alestiklal- “كنداكة” السودان وبائعة مناديل العراق و”راكلة رجل السلطة” في لبنان، كلها صور انتشرت لنساء قرّرن الخروج في الاحتجاجات التي تعيشها الدول العربية للمطالبة بنفس مطالب المحتجّين الرجال، بما أنهم يتقاسمون نفس الوطن ويعانون من نفس الفساد.. خروجهنّ أثار استغراب الكثيرين؛ حتى جعل منهنّ البعض “أيقونةً للثورة” بنشر صورهنّ والاحتفاء بهذا الخروج، وهاجمهنّ البعض عبر التهكّم واختصارهنّ في جسد.
ليست المرة الأولى التي تخرج فيها المرأة للثورة أو الحرب؛ نسيبة بنت كعب المازنية أول محاربة من النساء في الإسلام، فيما شاركت أسماء بنت يزيد مع النبي في “غزوة خيبر”، وشاركت في حرب المسلمين على الروم في معركة اليرموك، وكانت أسماء يومئذ زعيمةً للنساء المُشارِكات في الحرب، ويذكر المؤرّخون أنها قتلت تسعةً من الروم بعمود خيمتها في هذه المعركة.
وفي الدول العربية شاركت النساء في حروب مصر وسوريا ضدّ إسرائيل، ولعبت المرأة دوراً إيجابياً في حرب التحرير الوطني الجزائرية وفي الثورة الفلسطينية. فلماذا أحدث خروجها مؤخراً كلّ هذه الضجّة؟
حالة مُستَغرَبة!
لقيت صور المتظاهرة السودانية آلاء صلاح انتشاراً واسعاً في غضون أسبوع من نشرها، و”أصبحت تجسّد الثورة السودانية بأكملها”، بحسب موقع “بي بي سي” البريطاني.
مسؤولة الفن الحديث والمعاصر في المعرض الوطني في براغ، الدكتورة جوليا تاتيانا بيلي، قالت: “لقد أدهشتنا مصداقيتها وعفويتها في عالم مليء بالصور المُنَظَّمة”.
ورأت المؤرخة الفنية، الدكتورة تينا ريفرز ريان: “أن قوة الصورة تكمن في هيئة آلاء صلاح، فالإشارة إلى الأعلى تدل على توجيه الطاقة إلى نقطة واحدة مركّزة، بينما وضع اليد على البطن خلال الحديث، يشير إلى أن كلامها صادر من أعماقها. وقد عكست اللقطة صورة مغايرة للصورة النمطية للمرأة العربية، وقبل أن يصل هذا المعنى للعالم، كان للصورة صدىً إيجابياً بين السودانيين، وظهر ذلك من خلال المحيطين بها الذين حملوا هواتفهم لتوثيق اللحظة.”
وقد ذهب موقع “بي بي سي” إلى حدّ إطلاق وصف “الأيقونة” على آلاء، ومقارنتها بجيفارا وباراك أوباما، وفي الوقت الذي لم تقف فيه الصحف عند صورة أيّ من آلاف الشباب السوداني الذي يخرج للمطالبة بحقوقه، وجدت في صور آلاء صالح لقطةً تستحق الوقوف عندها.
منظمة “هاينريش بول” الألمانية المستقلة المتخصّصة في مراقبة السياسات الخاصة بالتفريق بين الجنسين، قالت: “إن مشاركة المرأة في صنع القرار في المنطقة العربية التي تشهد حراكاً سياسياً لا بل دمويّاً حادّاً، تثير اهتمام الناشطين في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان بشكلٍ كبير”، مشدّدةً على: “أن إرساء الاستقرار فيها بحاجة لدور المرأة التي شاركت في بعض التحرّكات الشعبية العربية.”
تلك الدول التي لا زالت تبحث في صراع عنيف عن إمكانية إحلال السلام، “يجب أن تعرف بأنّ المرأة بطبيعتها داعية أساسية للأمن والأمان فيها، علماً بأن تلك المرأة نفسها هي التي دفعت غالياً ثمن الصراعات السياسية على حساب كرامتها وتفتّت عائلتها وفقدانها لإمكانية التأثير الفاعل في مجريات الأحداث التي تساهم في تهميشها، لا بل بتراجعٍ كبير لدورها في ظلّ التطرّف والتحجّر الفكري”، بحسب المنظمة.
لعنة الجمال
تحوّل جمال اللبنانيات إلى لعنةٍ عليهنّ، عندما قرّرن الخروج للشوارع في احتجاجات عن الوضع السياسي والاجتماعي في البلد. وبدأت اللعنات بتغريدة رجل الاعمال المصري نجيب سويرس، الذي لم ير في كلّ ما يحدث في شوارع لبنان سوى جمال نسائه، مما أغضب عدداً كبيراً من الناشطين السياسيين والحقوقيين من مختلف الدول.
سويرس لم يكن الوحيد بل إن علاء، ابن الرئيس المخلوع حسني مبارك، أعاد نشر تغريدةٍ ساخرة تُقارن بين ثورتي لبنان ومصر.
وترى نجلاء محمد جابر في دراستها التحليلية عن الإعلام الجماهيري: أن “تشييء المرأة والتعامل معها كسلعة مُعَدَّة للتسويق من أجل تحقيق الأرباح، لا يتعلّق بالإعلانات والدراما فقط، بل يحدث في السياسة والاقتصاد أيضاً. وذلك لتحقيق أهداف مدروسة ومخطّط لها مسبقاً”.
كما عرّف المتخصص في الإعلام الألماني اوتوجروت: أن “الإعلام هو التعبير الموضوعي لعقلية الجماهير وروحها وميولها واتجاهاتها في الوقت نفسه”. ولا يكتمل الإعلام بحسب الباحث إلا بوسائل إيصاله عندما يزوّد الناس بأكبر قدرٍ من المعلومات والحقائق الواضحة الهادفة من أجل التنوير والتثقيف ونشر المعلومات الصحيحة التي تناسب عقول الناس وترفع مستواهم، “هكذا فقط يخاطب الاعلام والعقول لا الغرائز”، طبقاً لما ذكرته هذه الدراسة.
لكن صحيفة عكاظ السعودية اختارت الجزء الثاني من نظرية اوتوجروت، عندما نشرت تقريراً عن ثورة لبنان عنونته بـ”حسناوات لبنان.. كل الحلوين ثورَجية”، وأرفقتها بصورٍ لمواطنات لبنانيات خرجن للتَظاهُر. وواجهت الصحيفة انتقادات واسعة خصوصاً أنها وسيلة إعلامية تتبع لمملكةٍ لم تحصل فيها المرأة ولسنوات طويلة على أبسط حقوقها.
في كتابها “الجندر.. ماذا تقولين”، قالت عزة شرارة بيضون: “إن العنف ضدّ المرأة تجاوز العنف الجسدي والجنسي إلى مجالات تسوّغ وقوعه على المستوى القانوني والاقتصادي والسياسي وكذا التعصّب الجندري.”
وبحسب الكتاب ذاته: فإن “تشييء المرأة والنظر إليها كجسد فقط هو خفض لإنسانيتها على مستوى الشيء عبر استخدامها وسيلة لتحقيق غاية معينة، لا لاعتبارات ذات صلة بها كإنسان، وهو ما يسلُبُها كرامتها، تلك الخاصية المميزة للجنس البشري”.
اهتمام موسمي
وسط مئات المتظاهرين بشوارع بغداد برز مشهد سيدةٍ عراقيّة توزّع المناديل على المتظاهرين مجاناً، في الوقت الذي كانت تجري فيه مواجهات بينهم وبين السلطة.
وقد نشرت وسائل الإعلام مقطع الفيديو الذي التقطه أحد المشاركين في المظاهرات، وقالت إنها تعاني من البكم، ليتبيّن بعد ذلك أن الخبر غير صحيح؛ بعد أن أجرت بائعة المناديل مقابلةً صحفية مع إحدى القنوات، تحدّثت فيها عن وضعها الاجتماعي المُزرِي.
بائعة المناديل لم تكن الوحيدة التي حظيت باهتمامٍ كبير من قبل مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، فقد تداول هؤلاء على نطاقٍ واسع فيديو لسيدة لبنانية تواجه أحد أفراد الجيش. سِنُّ السيدة وحِوارها جعل العساكر يقفون مكتوفي الأيدي مُنصتين لكلامها، قبل أن يقبّل أحدهم رأسها لتتحوّل إلى إحدى لقطات الثورة.
في ورقة بحثية بعنوان “السبل الكفيلة بتغيير الصورة النمطية للمرأة في الإعلام”، قالت الباحثة وفاء محمود: “إن اهتمام الإعلام بقضايا المرأة وتغطياتها ارتبط بالمناسبات والاحتفالات، وكثيراً ما اتخذ شكل تغطيات إخبارية للأنشطة والبرامج، دون استثمار هذه المناسبات في طرح معالجات جادّة ونقاشات حيوية حول هذه القضايا.”
وتابعت الباحثة: “وقد اتخذ هذا الاهتمام شكلاً موسميّاً يبدأ مع المناسبة وينتهي بها. وتقف النمطية السائدة في التعامل مع قضاياهنّ عقبةً أمام جهودهنّ في طرح قضايا المرأة بشكل اوسع والارتقاء بالعمل الاعلامي.”
واعتبرت الباحثة: “أن دخول المرأة لسوق العمل وتميّزها بما تقوم به من أعمال، ألزم وسائل الإعلام كافة أن تتابع نشاطاتها وتلقي الضوء عليها، حتى تكون قضيتها في صلب كلّ نقاش أو محاولة إصلاح تتعلّق بقضاياها، ولكن السؤال: هل أنصفتها وسائل الاعلام؟”
قدسية الجسد
في دراسةٍ شاركت فيها مؤسسة “بروموندو” لتعزيز المساواة بين الجنسين ومنع العنف، اعتبر المشاركون رداً على مشاركة المرأة في النزاع، بما في ذلك دورها كمقاتلة ودورها في المجتمع أثناء الحروب والصراعات: أنّ “مشاركتها قد تنتقص من أنوثتها”، وهو ما يعزّز النظرة النمطية للمرأة لدى المجتمعات العربية وحصرها في خانةٍ ضيّقة.
في حين اعتقد بعض المشاركين أنّ المرأة تضطلع بدور في المجتمع حتى في الحرب أو الصراع، لكن ليس كمقاتلة، إنما بتعزيز دورها المعهود في مجال تقديم الرعاية دعماً للحرب.
وقالت: “على المرأة في الحرب أن تساعد الرجال، وأن تطبخ لهم، وأن تعتني بهم”، بحسب الدراسة التي تهدف إلى المساهمة في تحقيق فهمٍ أكبر لكيفية تأثير الرجوليّات والعلاقات على أساس الهويّات الجندريّة بسياقات ما بعد النزاعات وبتأثر التهجير المتصل بالنزاعات.
كما رأى عددٌ قليل من المشاركين في الدراسة أنّ الحاجة أكبر لحماية جسد المرأة في الحرب، في ظلّ تزايد الخطر الذي تتعرّض له، وهنا شدّد المشاركون بالدراسة على ضرورة أن تَلزَم المرأة موقعها في المنزل، لأسباب تتعلّق بحمايتها.
المصادر:
- دراسة تحليلية في الإعلام الجماهيري
- أهمية دور المرأة في صنع القرار السياسي
- الجندر… ماذا تقولين؟
- how to create an conic image?
- نساء عربيّات في الحروب: القتال والقنص وقيادة الجيوش
- الحرب والهويات الجندرية للرجال والعلاقات على أساس الهويات
- ورقة بحثية بعنوان “السبل الكفيلة بتغيير الصورة النمطية للمرأة في ال علام” من إعداد وكالة الأنباء الأردنية (بترا) بتعاون مع اليونسكو 12/2011
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.