خالد عوض/ الأيام السورية- حرف الميم الذي يخشى رجال قريتي من قدومه في كلّ شهر من العام باتت تُؤَلّف له القصص بين نساء القرية، نظراً لما تنشب خلاله الخلافات بين الزوج وزوجته، فالرجل يتعب مطولّاً ليجني بعض النقود وعند عودته للمنزل يجد زوجته تنتظر بشوقٍ وتلهّف للوصول إلى تلك الجيبة الصغيرة التي تختبئ بداخلها كميةٌ من النقود، وقد رسمت الخطط جاهدةً طول النهال للحصول عليها.
في مدينتي يعتبر حرف الميم من الكوارث للرجل وحرف تعبٍ وشقاء للنسوة اللواتي يبدأن بتحضير مخزون الشتاء من الـ: مكدوس – معقود- ملوخية- مدارس- مازوت – مؤن – مريمية، وهي التي تُثقل كاهل الرجل، وتبدء على إثرها تتعالى صيحات العتاب بين الطرفين، وكلاهما يعلم ضمنياً بضرورة خوض غمار المعركة خلال الشهر هذا مع حرف الميم ساعياً بكلّ طاقته للخروج بأقلّ الخسائر، ومؤمّناً ما يلزمه خلال فصل الشتاء عندما تُغلَق الأبواب وتتوقّف الأعمال؛ إلا ما ندر.
في مدينتي اذا ما أردت البدء بتأمين مونة (مؤونة) المكدوس مثلاً، فعليك أيها الرجل أن تضع في حسبانك أن كيلو الباذنجان الأبيض يصل سعره إلى 130 ل.س، وسعر كيلو الفليفلة الحمرا 140 ل.س، بينما يصل سعر تنكة الزيت النباتي إلى 14 ألف ل.س وسعر كيلو الجوز 5500ل.س؛ ما يعني بأنك مضّطر لدفع ما يقارب 40 ألف ليرة للحصول على مؤونة المكدوس وحدها!!
وإذا نجوت من المعركة الأولى، فإنك بحاجةٍ لمبلغٍ لا يقل عن 10 آلاف لعمل أيّ نوع من المعقود “المربى”، ونحو 10 ألاف أُخريات لتموين الملوخية، قبل أن تخوض بالحوائج المدرسية المتزامنة مع موسم حرف الميم وامبراطوريته التي تتحطّم على أبوابها زمجرة الرجال على نسائهم.
سعر الحقيبة المدرسية تتراوح بين 3000-7000 ل.س بينما سعر اللباس المدرسي من 6000-15000 ل.س، ويتفاوت بالقدر المناسب بين إلحاح الطفل وغضب الأب الذي لا يملك من أمره شيئاً سوى قبول طلباتهم برحابة صدر أو ضيق صدر (لا يفرق الأمر كثيراً فالنتيجة واحدة، وبالمحصّلة سيفعل ما يريدون).
الطامة الكبرى تأتي على الأبواب فكما يقول المثل الشعبي (أيلول دنبو مبلول)، فهذا يعني أنّه على الرجل عدم التفكير مطوّلاً قبل البدء بإحضار خزانٍ للمازوت من أجل الشتاء، والذي يبلغ سعره نحو 80 ألف ليرة، وفي حال توفّره مسبقاً فهذا يعني أن ما تحتاجه هو 1000 لتر فقط ستَقِيكَ برد الشتاء، لكنّ رب الأسرة بقي متعلّقاً بمبلغ 300000 ليرة سورية ثمن المحروقات.
فلا تعتبي سيدتي على زوجك إن وجدتيه مُزَمجِراً في أغلب الأحيان؛ فما يفعله لمصارعة حرف الميم ليس بقليلٍ وسيكون “أبو زيد خاله” إن نجح بالعبور سالماً.