الحوار المتمدن- التحرر يرتبط بالمسؤولية و الارادة ، و التحرر هو قيمة و كرامة للانسان سواء كان رجل او امرأة ، و التحرر يرمي الى ازالة عائق موجود امام المجتمع و الفرد يعيق تحقيق التحرر على الرغم من وجود الامكانيات المساعدة على تحقيقه . فالتحرر يعني فتح الباب المغلق امام الفرد او المجتمع اي فتح افاق العقل و المعرفة و التحديث مع عدم الاساءة للقيم ، و ان ذلك يعني ببساطة ان التحرر يحتاج الى تفكير و تخطيط و اختياراساليب مناسبة لذلك تقوم على بناء صحيح، بناء للفرد و للمجتمع .
فالتحرر يحتاج الى مبادرة ايضاً و دراية و اصرار و ان ذلك يبدأ منذ الصغر حيث لا بد ان يربي الاهل اولادهم ، بنات و صبيان ، على التفكير الايجابي و الناقد و السببي و ليس الغيبي ، اي التفكير المرتبط بسبب و نتيجة و بشكل عقلاني و اسلوب عقلاني مدروس . و هنا يظهر اثر نوع التربية للجيل . ان التربية العقلانية الايجابية تنشئ جيل واعي بحيث يكون تفكيره عقلاني و ليس متعلق بغيبيات غير قادرة على شرح و ربط نتيجة ما بسبب ما غير مُقنتع ، او ربط سلوك ما بعادة لا تكون مقنعة .
بنظرة سريعة للتربية العربية نرى انه يسود فيها مفردات و كلمات و عادات و تقاليد جزء غير قليل منها سلبي فهي قادرة ان تحد من حرية التفكير و من فتح باب السؤال عند الفرد و بالتالي تحد التطور و التبديل ،ان اثار هذه التربية موجودة في امكنة العمل و في امكنة الدراسة و في العلاقات بين الافراد و في تفاصيل الحياة اليومية حيث تتم ملاحظتها ، فكثير من الناس يتصرفون تصرفات فقط لان المجتمع معتاد عليها دون ان يكونوا مقنتعين دائماً بها لكنهم يستسهلون اتباع العادات عن ان يحللوها و يناقشوها او يتجاوزوا السلبي منها و يحتفظوا بالايجابي ، فليس كل ما اعتاد المجتمع عليه صحيح . و العادات هي من احد اسباب اعاقة التحرر و لا يجرء الكل ان يتجاوز السلبي منها او يطوره و يغربله بما يناسب العقل و لكن و لكي يستطيع الفرد ان يناقش او يتجاوز او يبدل او يعدل لا بد من الانتباه لنوع التربية المتبع في المجتمع بشكل عام و خاص معاُ و هنا يأتي دور التربية الديمقراطية القائمة على الوعي و الثقافة الحقة و العقل . ان هذا النوع من التربية ينمي ادراك الفرد و يشجعه على تفصيل و تحليل ما حوله و نقاشه و ربط نتائج الاحداث بأسبابها الصحيحة و ازالة السلبي و الاحتفاظ بالايجابي و خلق الجديد المناسب للفرد و القادر على تطوير الفرد و المجتمع معاً . على سبيل المثال فأسرتي التي ربتني بوعي على الثقافة و التفكير الايجابي و النقاش و طرح فكرة لنقاشها تكون قد اعطتني حرية التفكير و الاختيار و القرار و الرفض او القبول بشكل ديمقراطي و مسؤول حيث يكون الفرد مسؤول عن خياراته و قراراته ضمن البيئة الديمقراطية و المثقفة لانه يعي ماذا يفكر و يناقش او يقبل و يرفض او يختبر و يبحث ، و يساهم في تعزيز ذلك العيش في مجتمع متفتح و مختلط حيث تسوده العلاقات القائمة على تبادل الاحترام و النقاش بمواضيع ثقافية بوعي و قيم و احترام ، فالبيئة الواعية و المتفتحة الديمقراطية يكون اثرها ايجابي على افرادها و تفكيرهم و مستوى تعاملهم مع بعض و مع الاخرين . فالفرد الذي ينشأ ببيئة ايجابية و بتربية ديمقراطية متحررة و اعية مثقفة يختلف كثيراً عن الفرد الذي ينشأ في بيئة معاكسة لذلك تماماُ، ديكتاتورية مغلقة و متعصبة و جاهلة يسودها التخلف و الغيبيات اللامنطقية . ان نمط التربية يرتبط بالاسرة و المدرسة و النوادي و العمل و المجتمع بأكمله ، فشتان بين تربية واعية و مسؤولة و هادفة و بين تربية تلقينية نمطية تغص بالجهل و القمع.
المرأة التي تعيش بالمجتمع هي مؤثرة و متأثرة بكل ما فيه كأن يكون في المجتمع وعي او قلة وعي ، ثقافة او لا ثقافة ، تفتح و اختلاط او عدمه ، جهل او علم ، تخلف او حداثة ، اي ان تحررها ليس شيء منعزل عن المجتمع ، و المشكلة احياناُ تكون اذا كان المجتمع متفاوت من حيث انواع التربية و تنوع الثقافت و الوعي و الانفتاح ، لذلك لا بد من النهوض بالمجتمع ككل و توعيته ككل لتقليل الفوراق بمستوى الثقافة و الوعي و لدمج المجتمع الواحد نحو الاصلح، و اذا لم يكن بالمجتمع و التربية ما يساعد على الانفتاح و الاختلاط الثقافي و بين مكوناته على خلافها فسيبقى المجتمع متفاوت الثقافات و العادات و مستويات الفكر و التحرر، فيصبح تكتلات او تجمعات في مجتمع واحد بدلاً من ان يكون كله واحد متكامل و متشابه و متساوي ثقافياُ قدر الامكان ، لذلك لا يمكن الكلام عن تحقيق التحرر دون الوعي لطريقة التربية المساعدة لذلك . لا يمكن الكلام عن تحرر المرأة دون تقبل التجديد، او دون الاطلاع على الثقافت المتعددة . لا يمكن الكلام عن التحرر دون محاولات تطوير المنهاج المدرسي و تطوير محتوى و هدف المنهاج بطريقة تعطي الطالب مستوى ثقافي و عقلاني يؤهله لتقبل الجديد و مناقشة فكرة جديدة او طرح فكرة جديدة او رفض عادة معينة سائدة و اعطائه حق و حرية بطرح وجهة نظره و تشجيعه و مساعدته على تعديل فكرة ما اذا كان ممكن تطويرها . لا يمكن تحرير المرأة دون ان تكون المدارس مختلطة لكي يتعلم الجنسين احترام بعضهما ، و لكي ينموان معاً فلا يكون الاختلاط الا عامل مساعد على الاحترام و سمو الروح التي تنعكس على ثقافة الجنسين و المجتمع بشكل عام بشكل سامي و راقي التعامل فينموان معاً و يدرسان معاً في فصل واحد، و لهذا اثاره الراقية فكرياُ و روحياُ و ثقافياُ . لا يمكن تحرر المرأة الا اذا هي نمت في بيئة ديمقراطية متفتحة و مثقفة و ذات اساسات قائمة على الوعي التربوي تمكنها من ان تأخذ دورها الطبيعي الايجابي .
طالما يوجد يوم للمرأة في السنة فهل يعني ان بقية الايام ليست لها !؟ ام انه الخطوة الاولى و الوعي انه يوجد تفرقة كبيرة بين المرأة و الرجل؟ و انه دليل بداية العمل نحو المساواة ؟ و الانسان يشمل المرأة و الرجل، و هنا فإن المساواة بين المرأة و الرجل لا تعني ان المرأة فقط هي التي ستأخذ حقوقها، فهناك حقوق ايضاُ لم يأخذها الرجل العربي منذ تربيته الاولى في البيت الى ان يكبر و يعمل و يشيخ ،و ابسط الامثلة من الواقع العربي من حيث عدم المساواة في المجتمع و بنفس الوقت من الاسباب في عدم المساواة في المجتمع نراه في المدرسة ..اذكر على سبيل المثال لا الحصر .. مادة اعتادت المدارس العربية تدريسها للبنات دون الصبيان و هي المطبخ و الخياطة ، فكما توجد مواد مطبخ و خياطة للبنات في المدارس لماذا لا يوجد مثلها للصبيان ؟ لماذا مثلاً لا يأخذ الرجل بالبلاد العربية اجازة “ابوة ” و اجازة طويلة مدفوعة الاجر من الدولة ليكون مع اسرته عند مجيءالمولود في شهوره الاولى ايضاُ ؟ فالتحرر عمل و ليس كلام و ليس شعارات و ايام عالمية و تقديم هدايا و ورد . ان المرأة تريد التحرر و تسعى لذلك و انها قادرة ان تحقق اكثر ما تحققه و ان الرجل و المرأة معاً يحققون تحرر المرأة لان المجتمع عبارة عن كل واحد، فالهدف في تحرر المرأة يجب ان يكون واحد و العمل يجب ان يكون مشترك بين الجنسين.و العمل يجب ان يكون قائم على تخطيط سليم و واضح ، المسألة ليست ثورة و لا قتال انما تطور تدريجي و حضارة و ثقافة و ديمقراطية لتتحقق المساواة و تكافؤ الفرص بين الجنسين معاً ، و بين افراد المجتمع ككل دون تفرقة بين الانتماءات على اختلافاتها . لكن ما هو وضع المرأة العربية و خاصة الان بظل كل ما يحدث في بلادها العربية في الظروف الحالية، هل يسير الناس بالزمن نحو الوراء بدل الامام؟ الا يحتاج التحرر الى بيئة خالية من الزيف الثقافي و اشباه المثقفين و التخلف الاجتماعي و الفكري و تسلط البعض على البعض، الا يحتاج التحرر الى بيئة خالية من القمع و سبي النساء و اغتصابهن و بيعهن لانهن من انتماءات معينة او من قوميات مختلفة؟ ، ما هي البيئة التي انتجت ثقافة السبي و البيع و الاغتصاب و القتل؟ و ما هي التربية التي تلقاها ذلك النمط من البشر !!! الذي يقوم بذلك الاجحاف بحق المجمتع و المرأة و الرجل معاً؟ ماذا ينقل الاجيال عن بعض و كيف يربون بعض ؟! أيربون و ما زالوا على التفرقة على اساس الجنس او الدين او اللون او اللغة في القرن الواحد و العشرين ؟! و ماذا لو كانت كتب الدين في المدارس العربية عبارة عن كتاب واحد يحتوي فكرة عن كل الاديان كثقافة دينية عامة ، ألا يمكن ان يكون ذلك واحد من الاسباب العديدة التي من الممكن ان تخفف حدة التعصبات في المجتمع و التي تعلم الطلاب ان هدف الاديان هو لمصلحة الناس ، و ان الناس على اختلافهم فإن التشابه بينهم اكبر من الاختلاف .ماذا تتضمن كتب التاريخ العربي ؟ اليس الجزء الاكبر منها مرتبط بالدين و الحروب و الوأد و السبي ؟ فما تأثير ذلك على الطلاب عندما يكون كتاب التاريخ اكثر من نصفه هو تاريخ دين. فلماذا لا تفصل المدارس بين الدين و بين التاريخ ،حتى تدريس الدين يجب ان يتبع الموضوعية والعقل و اسلوبه و هدفه يجب ان يصب في المستقبل الافضل للناس و حياتهم و الحياة العامة اليومية بدلاً من ان يتجه للماضي …حتى كتب القراءة بالمدارس العربية لا تخلو من الدين … ان للدين مكانته طبعاً الا ان مكانه دور العبادة و ليس المدارس و ليس المناهج المدرسية لان المدرسة تربي العقل. حتى اسلوب معظم المدارس العربية لا يخلو من القمع و العنف و اسكات الطالب الذي يسأل سؤال من خارج الكتاب ! فبدل من تشجيعه في المدرسة يتم اسكاته، اي يسكتون عقله .كل ما هو موجود بالمجتمع يكون مؤشر على التحرر او التخلف و دليل .
أن التحرر لا يعني التسيب ، فمن لا يستوعب مفهوم التحرر يخلط بينه و بين التسيب ، و من لا يستوعب مفهوم التحرر فإنه لم ينشأ عليه و يخلط بينه و بين التسيب . فالتحرر ثقافة لكن التسيب يأتي من الجهل و من التربية المغلقة بشكل عام. التحرر فكر و عقل و ثقافة اي عكس التسيب تماماً.
ان وضع المرأة لا ينفصل عن وضع الرجل، ولا عن المجتمع الذي تعيش به و لا عن اي مجال من مجالات الحياة.. ان المجتمع الطبيعي هو ما يعطي لكل فرد مكانته و حقوقه و يساعده على تأدية واجبه .ان وضع المرأة يمثل صورة عن المجتمع فعندما يريد المجتمع التحرر و عندما يسعى الافراد نساء او رجال للتحرر فإن ذلك يظهر عبر السلوك اليومي و عبر القوانين المطبقة و عبر الروتين العام و يكون واضحاً حتى في الامكنة العامة ،لان التحرر ليس ثوباً يرتديه الفرد عندما يريد و ينزعه عنه عندما يريد انما هو تربية و مبدأ و قيم و سلوك فكري ثقافي و يومي و التحرر مسؤولية و المسؤولية من صفات الانسان الواعي. و تحرر المرأة لا يعني زيادة عددها بالبرلمانات للديعايات فقط دون القدرة على التأثير على قرارات البرلمانات و القدرة على عمل شيء او دون ان تكون قادرة على اتخاذ ابسط قرار ببيتها او في شأنها الخاص قبل ان تصل البرلمانات لان التحرر ليس تفاخر بعدد النساء الذين يمثلون الناس بالبرلمان انما تحرر المرأة هو تحرر يبدأ بالبيت و الروضة اولاً لكي يكون تحرر حقيقي و ايجابي. فالمجتمع المتحرر ينتج رجل متحرر و امرأة متحررة ، و المجتمع المغلق يسئ للمتحررين لانه لا يستوعب مفهوم التحرر و لا يستوعب علاقة ذلك بالثقافة و العقل.