جينيفر هوليس وعمر البم/ Qantara- نتيجة للحرب تضاعف عدد النساء العاملات في سوريا. دخولهن سوق العمل جاء بدافع الشجاعة والضرورة والحاجة إلى كسب العيش وإطعام الأسرة تحت ظروف الفقر.
قبل حوالي ثمانية أسابيع بدأت مفيدة رحمون برؤية جيرانها في مخيم اللاجئين في معرة مصرين بعيون مختلفة، فمنذ أن افتتحت مفيدة (38 عاما) شركة الألبان الصغيرة الخاصة بها، لم يعد هؤلاء الأشخاص بالنسبة لها مجرد جيران فقط، وإنما أيضا زبائن فعليين أو محتملين.
تقول الأم لطفلين في حديثها لدويتشه فيله: “تمكنت من كسب 40 دولارا خلال الشهر الأول، وهو ما يكفي لإطعامي وأطفالي”. عيناها تبوحان بمقدار الفخر الذي تشعر به: “إنها المرة الأولى التي أشعر فيها بالأمل في حياة أفضل بعد كل ما حدث في السنوات الماضية”.
بعد عام على اندلاع الصراع في سوريا، اختفى زوج مفيدة في 29 أغسطس/آب 2012. في البداية، قررت البقاء في منزلهم في مسقط رأسها بلدة التح، ولكن بعد أن دخلت روسيا الحرب إلى جانب النظام السوري في عام 2015، اشتعلت النيران في مكان سكنها بعد القصف الروسي، وتحكي عن ذلك لدي دبليو: “لقد فقدت منزلي وكل ما نملكه. واضطررنا إلى الفرار بين عشية وضحاها عندما استولت قوات النظام السوري على البلدة”.
ومنذ ذلك الحين تعيش مع أطفالها في فقر مدقع في خيمة صغيرة بمخيم معرة مصرين للاجئين، شمال إدلب، إلى أن افتتحت المشروع مؤخرا. لقد كانت العائلة تعتمد اعتمادا كليا على المساعدات الدولية، حيث لم تكن لدى مفيدة رحمون رعاية نهارية لأطفالها، ولم تدرس أو تتدرب على وظيفة.
ومع ذلك، وفي وقت سابق من هذا العام، عرضت إدارة المخيم على مفيدة فكرة للتدريب. تتذكر قائلة: “لقد عرضوا على تدريبا مهنيا في مجال الألبان”، وتضيف بحماس أن “النساء الأخريات شجعنني ووعدن بشراء منتجاتي”.
وبعد اتباع دورة مكثفة لمدة 15 يوما، حصلت على منحة للمشروع بقيمة 800 دولار من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، مما مكنها من شراء المنتجات والأدوات، وأنشأت متجرا في خيمتها.
وحتى الآن تسير الأمور على ما يرام؛ فقد حافظ جيرانها على كلمتهم واستمروا في الشراء منها، كما بدأ عدد قليل من السكان المحليين في طلب الحليب والجبن. تقول مفيدة: “آمل حقا أن يتوسع هذا العمل وأن يمكنني من تغيير وضعنا إلى الأبد”.
نظراً لتدهور الظروف الاقتصادية والصراع المسلح المستمر وعدم وجود معيلين ذكور نتيجة للحرب، فإن مفيدة رحمون ليست المرأة السورية الوحيدة التي دخلت سوق العمل لأول مرة. فوفقا لتقرير المرصد الاقتصادي السوري لهذا العام الصادر عن البنك الدولي، تضاعفت مشاركة الإناث في سوق العمل من 13 في المائة في عام 2010 إلى 26 في المائة في عام 2021. وبالمقارنة، تغيرت نسبة القوى العاملة من الذكور بشكل طفيف فقط من 72 إلى 76 في المئة خلال نفس الفترة.
دخول مفيدة رحمون عالم الأعمال من خلال الألبان، يسلط الضوء أيضا على بداية التغيير، فإدلب لديها القدرة على التحول من منطقة محافظة للغاية في سوريا إلى مكان واعد لرائدات الأعمال، لولا الظروف السياسية الحالية.
اتجاهات جديدة
ومنذ عام 2017، استثمر صندوق الأمم المتحدة الإنساني السوري عبر الحدود 76 مليون دولار في 67 شركة صغيرة وبرامج تدريب مهني ومنح أولية في شمال غرب سوريا. عن ذلك تقول مادفي سون، المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UNOCHA)، لدويتشه فيله: “51 بالمئة من الأشخاص الذين تدعمهم هذه البرامج هم من النساء”. أحد هذه المشاريع هو منظمة “بارقة الأمل” في وسط مدينة إدلب التي تديرها سوسن سعيد. تقول السيدة البالغة من العمر 48 عاما: “أنا أؤيد النساء في التفكير خارج الصندوق”. كان أحد أحدث مشاريعها هو تدريب مجموعة من النساء على إصلاح الهواتف المحمولة – وهو قطاع في سوريا كان في أيدي الرجال بالكامل. لم يستغرق الأمر وقتا طويلا للعثور على مدرب وما يكفي من النساء المهتمات لبدء التدريب. وتضيف: “لقد تفوقن في ذلك وهن مشغولات جدا الآن”.
إيناس مناع (23 عاما) تقدمت بطلب للحصول على تدريب مهني تموله الأمم المتحدة كمصورة فوتوغرافية. تتحدث لدي دبليو عن تجربتها: “بما أنه لم يكن لدي المال لإكمال دراستي في جامعة إدلب، فقد شعرت بالضياع لمدة عام تقريبا”. ولكن بعد التدريب، افتتحت استوديو التصوير الخاص بها، بل ووظفت امرأتين. وتضيف: “ساعدتني هذه الفرصة على كسب ما يكفي من المال للعودة إلى الجامعة على الرغم من الحرب المستمرة”.
تغيير وجه إدلب
وعلى مدار الاثني عشر عاما الماضية، تدهور الوضع في شمال غرب سوريا من منطقة زراعية غنية إلى واحدة من أكثر المناطق فقرا. ووفقا للأمم المتحدة، يعيش حوالي 2,8 مليون نازح في حوالي 1500 مخيم للاجئين في هذه المنطقة. إلى جانب ذلك، أصبحت واحدة من آخر المعاقل ضد الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه. تقول آنا فلايشر، رئيسة مؤسسة هاينريش بويل التي تتخذ من بيروت مقرا لها، في حوار مع دي دبليو: “يواصل هؤلاء المدنيون في إدلب وحولها مقاومة نظام الأسد، ويتعرضون أيضًا للمضايقة من قبل مختلف الجماعات المسلحة التي وجدت مأوى في هذه المنطقة”. ومن الإنصاف القول إن هذا الوضع أيضا لم يحسن حياة النساء.
وتضيف فلايشر: “من ناحية، تخشى النساء في إدلب الجيش السوري والقوات الروسية، ومن ناحية أخرى، فإن الميليشيات الإسلامية مثل هيئة تحرير الشام وغيرها ليست أكبر المعجبين بفكرة أن النساء يتعلمن ويعملن ويصبحن مستقلات ماليا أيضا”.
فلايشر، التي عملت سابقا في منظمة تمكين المرأة “المرأة الآن من أجل التنمية”، تعرف بشكل مباشر العديد من المشاريع التي انتقلت إلى منطقة إدلب واستمرت هناك مضطرة بعد النزوح من المدن التي سقطت مرة أخرى في يد النظام السوري. “ولكن في إدلب عليها العمل تحت المراقبة” تقول فلايشر.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.