اليوم العالمي للمرأة: لماذا تتباين مواقف النساء العربيات من وضعهن في المجتمع؟
اليوم العالمي للمرأة 2022

BBC- هل موقف المرأة الحديثة الرافض لوضعها في المجتمع نتاج حداثي ؟.. الجواب هو النفي طبعا، لكن متى بدأت المرأة ترفض وضعها الذي ترى فيه تمييزا سلبيا عن وضع الرجل؟

كانت “ليليت”، الشخصية الأسطورية، أول أنثى اتخذت موقفا رافضا من عدم مساواتها برفيقها الذكري “آدم”، وقد ورد ذكرها في بعض الميثولوجيات القديمة.

لقد صورت”ليليت” في الميثولوجيات والأساطير القديمة بأشكال مختلفة، حسب موقف الثقافة التي أنتجت تلك الصور منها. فهي التي عرفت في الحضارة السومرية باسم “ليليتو”، صورتها الأكدية كربة الرياح التي تجلب المرض والعواصف والموت.

وذُكِرت “ليليت” في الحضارة الإغريقية واليونانية والمصرية القديمة والعبرية، ففي التوراة (السفر الأول-سفر التكوين) هي نظيرة آدم، التي خلقها الله كما خلق آدم، من المادة ذاتها، لذلك رفضت الخضوع له، على اعتبار أنهما متساويان.

وتنسب إليها بعض الميثولوجيات دور المحرض أيضا في قصة الخلق، فقد تمردت، ومن ثم هربت من الجنة، ثم ظهرت بشكل الأفعى التي تغري حواء، الزوجة البديلة، الخاضعة لآدم، بالتمرد مستخدمة وسائل الإغواء.

لم ترد إشارة تذكر لليليت في المسيحية، ولم يرد أي ذكر لها في القرآن.

منذ الحضارات القديمة وحتى يومنا الحاضر تباينت الأحكام الأخلاقية التي أطلقت على ليليت، فهي “الشريرة”، “العاهرة”، واسمها مرادف للعتمة في نظر بعض الأساطير، بينما يرى فيه البعض، خاصة في العصر الحديث، رمزا للتمرد على الغبن، والشجاعة والجرأة، والنضال من أجل المساواة.

المرأة المتمردة في الثقافة العربية

أما النسخة العربية الحديثة للمرأة المتمردة فهي حائرة بين رفضها للغبن في وضعها الاجتماعي وبالتالي الوقوف غير المشروط إلى جانب أي امرأة في اي وضع، وانتمائها إلى ثقافة دينية واجتماعية يتطلب التمرد عليها أكثر من الموقف الفطري، بل يتجازوه إلى ضرورة الوعي بجزئيات وضع المرأة في المجتمع وإشكالياته.

تبدأ المرأة العربية بالتمرد العفوي على وضعها في المجتمع حين تلاحظ التقسيم الوظيفي الذي يميز دورها في العائلة عن دور شقيقها الذكر، فيخصها بالأعمال المنزلية وخدمة العائلة منذ سن مبكر، في وقت يكون فيه شقيقها المراهق يستعرض “ذكورته” في الشارع تحت نافذة الحبيبة أو أمام بيتها، في أبهى صوره مرتديا أجمل ملابسه، أو يتسامر مع رفاقه، ويتبادلون أحاديث، تكون الفتيات موضوعها، الفتيات اللواتي يقفن في ذات اللحظة أمام حوض المجلى أو يمسحن البلاط أو يساعدن في إعداد وجبة العائلة.

وحين تخرج المرأة إلى العمل، وتضطلع بمهام مشابهة لمهام الرجل، يبقى العمل المنزلي ملتصقا بها في كثير من الأحيان.

تنتمي “أحلام” لعائلة عربية ليبرالية، بالمفهوم السياسي والاجتماعي للكلمة، فهي لا تفرض قيودا على مظهرها، كما أنها تعمل في الخارج مثل أشقائها الذكور، وتمارس حياتها الاجتماعية بحرية: تذهب إلى شاطئ البحر، تخرج في نزهتات بالسيارة مع صديقاتها لمسافات بعيدة.

لكنها تقول إن الأمر حين يتعلق بالعمل المنزلي يتغير كل شيء. فجأة تكرس العائلة تقسيما وظيفيا يتوقع منها خدمة أفراد العائلة الذكور، إعداد القهوة لهم، تنظيف البيت والمساعدة في المطبخ.

وتؤكد أن هناك حالة من الانفصام بين مظاهر التحرر الشكلي والممارسة فيما يتعلق بالتقسيم الوظيفي للذكور والإناث في حياة العائلة.

النسوية العربية والهوية الإسلامية

تبقى قضية التموضع في الخريطةالثقافية العالمية من أهم المآزق والإشكاليات التي تواجهها المرأة العربية الساعية إلى وضع اجتماعي وإنساني منصف، فتجد نفسها في مواجهات مع مفاهيم اجتماعية مكرسة وتأويلات متباينة للفكر الإسلامي، وحيرة في الموقف من المفاهيم الغربية لتحرر المرأة، ولا ينجح الجميع في تبني معادلة متوازنة لوضع المرأة.

لعل الباحثة السوسيولوجية المغربية فاطمة المرنيسي من النسويات العربيات اللواتي استطعن الوصول إلى نقطة توازن بعيدة عن الاستقطاب في أي اتجاه، فهي في موقفها من تحرر المرأة لا تعزل ذلك عن سياقها الثقافي، ولا تجنح إلى “تغريبها” عن هويتها الثقافية، حسب ما يرى كثير من الباحثين العرب.

“حرية الاختيار”

ترى الشاعرة جمانة مصطفى، والتي تتبنى الفكر النسوي، أن الموضوع إشكالي، لكنها تؤكد أن المبدأ الأساسي هو حرية الاختيار. تقول: “مع أنني شخصيا لا أعتقد أن حق الاختيار متاح في المجتمعات العربية، سواء كان الاختيار متعلقا بلبس الحجاب أو خلعه، مصافحة الجنس الآخر أو الامتناع عن ذلك، فالموضوع رهن بضغط التربية والثقافة السائدة، لكن من حق المتلقي لهذا الخيار أن يكون له موقف منه”.

تعارض جمانة إجبار المرأة على لبس الحجاب أو الجلباب، وفي الوقت ذاته هي ضد إكراهها على خلعه، تقول: ” أحتفظ لنفسي بالحق في أن أتخذ موقفا مناهضا لاختزال المرأة إلى جسد والنظر إليها كمحتوى جنسي يجب “صونه بعدم ملامسته” أو عدم رؤية شعرها”. وترى أن هناك ضرورة الأخذ بعين الاعتبار “أن الخيار الذي يبدو ظاهريا كأنه خيار حر، كاختيار الديانة مثلا أو المذهب الديني أو طريقة اللبس، هو في الحقيقة نتيجة قولبة وضغوط مباشرة أو غير مباشرة وقد تصل إلى مستوى غسيل المخ.”

وتتفق معها السينمائية علا طبري، الملتزمةبالفكر والممارسة النسوية. ترى علا أن من حق المرأة الاختيار طالما كان خيارها حرا، ولتقرر لبس الحجاب أو الجلباب، مصافحة الرجال أو عدم مصافحتهم، هي لا ترى أن للرجل الحق في التحفظ على سلوك كهذا فهو يتعلق بسيادة المرأة على جسدها بشكل حصري.

“لا يمكن الحكم على وضع المرأة من خارجه”، تقول علا.

في المقابل، ترى أن الرجل هو من يحتاج “للعمل على تغيير وعيه” حتى “يدرك أنه يحوز حقوقا لا حق أصيلا له بها”، وتعتبر أن على المرأة أن تستمر بالكفاح وتمارس حقوقها وتربى على أن تحترم وتطالب باحترام ذاتها.

بل تذهب أبعد من ذلك، فهي ترى أن هناك تمييزا مؤسساتيا، مجتمعيا لصالح الرجل، “في المرحلة الحالية المشوهة التي نتمنى أن نعبرها ونصل إلى المرحلة التي نعتمد فيها فقط على القدرات كمعيار للمنافسة”، كما تقول.

لكنها ترى أنه إلى أن نصل إلى تلك المرحلة لا بد من موازنة هذا بتعويض المرأة ما أمكن بإعطائها فرصا ، مثلا: هي لا ترى أن حصول المرأة على “حصة” معينة خاصة بها كامرأة في سياقات معينة، كالتمثيل البرلماني مثلا، أو الاحتفاء “بالمرأة الكاتبة” دون ضرورة لأن يكون هناك شيء اسمه “الرجل الكاتب”، لا ترى في ذلك “قفزا للناحية الأخرى من الحصان” أو “غبنا للرجل”، فالمرأة هي المغبونة، في رأيها، ووضعها هذا يبرر التعويض من خلال إجراءات معينة.

لأريج عرفات وجهة نظر أخرى، فهي لا تتفق مع الناشطات النسويات. تقول أريج: “لا يمكن المحافظة على امتيازاتك كأنثى وإلى جانب ذلك المطالبة بحقوق متساوية مع الرجل”. تضرب مثالا ما تراه ضرورة تنازل المرأة عن مطالبة الرجل بدفع مهر. وتثول “في جدالي مع إحداهن قالت لي إن المهر مذكور في القرآن ولم أدر بماذا أجيبها بصراحة”، فهناك أشياء أخرى كثيرة في القرآن، فهل يمكن اعتماده أساسا للمطالبة بالحقوق أم هل نتعامل معه بشكل انتقائي؟

الدين كمُعَرّف للهوية

بعد رحيل الأكاديمية والكاتبة نوال السعداوي اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بتعليقات على الخبر، كان بينها طبعا تأبين للراحلة من المعجبين بأفكارها، وكانت هناك منشورات تهاجمها بعبارات مفرطة في العدائية، وبعضها من نساء متدينات يعتقدن أن أفكار نوال مخالفة لإيمانهن الديني.

الغريب أن بعض التعليقات استهدفت ملامح نوال وشكلها، في تناقض صارخ مع الهوية الأنثوية للمعلقات، فتلك التعليقات من جهة تكرس مبدأ التركيز على “ملامح الشكل الفيزيائي” كمعرفة لقيمة المرأة، ومن جهة أخرى ترى في امرأة قضت حياتها في الدفاع عن المرأة من موقعها كأكاديمية وطبيبة سابقة، على أسس علمية، تشريحية، أنثروبولوجية، ترى فيها عدوا لها لأنها، في رأيها، تخالف تعاليم الدين.

هنا تصبح القناعة الدينية، التي تدافع عنها بعض النسويات كحق من حقوق المرأة، في تناقض صارخ مع هويتها وحقوقها الإنسانية الأخرى.

أما الصحفية فاطمة الدعمة، التي تعرف نفسها بأنها “متدينة”، فتقول إن هذا لا علاقة له بموقفها من حق المرأة في اختيار نمط حياتها، سواء كانت متدينة أو غير متدينة. إن أرادت الخروج بلباس شرعي أو الذهاب إلى البحر مرتدية البكيني فهذا خيارها، وليس لأي شخص الحق في التدخل فيه.

استقطاب

ويرى البعض أن العقود الأخيرة شهدت، ضمن التغيرات التي شهدتها في المشهد الاجتماعي والتوجهات الفردية العربية، نزعة تدين بين الرجال والنساء، وضعت التأويل الأكثر محافظة للدين، في صدارة حياتهم.

كان وراء انتشار ارتداء الحجاب والجلباب والنقاب بشكل متزايد في العقود الأخيرة، بل تعدى ذلك إلى انتشار التأويل الأكثر محافظة للفكر الديني أيضا، لا المظاهر الدينية فقط.

ستجد نساء عربيات مسلمات يدافعن عن ضرب الرجل للمرأة، يتظاهرن ضد ما بصفنه “بالقوانين العلمانية” لأنها تطالب بمساواة الرجل بالمرأة، بما يتنافى، في رأيهن، مع مبادئ الشريعة الإسلامية.

حتى في الظاهرة الأكثر إيلاما، وهي قتل النساء، ستجد نساء يمتنعن عن إدانة ذلك بشكل واضح وصريح، لعل الضحية “ارتكبت إثما ما” في سلوكها.

وسائل التواصل الاجتماعي تعج بهذه الأمثلة التي نراها في كل مرة انتشر فيها خبر قتل أو ضرب امرأة عربية.

هنا تجد الناشطة العربية التي تدافع عن “حرية المرأة في الاختيار، مهما كان خيارها”، نفسها في مأزق: فهل عليها، مثلا، أن تساند حرية المرأة في دعم اضطهاد امرأة أخرى؟

هل تدعم ممارسة المرأة لسلوكيات أنتجها تسيد ثقافة بعيدة كل البعد عن حرية الاختيار، بدعوى “مساندة حريتها”؟

كانت إجابة من تحدثت إليهن ممن يساندن حقوق المرأة حذرة، وأحيانا مرتبكة، فهن من جهة يقفن إلى جانب حرية المرأة في الاختيار، ومن جهة أخرى يجدن صعوبة في التعامل مع كون “حرية الاختيار” تلك ليست “حرية” في الواقع، بل نتاج قولبة وضغط تربية الثقافة السائدة على مدى فترة زمنية طويلة.

اليوم العالمي للمرأة 2022

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015