المنظّمات النسائية السوريّة بين الواقع والمأمول
هل يمثّل ذلك واقع النساء السوريات اليوم؟

عليا أحمد/مجلة “صور”- يُسجّل في السنوات الست الأخيرة، أي بعد انطلاق الحراك الثوري في سوريا، في آذار 2011، ظهور عدد كبير من هيئات “المجتمع المدنيّ” السورية بأنواعها المختلفة، وقد شكّلت تلك التي تُعنى بشؤون المرأة على نحو خاص نسبة لا بأس بها من المنظمات الناشئة.

اليوم، بعد مرور سنوات على تأسيس تلك المشاريع، من جمعيّات ومنظّمات وروابط وتجمّعات، يجدر التساؤل عن مدى فعاليّتها وتأثيرها العمليّ على واقع النساء السوريات، وما هي الإنجازات التي حقّقتها، وكيف تعمل على تمكين النساء وبناء قدراتهن، وأيضاً التوقّف عند أبرز الصعوبات التي تعترض عمل هذه المشاريع.

هذه وأكثر أسئلة مشروعة، يضيق المجال عن الإحاطة بأجوبتها التفصيلية في مقال واحد، فذلك يحتاج إلى بحوث ميدانية ومعرفية مطوّلة، غير أنّ هذا لا يمنع من إثارة النقاش حول الموضوع نظراً إلى ضرورة وجود تنظيمات نسائية فعّالة تترك أثرها على الواقع. وإن طرح هذه التساؤلات يهدف إلى التأكيد على أهمّية هذه المنظمات ووجوب امتلاكها آليات فعّالة لتحقيق أهدافها والارتقاء بواقع النساء السوريات، خاصة بعد أن طال أمد الكارثة السورية، وأصابت نتائجها المأساوية السوريين جميعاً، خصوصاً النساء والأطفال.

لا بدّ من الإشارة بدايةً إلى تراجع الدعم العالمي للعمل الإنساني والنقص الحادّ في التمويل الذي تعانيه غالبية المنظمات الإنسانية في مختلف أنحاء العالم، حيث أنه حتى المنظمات والوكالات الإنسانية الدولية التابعة للأمم المتحدة، كاليونيسيف والأونروا على سبيل المثال لا الحصر، تعاني من النقص في الدعم المالي، وهو ما يضيف عقبات كثيرة تعترض عمل هذه المنظمات، فتبدأ بمشاريع كبرى سرعان ما تنتهي إلى نتائج هزيلة، وضياع الأهداف الحقيقية. ولا تستثنى منظمات المجتمع المدنيّ السورية المحدثة، ومن بينها المنظمات المعنيّة بشؤون المرأة، من مواجهة هذه الصعوبة المشتركة عالمياً.

غير أنّ نقص التمويل ليس مشكلة المنظمات الأولى، رغم أهمّية هذه المشكلة، فالتمويلات وإن كانت ضعيفة إلا أنها موجودة. المشكلة الأساس هي في نقص الكفاءات وضعف التأهيل والخبرة التخصّصية، وهذا يظهر في عدم وجود رؤية واضحة لدى العديد من المنظمات، وافتقارها إلى برامج عمل محدّدة، حيث يغلب على أنشطة معظمها الطابع الارتجاليّ والمناسباتيّ. هذا وغيره من العوامل أدّت إلى ظهور منظمات وجمعيّات شكليّة، موجودة بالاسم وعلى قوائم التمويل لا أكثر، بينما لا أثر لها يُذكر على أرض الواقع، فيما يقتصر عمل أخرى غيرها على توزيع بعض المعونات والقيام بنشاطات ذات طابع اجتماعي عام، ثم الترويج لذلك على أنه عمل “نسوي”.

إن تقييم أداء المنظمات النسوية يجب أن يكون من خلال آليات منهجية وليس الاكتفاء برضى المموّلين أو الجهات الداعمة. ويمكن القول، إن الخلط ما بين النشاط السياسي والمجالات الأخرى، كالعمل الإعلامي والحقوقي والمدني والنسوي.. أدّى إلى هيمنة الأجندات السياسية الخاصة لدى كثير من المنظمات على حساب مجال نشاطها المفترض، وهذا يحصل أيضاً في منظمات تصف نفسها بأنها “نسوية”، حيث تتمثّل المنظمة الاتّجاه السياسي الذي يتبنّاه القائمون والقائمات عليها، وتبتعد عن الاحتياجات الحقيقية للمرأة السورية في مختلف أماكن وجودها، سواء داخل سوريا أو خارجها، في مخيمات اللجوء أو في الدول الأوروبية التي لجأ إليها عدد كبير من السوريين.

في مستوى آخر، فإن العقبات التي تواجه مختلف المنظمات النسوية كبيرة، من حيث وعي الفئة المستهدفة وقبولها للعمل المدنيّ المنظّم. والكثير من النساء يرفضْنَ المشاركة في نشاطات غير تقليدية، لأسباب عدّة لا تقتصر على منعهنّ من قبل المجتمع الذكوري المسيطر عليهن، وإنما بسبب عدم امتلاك الوقت الكافي للمشاركة نتيجة انشغالهنّ في العمل على تأمين متطلبات أسرهنّ. من الملفت هنا أن بعض المنظمات تسعى لجذب النساء من خلال مشاريع ربما تلامس اهتماماتهنّ الحياتية وقد تلبّي بعض حاجاتهنّ، كمشاريع الأشغال اليدوية التقليدية مثلاً، ممّا يخشى بأنه تكريس للصوة النمطية للمرأة، فضلاً عن أنّ أنشطة من هذا النوع لا تندرج ضمن العمل النسوي الذي تفترض هذه الجهات أنها تعمل تحت يافطته. المفارقة تكمن في أنّ هذه الأنشطة غير النسوية تساهم في الوقت نفسه في توفير استقلال مادي نسبيّ تحتاجه نساء غير متعلمات وغير مستقلّات اقتصادياً، وبالتالي فإن التعامل مع هذه المشاريع يتطلّب جهوداً كبيرة لتحقيق التوازن المطلوب بين رفع مستوى وعي المرأة بذاتها وبحقوقها، والأخذ بيدها لتحقيق استقلالها وتحسين وضعها الماديّ.

إن الأوضاع الصعبة التي تعانيها النساء السوريات أدّت إلى فقدان الكثيرات لمكتسباتهن السابقة، ففقدن أبسط الحقوق التي كانت بديهية في وقت سابق، وهنّ يحتجْنَ لثورة حقيقية على جميع الصُّعد لاستعادة المكتسبات الضائعة والحصول على المأمول من الحقوق، ولا سيّما في مناطق سيطرة الجماعات المتطرّفة.

في المقابل، وبالرغم من الصعوبات، يُسجّل أيضاً نجاح كثير من النساء السوريات في كسر القيود وخلخلة المفاهيم التقليدية السائدة وتحصيل مكتسبات جديدة تعكس رغبتهنّ في الاستقلالية والتحرّر، وتمثلهنّ لشعور المساواة. يبقى الرهان على تمثّلهنّ الأصيل لهذه المفاهيم وإيمانهنّ بها، إضافة إلى وجود تنظيمات نسوية حقيقيّة تسعى لتثبيت هذه المكتسبات قانونياً وحقوقياً في النصوص التشريعية، فتلغي التمييز القانوني والتشريعي ضدّ النساء لتضمنّ مساواتهنّ الفعلية مع شركائهنّ الرجال في المجتمع والدولة.

لا يمكن أن تُبنى قيادات نسائية سياسية ومجتمعيّة دون تعاون ومساهمة فعّالة من منظمات المجتمع المدني، وقد أثبتت تجارب عديد من الدول أن للمشاريع التي تنجزها المنظمات دوراً رئيسياً في إنجاز حقوق النساء وإتاحة الفرص لهنّ للمشاركة الفعّالة، بعيداً عن الشكليّات والاستعراض.

نحن بحاجة ماسة إلى مشاريع يقودها مناضلات ومناضلون، حقوقيّات وحقوقيّون يغلّبون الأهداف الحقوقيّة على المصالح السياسية. لا تكفي الخبرة أو “الشطارة” في الحصول على التمويل، فالمطلوب امتلاك الخبرات والأدوات الصحيحة لبناء الخطط وتنفيذها، ومواجهة التحدّيات والصعوبات الهائلة التي تعترض العمل، بعيداً عن الشعارات البرّاقة والانفعالات اللحظيّة الدعائية. وإن كل خطوة في الاتّجاه الصحيح، تقوم بها أيّ جهة كانت ومهما كانت هذه الخطوة صغيرة، تُعتبر تقدّماً في طريق إنجاز الأهداف الإنسانية والنسوية في الحرّية والمساواة.

هل يمثّل ذلك واقع النساء السوريات اليوم؟

هل يمثّل ذلك واقع النساء السوريات اليوم؟

أترك تعليق

المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015