محيي الدين محروس/الحوار المتمدن- إن موضوع تحرر المرأة ومساواتها بالرجل وارتباط ذلك بنظرية الجندرة مترابط بعدة علوم ومجالات لا يمكن فصلها عن بعضها. من هنا، لا بد من الاختصار ولكن ليس على حساب جوهر الموضوع.
أولاً:: اقتصادياً
في بداية مراحل تطور المجتمع البشري، والذي يُطلق عليه ” المشاعية البدائية” كانت المساواة سائدة بين الرجل والمرأة في كافة النشاطات وفي الحياة الاجتماعية.
مع بداية تطور وسائل الإنتاج وتقسيم العمل، بدأ التمايز والتمييز بين الرجل والمرأة، حيث أخذ الرجل يعمل في الزراعة، والمرأة تهتم بشؤون البيت. وازدهر المجتمع الذكوري في مرحلة العبودية والإقطاعية، وصولاً للثورة الصناعية وتطورها في القرن التاسع عشر. و بعد دخول المرأة المعامل، ومع مطلع القرن العشرين، بدأت المرأة تطالب بحقوقها ومساواتها مع الرجل، و بدأت في تشكيل المنظمات النسائية لتحقيق ذلك.
باختصار: تبدأ مساواة المرأة مع الرجل، من خلال تحررها الاقتصادي!
من أهم المطالب اقتصادياً:
– خلق فرص عمل متساوية للمرأة والرجل
– الآجر المتساوي للمرأة والرجل مقابل العمل المتساوي
ثانياً: قانونياً
الفصل بين المؤسسات الدينية ومؤسسات الدولة، بما يضمن المساواة بين المواطنين والمواطنات بغض النظر عن الجنس.
يضمن الدستور والقوانين المساواة الكاملة بين المرأة والرجل-قولاً وفعلاً. ووضع كل الآليات الضرورية لتطبيق ذلك.
يضمن الدستور حق الترشح والانتخاب لكافة المناصب في الدولة.
وضع عقوبات صارمة في حال استخدام العنف ضد المرأة والعنف الأسري.
إجراء ثورة في قانون الأحوال الشخصية، تضمن المساواة التامة مع الرجل.
وضع قانون التعليم في جميع مراحله، بما يخدم مفهوم المساواة وتحرر المرأة ودورها في المجتمع والأسرة.
ضمان الدستور لإقامة التنظيمات السياسية والمدنية النسائية المستقلة.
ضمان المشاركة الفعالة للنساء في الحياة السياسية والاجتماعية وذلك في كافة مؤسسات الدولة، والسلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.
الالتزام بجميع المعاهدات والاتفاقات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وخاصةً اتفاقية السيداو.
ثالثاً: ثقافياً
– تغيير الوعي لدى المرأة، حيث تعي نفسها إنساناً له نفس الحقوق والواجبات في المجتمع. عليها أن تخرج من الخيمة الجاهلية المتوارثة، والدخول إلى عالم العلم والتقدم والحضارة الإنسانية. عليها التخلص من الثقافة المتخلفة، التي تتلقاها في البيت والمسجد والكنيسة، عن المرأة ” الصالحة” و ” الشريفة” و ” المُطيعة”! وعدم سماع تبريراتهم عن تفوق الزوج والأب والأخ الأكبر، ومفهومهم عن ” الشرف” و “العفة” و ” الحرام والحلال”! بالطبع، مع تناسي الحرام والحلال للرجل!
المرأة التي تسمح لسيدها بالسمع والطاعة تتحمل – جزئياً- مسؤولية تبعيتها الأبدية للرجل الديكتاتور. كما تساهم في استمرارية وراثة العادات و التقاليد البدوية والريفية والتثقيف البدائي ( الأبوي ). للأسف، تعيش نسبة كبيرة من النساء في مجتمعاتنا، في جهلٍ وتخلفٍ كبيرٍ، فرضه عليهن المجتمع الذكوري، وتقبلته بعضهن بصدرٍ رحب، وتعايشن معه، باعتباره واقع ارتضاه” الله” لهن!
على النساء التخلص من قمع المجتمع الذكوري باسم الدين والعادات والتقاليد البالية!
– تغيير الوعي عند الرجل! للأسف لا تزال نظرة الرجل الشرقي للمرأة باعتبارها جسد للمتعة و للخدمة! والتي تمثل أساس الانحدار الأخلاقي والثقافي الذي يعاني منه مجتمعنا! والرجولة تعني لهم، تسلطه بغير حق على المرأة، بدءاً من أمه وأخته وزوجته وابنته! حتى في تفاصيل الخروج من المنزل، والسفر خارج البلد وحرية العمل…وحتى حرية متابعة الدراسة لابنته، وحقها في اختيار شريك حياتها!
الرجولة، تعني لهم “الشرف “المفهوم بشكله المحافظة على ” العرض”! وحقه في القتل “دفاعاً عن الشرف” !
على الرجل التخلص من هذه التربية الذكورية، واستيعاب حقيقة المساواة بين الرجل والمرأة بأنها في صالح المجتمع عامةً وتحرره و تقدمه. وبأن تحرر المرأة يعني تحرر الرجل أيضاً!
لابد من ثورة ثقافية على مستوى المجتمع ككل، ثورة في مناهج التعليم والتربية، في السياسة الإعلامية المسموعة والمقروءة والمرئية، في الأدب والفن، و الانتقال من المجتمع الذكوري ” البطريركي” إلى المجتمع الإنساني الحديث.
ولا بد من الثورة على كل العادات والتقاليد السيئة، ورفض كل الفتاوي لرجال الدين التي تريد تثبيت المجتمع الذكوري.
رابعاً الجندر
بدايةً ما هو الجندر؟ جندر بالإنكليزي Gender وهو علم الجنس السوسيولوجي – الاجتماعي، ويهتم بدراسة المتغيرات حول مكانة كل من المرأة والرجل في المجتمع، بغض النظر عن الفروقات البيولوجية .. أي يهتم بالدور الاجتماعي للإنسان بغض النظر عن الجنس. وتعني الجندرة المساواة التامة في الحقوق و الواجبات تجاه القانون.
هذا العلم الحديث في أوروبا من ثمانيات القرن العشرين، يعير الاهتمام لتربية الأطفال منذ صغرهم، في وضع هذه المفاهيم الجديدة وبنفس الوقت يقف ضد كل المفاهيم النمطية البالية حول مفهوم الرجولة والأنوثة، وخاصةً مفهوم تفوق الرجل على المرأة.
من هنا، فإن تغيير ثقافة الرجل والمرأة، كل تجاه الآخر، تبدأ من تنشئة الطفل في البيت والمدرسة، لوعي ذاته إنساناً، دون أي معيار جنسي، يتصل بالذكورة والأنوثة، وتبني فكرة المساواة.
هذه المشكلة ستواجه مجتمعاتنا العربية، فالثورة لا تعني فقط الثورة السياسية والاقتصادية، و إنما أيضاً الثورة الاجتماعية في الأخلاق والمفاهيم، وثورة على العادات البالية و التقاليد المحافظة.
الجندرة علم يُدرس و ينتشر وله المستقبل مع تطور المجتمعات البشرية،من نظام الأبوية ( الرجولة) إلى نظام التساوي في النوع البشري ولن يستطيع أحد الوقوف أمامه.
إن إقرار الدستور والقوانين هو نقطة البداية الضرورية، ولكن هذا لا يعني بأن هذه المهام ستتحقق على الأرض بسرعة، فهي عمليات اجتماعية طويلة المدى، ولكن ألم يحن الوقت للبدء في هذه المسيرة الحضارية؟ للسير بالخطوة الأولى.. ليضع الرجل يده بيد المرأة، والمرأة يدها بيد الرجل، لتحرير المجتمع وتقدمه، فهذه مهمتهما معاً، ويتحملان المسؤولية معاً!
دولة المواطنة الديمقراطية تُقدم الحل، حيث يتم الإلغاء الكامل للتمييز بين المواطنين والمواطنات على أساس الدين أو القومية أو الجنس أو الفكر.