موقع (أمل برلين) الإلكتروني- قد تذهب إحدى السيدات البوسنيات إلى أحد المتاجر لشراء شيء ما، فتتفاجأ بأن البائع هو مغتصبها منذ حوالي 25 عام، حيث تعرضت عشرات الآلاف من النساء البوسنيات للاغتصاب من قبل الجنود الصرب خلال حرب البوسنة من 1992 وحتى 1995، وفي الموصل وشمال العراق مازالت النساء الأيزديات يعانين آثار عمليات الاغتصاب الممنهج ضدهن من قبل أفراد تنظيم داعش، وبيعهن من مالك لآخر في أسواق النخاسة، والبعض منهن مازلن حتى هذه اللحظة في قبضة داعش، بل ومن استطعن الهرب لم يتمكن من العودة إلى حياتهن الطبيعية.. أما في سوريا فقد تعرّضت النساء للتعذيب الوحشي والاغتصاب والتزويج القسري في كلّ من سجون النظام وعلى يد داعش..
قضايا نسوية غالباً ما تكون متوارية خلف النزاعات المسلحة في العالم تمت مناقشتها من حيث علاقتها بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1325 الصادر عام 2000 والمعني بتأثير النزاعات على النساء وأهمية إشراكهن في مجالات وقف الصراعات باعتبارهن أصحاب مصلحة، وذلك في إطار فعاليات الندوة الفيدرالية الدولية والمعنونة بـ “تربيع الدائرة للمرأة والسلام والأمن” والتي نظمتها مؤخراً في برلين، مؤسسة Deutscher Frauenring حيث دعيت سيدات نسويات من معظم بلدان العالم، بالإضافة للتحالف الدولي للنساء IAW.
الإيزيديون ومعاناتهم التاريخية المتواصلة
عرضت حسنية جوناي مؤسسة المجلس الخيري للمرأة الإيزيدية Binevsـ تاريخ الإيزيديين ثم الواقع المحزن لهم وكيف تعرّضوا على مرّ التاريخ لـ 74 جريمة إبادة عرقية جماعية آخرها المجزرة التي وقعت في 4 أغسطس/ آب شمال العراق عام 2014، بمنطقة سنجار من قبل داعش، حيث قام عناصر تنظيم الدولة الإسلامية بقتل عدد كبير من الإيزيديين واختطاف النساء واغتصابهن، ثم حاصروهم لعدة أيام في مشهد من أكثر المشاهد إجراماً إلى أن استطاعوا الهرب إلى جبل سنجار، ثم محاولة بعض القوى تأمين طريق لهروبهم من الجبل إلى أماكن أكثر أمناً، ثم عرّجت على ما فعله الحكام المسلمون بالأيزيديين على مر التاريخ واصفة إياهم بالـ “البربر الذين دمروا الحضارة الأيزيدية”.
وأرجعت جوناي سبب اضطهاد الإيزيديين من قبل المسلمين لسببين، الأول إثني لكونهم أكراد، والثاني ديني لاعتناقهم ديانة غير معروفة وغير متسامح معها.
وفيما يتعلّق بتسليح المرأة الإيزيدية؛ برّرت جوناي ذلك بأنه كان من الإنسانية عدم ترك الرجال الإيزيديين وحدهم في مواجهة داعش بينما تجلس الإيزيديات وتترك رجالهن يحاربوا من أجلنا.
التبشير واستغلال المسألة الإيزيدية
انتقدت حسنية وبغضب شديد ما تقوم به البعثات التبشيرية المسيحية والإسلامية للإيزيديين في مناطق تواجدهم تحت ستار المساعدة الإنسانية، مشدّدةً على رفضها القاطع لتحويل الإيزيديين عن دينهم، فلماذا لا يحترم الآخرين دينهم. كما أشارت لوضع الإيزيديين في مخيمات اللجوء في العراق قائلة: “يضعونهم في هذه المخيمات في العراق وكردستان ويحتفظون بهم هناك ولا يساعدونهم على العودة إلى سنجار ليجعلوا منهم تابعين، فلا يوجد لا إرادة سياسية ولا حتى مشاريع إنمائية لمساعدتهم على ذلك”.
وعوّلت على ألمانيا والعالم الغربي، ثم طالبت بألا يطلق أحد تسمية “يزيديين” عليهم والتي هي نسبة ليزيد بن معاوية والتي وصفته بأنه داعشي آخر، وأكدت على كلمة “إيزيدي” والتي تعني “المخلوق”. ووضعت حسنية المجتمع الدولي أمام حلّين، الأول أن يخرج الإيزيديين إلى الولايات المتحدة حيث سيفقدون جذورهم وثقافتهم وهو ما تعارضه بشدة، أو إلى ألمانيا والذي سيكون بمثابة تحدٍّ كبير للمجتمع الألماني غير المستعد على حدّ قولها، أما الحل الثاني فيتمثّل لديها بتضافر كل القوى الدولية لدعم الإيزيديين وكل الأقليات الدينية والعرقية المقموعة في الشرق الأوسط، وهنا يجب القضاء على داعش، وإعادة الإيزيديين إلى سنجار، ودعم المؤسسات التعليمية والبنية التحتية التي دُمّرَت بواسطة التنظيم المتطرّف، ووقف عمليات التبشير وربطها بالمساعدات الإنسانية، وخلق البيئة المناسبة لعمل المنظمات الإنسانية، ضمان ممارسة كل الإيزيديين لحقهم في التعليم والعمل، فالإيزيديون في تركيا يحرمون من العمل في بعض الوظائف كالتعليم والمحاماة.
استبعاد المرأة السورية من “محادثات السلام”
لا تقتصر مأساة المرأة السورية فقط على ما تعرّضت له بعض النسوة من تعذيب واغتصاب في سجون النظام أو من عناصر داعش، بل إنه وحتى خارج الحدود السورية وفي محافل “صنع السلام” الدولية كانت المرأة السورية مهمّشة، وهو ما أشارت له عضوة التحالف العالمي للنساء أنجي فيرزينجا، حيث عبّرت عن رفضها لما حدث “من قيام بعض قوى المعارضة السورية المَدعُوَّة لحضور جلسات محادثات السلام في جنيف برفض جلوسهم على نفس الطاولة مع النساء السوريات، وهو ما استجابت له الأمم المتحدة بعزل النساء المشاركات في مكانٍ آخر بحيث تتمّ المحادثات في قاعة الرجال ثم يرسلون شخص ما إلى مكان اجتماع النساء ليطرحوا عليهن ما تمّ النقاش حوله في قاعة الرجال”.
ترفض أنجي بشدّة هذا الأمر بسبب التمييز، وهو ما اتفقت معه السورية مارية العبدة مديرة منظمة “المرأة الآن من أجل التنمية” وأشارت إلى مشكلة أن الأمم المتحدة ليس لديها أيّة قوة لتفعيل مشاركة المرأة في المحادثات، ولكنها أبدت تحفّظين أساسيين على مسألة مشاركة المرأة السورية في محادثات السلام، الأول: فيما يتعلق بأنه لا أحد يعرف من هنّ المشاركات في محادثات السلام، والثاني أنها كامرأة لن تقبل سلام بلا عدالة، والتي يتمّ التغاضي عنها في النقاشات لأسباب تتعلّق بالخوف أو لأن الحديث عنها سيؤدي إلى مشكلاتٍ للنساء لدى عودتهن لسوريا، قائلة: “إذا كنا نتحدّث عن النساء كصانعات سلام فلابد من الحديث عن سلام مستدام، فكيف يمكننا عقد سلام مع التغاضي عن الحديث عن المختطفين والمختفين، هؤلاء لديهم عائلات وأبناء ولن ينسوا ما حدث لذويهم، وتجاهل تطبيق العدالة سيحيلهم إلى مجموعة من المتطرفين”.
تصدير السلاح والعنف ضدّ المرأة
لم تعد الدول الصناعية الكبرى، ومن بينها ألمانيا، بعيدة عن مواجهة الاتهام بالمساهمة في تردّي الأوضاع الإنسانية في مناطق النزاع بسبب تصدير السلاح، فعلى سبيل المثال تواجه شركة Heckler & Koch مشكلة كبيرة نتيجةً لقيامها بتصدير أسلحة نارية إلى المكسيك، والتي من المرجح أن تكون نفس الأسلحة التي قُتِلَ بها طلبة حادثة جيريرو الشهيرة على يد أفراد الشرطة هناك.
وتعدّ المرأة طرفاً ذات مصلحة في وقف تصدير الأسلحة، وهو ما أشار إليه القرار رقم 1523، لذا تصدّرت مسألة تصدير السلاح لمناطق النزاع في العالم النقاشات خلال الندوة، وانتقدت السيدات مساهمة صناعة السلاح في العالم في التأثير على المرأة في مناطق النزاع، “السلاح لا يحمي، السلاح يقتل، دائماً هناك وزارات دفاع لكن لا يوجد وزارات للسلام، يتداول الساسة مقولة: (إذا أردت السلام فعليك أن تعدّ للحرب) وهذا هو بالضبط فكر الإمبراطوريات القديمة الذي يسيطر على ساسة اليوم”.
وبسؤالها حول دورها كناشطة نسوية ودور الرابطة في وقف انتاج وتصدير الأسلحة؛ قالت عضوة رابطة النساء الدولية للسلام والحرية WILPF هايدي ميانسولت: “نعمل على ثلاثة مستويات، الأول: المحلي من خلال إعلان الرفض والاستنكار ونذهب إلى مصانع السلاح ونتحدّث مع العمال هناك، بالإضافة للحديث مع السياسيين المحليين، ونتحدّث معهم بأنه حتى الأسلحة التي لا تستخدم في الحروب الخارجية يتم استخدامها في الصراعات المحلية. وأما المستوى الثاني فيتمثّل في قيام السيدات بتقديم اقتراحاتٍ للسياسيين المحليين، لأن تسريح العاملين في هذا المجال سيؤدّي إلى صعوبات جمّة سببها أنهم في مجالات تخصصية يصعب إيجادها في خارج هذه الصناعة،”. مؤكّدةً على ضرورة “تحرّك نقابات العمال لتلعب دوراً في هذا الشأن”. وأما المستوى الثالث فهو سعي على المستوى الدولي لوضع اتفاقية تجارة السلاح التي لا يتم احترامها على رأس أجندة الفعاليات الدولية.
كما انتقدت هايدي الموقف الرسمي لألمانيا بوقف تصدير الأسلحة إلى السعودية بشكلٍ مؤقّت بسبب مقتل الصحفي جمال خاشقجي، متجاهلاً ما يحدث من مجازر في اليمن.