساؤل، فإن المرأة حينما تُقرِّر الدخول لعالم الفلسفة، وقراءةِ إنتاجها القديم والحديث، منذ سقراط حتى يومنا، وتنسى تماما جنسها، أي حين تتعامل مع كتاب الفلسفة وكأنه يخاطبها كإنسان، كإنسان فقط، يُفكِّر في ماهية نفسه والعالم، ويشدّها ما تدعو إليه من إعادة النظر في كل ما حولها، فستُصدَم. تقرأ لروسو في التربية، وكانط في التنوير والأخلاق، ونيتشه في ثورة الجسد والعقل، وهي تظن نفسها مخاطبًا، ولكن الحقيقة ستُظهِر عكس ذلك تماما! سواءٌ على مستوى الفكر الفلسفيّ، أو الممارسة المهنية.

مخلوق مشوّه

في العهد اليونانيّ، وحين النظر لمؤسس علم المنطق الصوريّ، والفيلسوف السياسيّ أرسطو، فإنك قد تُفاجأ إن عَلِمت أنه يقرر أن المرأة لا تصلح إلا للإنجاب، وأنه لا يمكنها أن تمارس الفضائل الأخلاقية مثل الرجل، فهي مجرد مخلوق مشوه أنتجته الطبيعة. أما أفلاطون، صاحب كتاب “الجمهورية”، والمعروف بمدينته الفاضلة؛ فيرى أن المرأة أدنى من الرجل في العقل والفضيلة، وكان يأسف أنه ابن امرأة، ويزدري أُمّه لأنها أنثى!

أما مُعلّمهم سقراط، شهيدُ الدفاع عن المبدأ، كما يُصوَّر، فكان يرى أن المرأة مثل الشجرة المسمومة التي يكون ظاهرها جميلا، لكنّ الطيور تموت عندما تأكل منها(1). والحقيقة أنه لا يمكن فصل هذه النظرة “الدونية” تجاه المرأة عن واقع اليونان حينها، والذي تمأسس فيها ما يُمكن وصفه حديثا بـ “الطبقية”. إذ تحدّدت ملامح المجتمع المثالي الإغريقي بقيام كل فرد بالوظيفة التي تتناسب مع قدراته التي وَهبته إياها الطبيعة، ومن هنا بدأت معالم التمييز الطبقي كأساس لوجود المجتمع. فالمرأة، نُظر لها كأداة إنجاب، وهذه مساحة إنتاجها. وكذلك ما انعكس على ما يمكن أن نسميه اليوم بالسياسات العنصرية تجاه “العبيد”. أما الممارسات السياسية والفكرية، فقد كانت لرجال اليونان من “المواطنين” لا العمّال الذين يمارسون الأعمال اليدوية المهينة.

التنوير.. للرجل فقط

لم يختلف الأمر كثيرًا عَقِب العهد اليوناني، بل استمرت النظرة ذاتها، مع عدد من التحويرات في كتابات عددٍ من الفلاسفة. مثلا، وبالحديث عن فلاسفة الأنوار، يرى جان جاك روسو، كما أرسطو تماما، أن المرأة لم تُخلق لا للعلم ولا للحكمة، وإنما لإشباع غرائز الرجل. بينما يرى إيمانويل كانط أن عقل المرأة لا يرقى إلى عقل الرجل. أما نيتشه فيرى أن المرأة لا تزال في أفضل الأحوال حيوانا كالقطط والكلاب والأبقار، وأنها تتآمر مع كل أشكال الانحلال ضد الرجال. أما شوبنهاور، والذي جاء لاحقا، فقد أتت فلسفته مترجمةً لحياة البؤس التي عاشها، فقد بقي معاديا للمرأة بسبب موقفه من فجور والدته، واشتُهر بكونه أكثر الفلاسفة بغضا للمرأة، فهو يراها عيبا من عيوب المجتمعات، وأنها لم يسبق أن أنتجت فنا عظيما أو أي عمل ذي قيمة(2).

جميع أولئك الفلاسفة الحديثين، على اختلاف مشاربهم، واختلاف ما دار حولهم من نقاشات حادّة تجاه مسائل فلسفية عديدة، اتفقوا على أهمية تحرير العقل والتفكّر الدائم، والخروج عن الانصياع للأوهام، والقدرة على التحرر من “سلطة اللاهوت والسائد في المجتمع”. وللوهلة الأولى، ستظن المرأة حينما تقرأ خطابهم الفلسفيّ التحرري والثوريّ أنهم يحثّونها على الإمساك بزمام أمورها، وأن تتحرر من الثقل التاريخي والاجتماعي المكبّل لقيمتها الإنسانية، ولكن حينما تقرأ مقولاتهم عن المرأة في موضع آخر، فستجد شأنًا آخر، وربما يكون مناقضًا تمامًا.

فحين كتب كانط في التربية عن الأنوار قال: “إن بلوغ الأنوار هو خروج الإنسان عن القصور الذي هو مسؤول عنه، والذي يعني عجزه عن استخدام عقله دون إرشاد الغير. وإن المرء نفسه مسؤول عن حالة القصور هذه عندما يكون السبب في ذلك ليس نقصًا في عقله، بل نقص في الحزم والشجاعة في استعماله دون إرشاد الغير. تجرّأ على أن تعرف. كن جريئا على استعمال عقلك. ذلك شعار الأنوار… الكسل والجبن هما السببان في أن عددا كبيرا من الناس يُفضِّلون البقاء طوال حياتهم قُصَّرًا، بعد أن حرّرتهم الطبيعة منذ أمدٍ طويل من أي توجيه خارجيّ، وهما السببان أيضًا في أنه من السهل على الآخرين أن يُنصِّبوا أنفسهم أولياء عليهم”(3).

هذا النص لكانط، ستعتقد فيه المرأة حينما تقرأه، أنه يخاطبها، ويمسُّ جزءا حسّاسًا، وربما عميقًا بداخلها، وذلك إن اعتَبَرت نفسها مشمولةً بمن يتحدث عنهم كانط، أي بكونها إنسانا يملكُ عقلا ويستطيع التفكير. حينها، سترى فيه نصَّا ثوريا يدعوها للخروج عن “الوصاية الفكرية” التي حَكَمتها طوال السنين، وأن تتجرَّأ على استخدام عقلها، تاركةً كَسل المواجهة ومتحلية بالشجاعة لرفض من نصّبوا أنفسهم أولياء عليها. غير أنها -المرأة- ستكتشف، أن كانط لم يشملها في خطابه ذاك، بل خاطَبَ الرجل وحده، باعتباره الوحيد الذي يملك عقلًا ويستطيع أن يفكر. وعند هذه النقطة أشارت الأستاذة إليزابيث كسّاب أن كانط “لم يكن يفكر بالنساء أصلًا، وبذلك هو لم يكن متناقضا مع ذاته على الرغم من أن الفكر التنويري سعى لتجاوز حدود وحواجز الواقع”(4). وهذه الهفوة، قد تغدو غريبة للقارئ في فِكْر كانط، وهو الذي يدعو إلى تحرر العقل من سلطة السائد والإرث المجتمعي واللاهوتي في تقييم الأمور، ليَقَعَ هو نفسه تحت هذه السلطة، إذ لم يتحرّر بالفعل من سُلطةِ زمانه عند تطبيق فلسفته فيما يخص المرأة، حيث يرى أن المرأة لا تمتلك عقلًا يستطيع التفكير بالأساس.

أمّا نيتشه، غَريمُ كانط والمقابل له في عالم الفلسفة، فقد تقاطع معه حين الحديث عن المرأة، مع اختلاف الحِدَّة بينهما، إذ يقول في كتابه “هكذا تكلم زرادشت”: “ليست خطيئتكم، بل هو رضاكم الذي يصرخ في وجه السماء”(5)، والذي يُعنونه بأنه كتاب للمجتمع لا الفرد. بقراءة الكتاب، يمكنك أن تَعُدَّ المرأة أيضًا جزءًا من هذا المجتمع، وأن هذا الجملة قد تكون خطابًا ثوريًّا على رضاها الدائم، وخوفها من الخطيئة، إلا أن نيتشه، يرى هذا الرضا باعتباره الخطيئة الحقيقية للرجل وحده دون المرأة. فنيتشه في غير مقولته الشهيرة عن “إذا ما ذهبتَ إلى النساء.. فلا تنسَ السوط”(6) ولم يترك فرصةً أو مناسبةً ليُهين المرأة فيها؛ إلا واستغلّها، حتى وإن لم يكن الموضوع الأساسيّ يتحدث عن المرأة،  ليُشبِّه بها كل ما هو ضعيف، وممتهن، ورذيل.

ولكن، ماذا لو نقّبنا في تاريخ نيتشه قليلا، لنعرف باعثَ هذا الهجوم الذي يمكن أن نصفه بـ “الشرس” على المرأة. حسنا، من المعروف في التاريخ، أن نيتشه لم يكن ناجحا في علاقاته مع النساء، خاصةً تجربته مع الكاتبة “لو سالومي”، والتي رفضت الزواج به أكثرَ من مرة، وكانت في الصورة الشهيرة -التي تجمع بينها وبين نيتشه وبول ريه وهما يجرّان لها العربة عوضا عن الأحصنة- هي مَن تُمسك السوط فعليًّا في يدها. فهل يمكن أن نقول -بعيدا عن نظرية موت المؤلف لرولان بارت التي لا أقتنع بها- إن فلسفة نيتشه حول المرأة هي ردة فعل؟ وإن افترضنا ذلك بناءً على ما يمكن استنتاجه من سيرته العاطفية، فكيف يمكننا أن نثق في رأي فلسفي يُعدّ نِتاجًا لانفعال نابع عن تجربة شخصية فاشلة؟ ولربّما يفتح ذلك جدلًا ونقاشًا حول إذا ما كانت هذه الفلسفات، في الكثير من مواضعها، ما هي إلا انفعالات عاطفية تجاه تجارب حياتية يتم تعميمها لتصبح بمرور الزمن نصوصًا يستشهد بها القُرّاء دون معرفة سياقها، وهو الأمر الذي يُمكن أن يدخلنا في سؤال عِلمية الفلسفة من جديد.

ولا يمكن وفق ما سبق أن نعدّ النظرة تجاه المرأة موقفًا انفعاليًا فرديًا، بل هو بحسب ما وصفته أستاذة الفلسفة إليزابيث كساب في حديثها لـ”ميدان”، باعتباره “نتيجةً لترسّخ النظرة الذكورية التي لا ترى في المرأة كائنا يستطيع التفكير بصرامة، وبمنهجيةٍ رصينة، لذلك، فإنه لا يشترط دائما أن يكون الدافع من وراء الفكر سيئا وقَصديا، لكنه ابن تفكير مجتمعي سائدٍ يرى أن المرأة لا تصلح للتفلسف”.

ابن رُشد.. نظرة مختلفة

رغم ما سبق، فإنه من عدم الدقّة بمكان أن نعمم النظرة الانتقاصية للمرأة في الحقل الفلسفي، إذ برزت استثناءات قليلة تجاوزت حدود النظرة السائدة نحو آفاق أرحب وأكثر نقدية. أحد هؤلاء الفلاسفة هو ابن رشد الذي عاش في القرن الثاني عشر، أي قبل قرونٍ من بروز فلاسفة الأنوار، وهو الذي قدّم في زمانه تصوّرًا لم يُماثله سوى ما تطرحه اليوم الجمعيات النسائية التي تدافع عن حقوق المرأة. فكلما ذُكر اسم ابن رشد؛ يُلصق به أنه من أحيا الفلسفة، وأنه من انتصر للعقل نوعًا ما على حساب النقل(7). وانتصار العقل هنا، ليس انتصارًا على طريقة كانط التي استثنت المرأة، بل انتصار للعقل الإنسانيّ برمّته.

أحد النصوص البليغة التي أظهرت  اختلاف ابن رشد، قوله: تختلف النساء عن الرجال في الدرجة، لا في الطبع. وهن أهلٌ لفعل جميع ما يفعل الرجال من حرب وفلسفة ونحوهما، ولكن على درجة دون درجتهم، ويَفُقنهم في بعض الأحيان، كما في الموسيقى، وذلك مع أن كمال هذه الصناعة هو التلحين من رجل والغناء من امرأة. ويدل مثال بعض أمصار إفريقية على استعدادهن الشديد للحرب؛ وليس من الممتنع وصولُهن إلى الحكم في الجمهورية (يشير إلى “جمهورية” أفلاطون)”.(8)

ابن رشد في النص السابق، أعلنَ أن النساء والرجال نوع واحد، وأنه لا فرقَ بين الرجل والمرأة في الغاية الإنسانية. الفرق الوحيد الذي يراه هو في احتمال الكدِّ الجسماني وفوارقه، مما يقدر عليه الرجلُ أكثرَ من المرأة، في حين أن النساء أكثر حذَقًا في أعمال أخرى، كفنِّ الموسيقى مثلاً. وبما أنه لا فرق بين المرأة والرجل في الطبع الإنساني، وَجَبَ على النساء أن ينلن التربيةَ نفسها التي يحظى بها الرجال وأن يشاركنَهم سائر الأعمال، حتى الحرب والرئاسة.

المرأة.. اليوم

باستحضار ما سبق في الأسطر السابقة، قد نظُن، ونحن نقرأ عن أولئك الفلاسفة، أن هذه الاعتبارات في حق المرأة باتت قديمةً تجاوزها الزمن في ظل انتشار أفكار “حقوق المرأة”، وغير ذلك. لكن، ماذا عن اليوم، وهل تغيّرت النظرة تجاه المرأة في الخطاب الفلسفيّ، وهل باتت تشارك فعليا في حقل الفكر والفلسفة في الوقت الحاضر في ظل ما نراه من حضور نسوي؟

تاريخيًا، هيمن الرجال على تاريخ الفلسفة، وإليهم نُسبت أكثر المذاهب الفلسفية وأقواها تأثيرًا على الفكر البشري، وعلى الرغم من وجود فيلسوفات منذ العصور اليونانية القديمة (هيبارشيا، أسباسيا، كاترين…) فإن الهيمنة كانت كاسحة للرجال، وأُضيفَ لذلك، إقصاءٌ بدا مُتعمّدا من قِبَل الفلاسفة والمؤرخين للنشاط الفلسفي النسائي، حتى القرن الحادي والعشرين، ففي عام 2007 نشرت سالي هاسلانجر ورقة في مجلة “هيباتا”، تُوضِّح فيها التمييز الجنسي الذي تتعرّض له المرأة في المملكة المتحدة في مجال الفلسفة على وجه الخصوص، وذلك بالاستناد على أرقام نشر الأوراق البحثية، أو ما يتصل بالمكانة الأكاديمية في مجال الفلسفة تحديدا. في هذا السياق، يعتقد المدير التنفيذي للرابطة الفلسفية الأميركية ديفد شريدر، رغم تحرّزه من المبالغة والتعميم، “أن الفلسفة تعاني مشكلة جنسانية وشوفينية واضحة”، ويعود السبب في ذلك إلى نظرة تاريخية متراكمة تتصل بدونية المرأة في عالم الفلسفة، وتشارك هاسلانجر تجربتها في دراسة الفلسفة حينما كانت الأنثى الوحيدة في قسمها أثناء اختصاصها، وقد تعرضت للكثير من السخرية والتحيز الجنسي بشكل مستمر(9).

لا يقف الأمر عند حدود التحيز، بل يتعدّى للتحرش الجنسي، لفظيًا وجسديًّا، والذي يُعد الأعلى بين المجالات المعرفية الأخرى، فبحسب صحيفة الغارديان البريطانية التي نشرت تقريرًا عام 2015 تُوضح فيه أن عدد الرجال يفوق النساء بكثير في هذا التخصص بالذات لتصل نسبتهم إلى 71% في المملكة المتحدة، فقد أرجعت أحد أسباب هذه الأرقام لتعرُّض المرأة للمضايقة في هذا المجال أكثر من غيره، الأمر الذي دفع بأستاذ الفلسفة في جامعة شيفيلد، جينفر سول، للقول “إن النساء يتركن الفلسفة بعد تعرّضهن للتحرّش أو الاعتداء”(10).

أما على الصعيد العربي، فقد ذكرت إليزابيث كساب لـ “ميدان”، “أن النظرة الدونية ما زالت حاضرة تجاه المرأة في حقل الفلسفة حتى يومنا، وهي تتحدى على مستويين، على صعيد المهنة، والفكر. فالذكور لا يتصورون أنهم وصايا فقط، بل يأتون وفي مخيالهم أنهم أصحاب المهنة، وأن المرأة جاءت إليهم من الخارج، أي من خلفيات غير فلسفية، وهذا الأمر يسهل عليهم الاستخفاف والاستعلاء والاستقواء. ولم يكن الحال أفضل مع المتخصصات في الفلسفة، اللاتي واجهن مشاكل إهانات لفظية وجسدية ونبذ عام. إذ تحضر هنا المسائل الجنسية بمعناها العام بكثرة، وذلك حينما يتساءلون “ماذا تلبس، وكيف حصلت على نتيجتها ومقابل ماذا؟” وهذه أسلحة لتهديم وضرب الآخر”.

ورغم ما سبق، وبحسب وصف كساب، فلا بدّ للمرأة أن تستمر في نضالها ومساعيها لإثبات ذاتها عبر تقديم معرفة نوعية. وإذا ما أرادت أن تقرأ النصوص الفلسفية، فعليها أن تكون واعية بتاريخ الفلسفة والانحيازات الكامنة فيها. وبحسب ما أوضحت إليزابيث كساب لـ”ميدان”، فعلى المرأة أن تكون سيدة الموقف، ويحق لكِ أن ترفضي وتقبلي ما هو مناسب لكِ وأن تحاكمي النصوص بوعي، لا باستسلام وأن تمارس التفلسف مع النصوص. أما عن إثبات الذات، فالأمر سيّان في كل المهن وإن ازدادت حدّته في الفلسفة. فهناك استخفاف طبيعي “بريء” بالمرأة في كافة المجالات.

تراتبية سؤال التفكير بين الشرق والغرب

في كل ما سبق، تساءلنا عن مكانة المرأة في التفكير الفلسفي، وقدرتها على ولوج عالم الفلسفة دون اعتبار لجنسها، ولكن الباحثة في الفلسفة، في الشرق تحديدا، ستجد طبقةً أخرى من التمييز ستقصيها أكثر لتجد نفسها في الطبقة الرابعة، ربما، من الاعتراف، فإن كان المفكر الغربي لا يعترف بقدرة المرأة الغربية على التفكير والتفلسف، فهو كذلك لا يتعرف بقدرة الرجل الشرقي على ذلك. كما أن المرأة الغربية التي تحتل مكانةً ثانية في بلادها، تحاول إثبات مكانتها عبر المرأة الشرقية، وهو ما جرى في رحلات الاستشراق وكتابات الغربيات حول نساء الشرق التي تدور جلها حول إثبات تفوقها على المرأة الشرقية من جهة وإثبات ذاتها كمفكرة ورحّالة للرجل الغربي من جهة أخرى. إن “المرأة الغربية المترحلة في الشرق” تقول أنوزورغ:”تسافر في بلدان أجنبية لكي تمسك بالرجل الغربي، كما تعتقد، من الموضع الذي يؤلمه أكثر، أي أن تدافع عن مواقفها بشكل فعال داخل إمبراطورية خيالية”. غير أنها كانت مجرد مساعدة له في تمكين سلطته على الآخر، وهي في الواقع ” آخر” ثانٍ لهذا الرجل الأبيض.

وفق كل ما سبق، فإنه يتوجّب عليها أن نطرح نقاشا جديا حول القيم التي تتبناها الفلسفة باعتبارها تنويرًا للعقل، وتحريرًا للإنسان من قيود المجتمع، وهو ما ينتج عنه التساؤل التالي: “متى سيُفسَح المجال للمرأة في عالم الفلسفة؟”، دون استخفاف، والتعامل معها كإنسان قادر على التفكير والدخول في مساحة الفلسفة، والحقيقة، أن هذا السؤال منوط بتطور الفلسفة، بالإضافة لارتباطه بقدرة المرأة على فعل تنويري حقيقي بعيدا عن الشعارات الفارغة أو التقدمية المرائية.

المصادر

المرأة والفلسفة.. هل تستطيع أن تفكّر؟

المرأة والفلسفة.. هل تستطيع أن تفكّر؟ 

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015