إليج نون/ رصيف22- كانت العلاقة الجنسية “التقليدية” بين الجنسين تقوم على فكرة السيطرة والخضوع، وفق ما حاولت برهانه دراساتٌ عدّة سنتطرق لها في هذا المقال. إذ إن إقدام الرجل على القيام بالخطوة الأولى كان يعدّ من البديهيات، فهو الطرف الذي يبادر دوماً في السرير سواء كان ذلك عن طريق الغزل أو المداعبة، في حين أنّ دور المرأة كان يقتصر فقط على التلقي وإيصال شريكها إلى النشوة الجنسية. بالطبع مع استثناء الأفراد الذين آمنوا دوماً بحرية التعبير الجنسي المطلق.
وبمرور الوقت حدثت تقلّباتٌ عديدة ساهمت في تغيّر المفاهيم والعادات، خاصّةً مع “تحرّر” المرأة من قيودها الاجتماعية وحتى الجنسية.
وفي خضم الحركة النسوية، يقف البعض عاجزاً عن تَقَبّل “الأصوات الجريئة” الداعية إلى تحقيق المساواة بين الجنسين في كافة المجالات، على اعتبار أنّ مثل هذه المطالب ينعكس سلباً على العلاقات الحميمية بين الجنسين.
أين تقف النسوية من الحياة الجنسية الصحية بين الأفراد؟
سيناريو عاطفي جديد
لا شك أن ظروف الحياة لم تكن دوماً تصبّ في مصلحة النساء، فالنظام الذكوري كان يحتّم على المرأة أن تكون خاضعةً لسلطة الرجل في تفاصيل الحياة اليومية وحتى في الفراش الزوجي.
ففي الماضي، كان ينظر إلى المرأة على أنها كائن ضعيف يقبع طوال النهار في المنزل فيما يذهب الرجل إلى العمل من أجل كسب الرزق، ونظراً لكونه المعيل الوحيد لعائلته يسمح لنفسه بأن يكون الطرف المسيطر في العلاقة وصاحب القرارات التي لا يمكن مناقشتها دوماً، بمعنى آخر كان يلعب دور الآمر الناهي في كل شيء.
واللافت أن الاختلال في القوة بين الجنسين لم يكن يتوقف على إدارة شؤون المنزل فحسب، بل كانت كلمة الحسم تعود للرجل حتى في الحياة الجنسية، بحيث يكون في أغلب الأحيان المسيطر في العلاقات الجنسية.
إلا أن هذا الوضع لم يبق على حاله، فالنسوية غيّرت كثيراً في مفهوم العلاقات الرومانسية بين الأفراد، بحيث أصبحت العلاقة العاطفية أكثر اعتدالاً، خاصة مع قيام النساء بكسر الصورة النمطية ولعب دورٍ فاعلٍ في الحياة الرومانسية عبر إحكام السيطرة على زمام الأمور عوضاً عن الاكتفاء بإشباع رغبات الرجل على حساب ملذاتهنّ.
هل النسوية تقتل الرومانسية؟
بخلاف الرأي العام القائل إن النسوية قد تقتل الرومانسية، فقد تبيّن أن المفهومين لا يتعارضان، بل على العكس يمكن للنسوية أن تساهم في تحسين نوعية العلاقات بين الجنسين، بحسب دراسةٍ قادتها “لوري رودمان” و”جولي فيلان”، من جامعة روتجرز في الولايات المتحدة الأميركية.
وفي التفاصيل، أراد الباحثان كسر هذه الصورة النمطية التي تعتبر أنّ الحركة النسوية تدخل في نزاعٍ مباشرٍ مع الرومانسية، من هنا قام “رودمان” و”فيلان” باجراء مسح شمل 242 طالباً جامعياً أميركياً، بالإضافة إلى استطلاعٍ عبر الإنترنت شارك فيه 289 شخصاً من كبار السن يحظون بعلاقاتٍ طويلة الأمد، وذلك من أجل الوقوف على نظرة الرجال والنساء للحركة النسوية وتأثيرها على سير العلاقة العاطفية، انطلاقاً من قياس الجودة الشاملة للعلاقة، والاتفاق على المساواة بين الجنسين، والاستقرار في العلاقة والرضا الجنسي.
وقد بيّنت الدراسة أنّ وجود شريكٍ يؤمن بالمبادىء النسوية يجعل العلاقة الجنسية أكثر صحية بالنسبة للنساء، وبدورهم أفاد الرجال الذين انخرطوا في علاقةٍ عاطفيةٍ مع نسويات؛ أنّ العلاقة كانت أكثر استقراراً وإشباعاً من ناحية تحقيق الرضا الجنسي.
من ناحية أخرى، قام المؤلفان باختبار صحة المعتقدات الشائعة والصورة النمطية التي تلاحق النسويات على اعتبار أنهنّ وحيدات، مثليات وغير جذّابات جنسياً، إلا أن النتائج أثبتت أن هذه الفرضيات تفتقر إلى الأدلة الحسيّة بعدما تبيّن أن المرأة النسوية كانت أكثر عرضةً للانخراط في علاقةٍ عاطفية من المرأة غير النسوية.
ولكن ما هي الأسباب التي تجعل الحياة الجنسية أفضل بالنسبة إلى النسويات؟
اعتبر موقع alternet أنه ليس من الصعب معرفة السبب الكامن وراء تمتّع النسويات بحياةٍ جنسيةٍ أفضل من غيرهنّ. فقد أوضح الموقع أن المرأة النسوية تنظر إلى شريكها كإنسان وليس كوسيلة لتحقيق غاية معيّنة، فهي تختاره بحكمة وفق مبادئه مما يجعل هذا الأخير يشعر بقيمته الفعلية.
كما أن المرأة النسوية تعتقد أن الحياة الجنسية هي عبارة عن لقاءٍ ممتع للطرفين؛ بحيث يجب أن يشعر كلاهما بالراحة والرضا بعيداً عن الشعور بالذنب أو بسوء المعاملة، من هنا فإنّ التجربة الجنسية تكون أكثر متعةً.
في السياق نفسه، فإن الرجل النسوي الذي ينظر إلى المرأة كشخصٍ يتمتع بحقوقه الإنسانية على أكمل وجه، وليس كحاضنة أطفال أو كأداةٍ جنسية أو كجزءٍ من ملكيته خاصة، سيحسن التصرف مع شريكته ويستمتع بوجودها إلى جانبه وفي ممارسة الجنس معها، خاصةً في حال كان هناك اتصال إيجابي بين الطرفين؛ على حدّ قول موقع The conversation الذي أوضح أن تحقيق المساواة بين الجنسين يجعل الثنائي أكثر سعادةً لكونه يخفّف من الأعباء الواقعة على كواهل الرجل والمرأة.
ويمكن القول إن تبنّي الفكر النسوي يُحَسّن الحياة الجنسية ولا يدمّر الروح الرومانسية، وهو أمرٌ أكّدته أيضاً “جيسيكا فالينتي” في كتابها Full Frontal Feminism: A Young Woman’s Guide to Why Feminism Matters؛ إذ أرادت من خلاله تجاوز الإيديولوجيات والقوالب النمطية المُجحفة بحقّ النسوية، وتوجيه دعوةٍ إلى القراء لكي يكونوا نسويين بالفعل.
واللافت أن الكاتبة كانت بدورها خائفة من إعلان انتمائها للحركة النسوية، إذ كانت تقول دوماً: “أنا لست نسوية ولكن”، من هنا أرادت من خلال كتابها أن توجّه دعوةً لقرائها لاعتناق النسوية التي تخدم المرأة بشكلٍ عام، وذلك من خلال فصول الكتاب التي تتحدث عن قضايا جريئة مثل الجنس، العنف والاعتداء الجنسي، الأمومة، صورة الجسد… وغيرها من المواضيع التي عالجتها الكاتبة عبر منظور نسوي، مشدّدةً على حقّ المرأة في السيطرة على جسدها وممارسة الجنس حين تشاء.
واعتبرت الكاتبة “سامهيتا موخوبادياي” أن هناك العديد من الكتب التي تحاول القول بأن النسوية تقتل الرومانسية، خاصةً أنّ كتب المواعدة بمعظمها موجّهة للنساء، انطلاقاً من فكرة أن المرأة هي أكثر استثماراً في العلاقة: “المرأة تريد دوماً المزيد، في حين أن الرجل يريد الأقل”.
من هنا تحاول “سامهيتا” دحض الأقاويل التي تعتبر أنّ المرأة غير مهيّأة لممارسة الجنس كالرجل، من خلال التشديد على أنّ الجنس لدى النسويات أفضل من العلاقة الجنسية التي تنخرط بها المرأة غير النسوية:
“إنهنّ يتمتّعن بجنسٍ أفضل لأنهنّ يقدّرن أجسادهنّ، ويعرفن جيداً الأمور التي يريدونها كما أنهنّ لا يحدّدن قيمتهنّ الذاتية من خلال شريكهنّ”، مشددةً في حديثها لموقع The globe and mail؛ على أنّ النسوية لا تجعل بالضرورة العلاقة العاطفية أفضل، إنما تجعل المرأة واثقةً من نفسها أكثر، فتعرف بالضبط ما تريد، وتؤمن بأنّ كيانها لا يعتمد فقط على نجاح العلاقة مع الشريك.