هدى الجندي/ موقع (قنطرة)- لا أعرف ما إن كان ينبغي عليّ ان أضحك أو أبكي وأنا أتابع السياسة اليوم وأسمعهم وهم يتحدَّثون عن فشل المهاجرين في الاندماج ويتركون الحكومة خارج المسألة.
لم يكن هناك أية مبادرات لدعم عملية الاندماج في المجتمع قبل 20 أو 30 عامًا (لم أسمع أنا أو أصدقائي عن أية مبادرات عدا حصص اللغة التركية التي كان يحضرها كافة الأجانب).
وطالما كان الجميع يعيشون بينهم وبين أنفسهم في مجتمعات موازية كانت كافة الأمور مستتبة في ألمانيا. وطالما أن المرأة المحجبة لن تكون أكثر من عاملة نظافة في المدارس بدلًا من معلمة رياضيات مثلًا، فإن كل شيء سيبقى كما هو على ما يرام.
“هل صحيح أنه يتعيَّن عليكم أن تسبحوا عراة في حصص السباحة؟”
ووجدتُ نفسي مضطرة لمواجهة العديد من الأحكام المسبقة في سوريا أيضًا. زرت أرض أجدادي لأول مرة وأنا في السابعة من عمري. ذلك البلد التي كنت أجيب باسمها عمن يسألونني “من أين أنتِ؟”. هبطت الطائرة في مطار حلب في منتصف الليل وكان في استقبالنا حشود من الناس ممن يدعون أنفسهم “عائلتي الكبرى”؛ أعمامي وأخوالي وعماتي وخالاتي وأبناء عمومتي وربما أيضًا جيرانهم، وجميهم أراد أن يقبلني.
بدت إذن كبلاد لطيفة وأناس لطفاء (غرباء بعض الشيء). لِمَ غرباء؟ إن أول سؤال يُطرح عليّ وأنا لا أزال في المطار وأخذ يتردد على مسامعي على مدى الأسابيع الستة التالية هو “أيهما أجمل؟ ألمانيا أم سوريا؟” بعد أن ابتلعت الصدمة الأولى (الحمام البلدي) التي واجهتني في سوريا إلى حد ما سرعان ما خاب أملي مرة أخرى.
أصبحت فجأة “الفتاة الألمانية” أثناء لعبي مع أبناء عمومتي، ولم أكن أفهم سبب ذلك على الإطلاق! لم يشعرني هذا بأنني ألمانية بل أصبح بالأحرى من أسباب ضيقي على مدى السنوات التالية.
وكلما تقدَّمت في العمر صارت أسئلتهم أسخف وأسخف. بدايةً من “سمعت أنه في أوروبا ينبغي وأن يكون للفتاة صديق من سن 12 سنة” ووصولًا إلى “هل صحيح أنه يتعيَّن عليكم أن تسبحوا عراة في حصص السباحة؟”، سمعت كل الأسئلة الممكنة الكفيلة بأن تجعلني أنظر إليهم باستنكار حتى وإن كان بقلبي فقط.
تغيَّرت الكثير من الأشياء مع مرور الوقت. وأدركت الآن أنه يمكنني أن أجمع بكل بساطة بين الهويتين. قليل هم من يحملون خصائص كلا الثقافتين مثلي. تارة أشعر أنني ألمانية أكثر من كوني سورية وتارة العكس. وأصبحت الآن سعيدة جدًا بما توصلت إليه. ولكن دعوني أتوقَّف هنا قبل أن أسترسل أكثر من ذلك.
من أينَ أتيتُ إذن؟ من ڤورمس! ولكن مؤكد أنكِ تريدين أن تعرفي من أين تنحدر أصولي! من سوريا! أي بكل بساطة: أنا ألمانية-سورية!
رأيت في المرآة كيف تكتم مصففتي ضحكتها في خجل بينما تحاول أن تشرح لي أنها كانت تريد فقط أن تعرف من أين أتيت أو بالأحرى إلى أين أتجه بعد ذلك…
كانت لحظة محرجة حقًا.
نعم، أنا نفسي لستُ بمنأى عن الأحكام المسبقة.