جريدة (alarab) اللندنية- حظي الأطفال مجهولو النسب في سوريا بتشريع جديد يضمن لهم التمتع بالحقوق والحريات مثل بقية أقرانهم. وتضمّن التشريع الحثّ على تهيئة الظروف الملائمة لهؤلاء الأطفال وتوفير البيئة الداعمة لتربيتهم وتعليمهم وحمايتهم من الاستغلال والإهمال والحفاظ على مصالحهم.
أصدر الرئيس السوري بشار الأسد، يوم السبت 14 كانون الثاني، مرسوماً تشريعياً بتنظيم شؤون الأطفال مجهولي النسب ورعايتهم. ونصّ المرسوم؛ الذي أوردته الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا)، على تهيئة الظروف الملائمة لهؤلاء الأطفال وتوفير البيئة الداعمة لتربيتهم وتعليمهم، وضمان تمتعهم بجميع الحقوق والحريات دون التمييز عن أقرانهم.
كما شدّد المرسوم على ضرورة حماية الأطفال مجهولي النسب من الاستغلال والإهمال والحفاظ على مصالحهم. وتضمّن استحداث هيئة عامة ذات طابع إداري تسمى “بيوت لحن الحياة”، تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي ويكون مقرها ريف دمشق، وتكون هي الجهة المخوّلة قانوناً بكل ما يتعلق بالأطفال مجهولي النسب على كافة أراضي الجمهورية العربية السورية.
ويُذكَر أنه في عام 1969 صدر مرسوم نصّ على أنه يعتبر عربياً سورياً مَن وُلد من أبوَين مجهولَين أو من أم معلومة وأب مجهول، ليأتي هذا المرسوم الجديد وينظّم عملية الرعاية التي يحتاجُها الأطفال مجهولي النّسب.
وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن عام 2002 كان الأكثر تسجيلا لحالات مجهولي النسب خلال الفترة الممتدة من عام 2000 حتى 2021، كما تُشير إلى أن متوسط تسجيل حالات مجهولي النسب من الأطفال خلال العام الواحد يبلغ 42 طفلا.
أدت الحرب السورية إلى ازدياد أعداد الأطفال المشردين، ومجهولي النسب والمفصولين عن أهلهم بسبب النزوح والهجرة والحرب. وشهدت سوريا خلال سنوات الحرب، التي اقتربت من عامها الـ12، وجود الآلاف من الأطفال مجهولي النسب وخاصة مع وصول الآلاف من المقاتلين الأجانب في سوريا مع عائلاتهم ومقتل أغلبهم في المعارك والقصف. كما يتم العثور بشكل دائم على أطفال في أشهرهم الأولى وضعوا قرب مساجد أو أماكن دون معرفة هوية الأب والأم وعادة ما يكونون نتيجة حمل غير شرعي.
وقالت ندى الغبرة مديرة المجمع الذي يحمل اسم “لحن الحياة”، “تلتحق شهرياً 3 حالات تقريباً لأطفال مجهولي النسب”، وعن عدد من التحق منهم بأسر بديلة، توضح أن “هناك نحو 50 طفلا تم إلحاقهم خلال عام 2021”.
وعن أسلوب التعامل بعد العثور على طفل في الشارع مجهول، يوضح المحامي محمد سامر مؤيد أنه “يجب التوجّه إلى المخفر مباشرةً، ثم يحوّل للطبيب الشرعي لدراسة وضعه الصحي”.
وأضاف المتحدث أن “الطفل المجهول يبقى عند الشخص الذي عثر عليه بنفسه، أو في المخفر إلى حين تسليمه إلى دار الأطفال مجهولي النسب في سوريا، وهذا التأخير سببه التأكد من كون الطفل بالفعل مُتَخلَّى عنه من قبل أسرته، إذ قد يكون مخطوفاً”.
وبعد الانتهاء من هذه الإجراءات يتم تحويل الطفل للدار. ومن الإجراءات المتبعة بإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية تنظيم شهادة ولادة الطفل، ويسجّل في السجل المدني بعد أن يقوم أمين السجل المدني باختيار اسم له ولوالديه واسم جد ونسبه له، دون أن يُذكر أنه لقيط في الوثائق التي تُمنح له، ويعتبر عربياً سوريّاً مسلماً ما لم يثبت خلاف ذلك.
يتشدّد القانون السوري في عملية تسجيل الأطفال مجهولي النسب في سوريا، ويُقسّمه لثلاث حالات: الوالدان سوريان معروفان، والأم السورية والأب مجهول، والوالدان أجنبيان وأنجبا أطفالاً في الأراضي السورية.
وأظهرت البيانات المتوافرة لدى المرصد السوري لحقوق الإنسان أنه منذ مطلع 2020 وحتى الآن بلغ عدد الأطفال الذين عُثِر عليهم قرابة 70 طفلاً، إذ تمّ التخلّي عنهم وتركهم على قارعة الطريق، أو على أبواب منازل أو مساجد وحتى مباني منظمات إنسانية.
وقد أدّت الحرب السورية إلى ازدياد أعداد الأطفال المشردين، واللقطاء، والمفصولين عن أهلهم بسبب النزوح والهجرة والحرب، وكذلك بسبب زيادة في ولادة أطفال خارج مؤسسة الزواج. وفي ظل الإحصائيات القليلة، وفي ظل الضياع الذي تعيشه الأسر التي أنهكها الدمار والتهجير والقتل والتشريد، يُلحظ القصور القانوني في ما يتعلق بحقوق “الأطفال مجهولي النسب”، وقلّة وجود دُور رعاية لهم.
تشير الأرقام الرسمية إلى أن أعدادهم وصلت إلى 500 طفل خلال سنوات الحرب، ولعل الواقع يتجاوز كثيراً هذا العدد الرسمي. وسُنَّ القانون السوري لمجهولي النسب عام 1969، ولم يخضع لأي تعديل جوهري منذ ذلك الوقت، سوى بصدور بعض المراسيم، مثل تغيير كلمة “لقيط” إلى “مجهول النسب”. وفي عام 2018 طُرح مشروع قانون جديد لمجهولي النسب تحت قُبّة مجلس الشعب لمناقشته. وعلى الرغم من أنه ليس جديداً بمضمونه، ومُصاغ فحسب وفق صياغة تشريعية جديدة، فإنه لم يتم إقراره.
وغيّرت الحرب المستمرة في سوريا منذ 11 سنة كل شيء، وتمّت خلالها زيجات غير مُثبّتة في دوائر الدولة، منها ما يُنسب إلى آباء أجانب دخلوا البلاد وأقاموا في مناطقها الساخنة، وتزوّجوا سوريات قبل أن يغادروا. كما فُقد أغلب الآباء وقُتل بعضهم الآخر، تاركين وراءهم أطفالاً من غير مُعيل ولا نسب ينسبون إليه، والقانون السوري ليس في صف هؤلاء الأطفال، ويعتبرهم مجهولي النسب.
حسب القانون السوري فإنّ مجهول النسب هو “كل وليد يُعثر عليه ولم يثبت نسبه أو لم يُعرف والده، إضافة إلى الأطفال الذين لا يوجد معيل لهم ولم يثبت نسبهم، كذلك المولود من علاقة غير شرعية وإن كانت والدته معروفة”.
سنة 2018 ناقش البرلمان السوري قانوناً جديداً لمجهولي النسب وسط جدل كبير، ففي الوقت الذي اعتبر فيه البعض أن “الموافقة على القانون جاءت تلبيةً لحاجة إنسانية مُلحّة”، يرى البعض الآخر أن “هذا القانون يُمكنه أن يكرّس سُلالة الإرهابيين بوثائق رسمية، ويُشرّع جهاد النكاح”.
وأمام هذا الوضع، لم تجد الأمهات في سوريا حلاً سوى رمي أطفالهنّ في الشارع، أو وضعهم أمام مخافر الشرطة علهم يجدون أسرةً ميسورة تحتضنهم، بعدما فشلت الأسرة البيولوجية في ضمان حياة كريمة لهم.
ويُعتبر زواج ‘البراني’ من بين الأسباب التي أدّت إلى ولادة أطفال مجهولي النسب بسوريا، خصوصاً في فترة الحرب. ويتم زواج “البراني” في سوريا بطريقة صحيحة إسلامياً، بحضور شيخ وولي الزوجة، ومهر، وإيجاب وقبول على سُنة الله ورسوله، لكن بلا توثيق رسمي.
يقول محامٍ عمل في المناطق المحاصرة خلال الحرب، دون ذكر اسمه، إنهم “خلال سنوات الأزمة وحتى اليوم تمكّنوا من تثبيت كثير من الزيجات التي تمّت بورقة من قبل شيخ، أو كما يُسمى في سوريا، يعني كتاب براني”.
وهذه الورقة، حسب المتحدث، لا تضمن للسيدة أيّ حق ولا أيّ نسب للأطفال، لهذا عمل المحامي عبر جمعيته على تثبيت هذه الزيجات لتأخذ شكلاً قانونياً في حال كان الزوجان سوريين، وفي حال كانا معروفَين.
أما في حالة الزيجات التي اختفى فيها الزوج وهو سوري الجنسية ولم تعرف الزوجة حتى اسمه الحقيقي، بحكم النزوح والتهجير، فيمكن بهذه الحالة منح الأطفال نسب أمهم فقط عبر دعوى تثبيت أمومة، مع بقاء خانة الأب فارغة.
ويبقى هؤلاء الأطفال مجهولي النسب من طرف الوالد، ويُعاملون بالقانون السوري كبقية الأطفال مجهولي النسب في سوريا؛ من حيث حصولهم على الجنسية السورية وغيرها من الحقوق.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.