تعدد الزوجات: البحث عن الدفء في النار
تعدد الزوجات ؟؟؟؟

فرات الشامي/ الأيام السورية- الجدل الطويل في مسألة تعدد الزوجات، دفع للبحث فيها من الناحية الشرعية، أو حتى كمصدر للفكاهة لدى بعض الكُتّاب، فيما تمّ إغفال جوانب هامّة “اجتماعية” أو حتى الأخذ بعين الاعتبار “ظروف الحرب” التي تدفع المجتمعات والنساء تحديداً للقبول أو الرفض، فيما لو طرح عليها زوجها “هل ترضين أن أتزوج الثانية؟”.

المرأة وقبول التحول إلى الرقم “الثاني”:

راودني السؤال المتكرر داخل المجتمع الذكوري العربي من الناحية الاجتماعية دون التطرق والدخول إلى الجانب الشرعي، الذي يختص به الفقهاء، وقد أُشبِع بحثاً وكلاماً. الأسئلة التي تمحور التفكير حولها تلخصت في مدى الفائدة التي يجنيها المجتمع من موضوع “تعدد الزوجات”.

المقدمة التي بدأت بها، وطرح الفكرة على الزوجة، ليست أمراً وهمياً، فالظروف ضمن المجتمعات اليوم تتبدل وغير ثابتة بفعل “الحرب” كما هو الحال في سورية على سبيل المثال، وما تبعه من انعكاس على الحياة الأسرية نتيجة فقد المعيل والأب، سواء في الداخل أو بلاد اللجوء.

المؤلم في السؤال، عدم التفريق بين طرحه على الزوجة –الشريك والحبيب-بصيغة المشاركة أو الإعلام بحدث طارئ، وبين اعتبار القضية مجرد حق يمتلكه “الزوج” وحده بحكم “الشرع”. فالفرق كبير بين امتلاك الأنثى والشراكة الأسرية.

من الطبيعي أن ترفض المرأة “فكرة الزواج الثاني”، وتتحول بالتالي معه إلى الرقم الأول، تحت اسم “زوجة فلان الأولى”، بل يمكن الذهاب أبعد من ذلك، حين تتأمل حال المرأة الأخرى التي ترتضي لنفسها أن تكون “الرقم الثاني”، وتدخل تحت مسمى “الضرة” بالعرف الاجتماعي السوري، وما يعنيه هذا اللقب للأسف من قيمة تدميرية للأسرة بالنسبة للبعض.

ملف شائك، لماذا يفتح الآن؟

فتح ملف شائك كهذا الموضوع الذي يدخل فيه العرف والشرع والفطرة يزيد الأمر تعقيداً وتشعباً على الباحث، وهو من جهةٍ أخرى يحمل بين طياته أهميةً في ظل الحالة التي سببتها “الحرب” في سوريا على وجهٍ خاص.

نبتعد عن الجانب الشرعي في هذا الملف، فالقضية محسومة شرعاً، وإنما المطلوب الولوج إلى نقاشٍ مثمر ينهي المسألة، من جهة تطبيق البشر العشوائي لهذا الحق.

المرأة هي السبب والمتهم:

معظم النساء اليوم يرفضن فكرة تعدد الزوجات، رفضاً مطلقاً، هذا الأمر يختلف بحسب البيئة والأعراف، ففي مجتمع مثل البادية قرب دير الزور، ثمة عشائر تعيب على الرجل الزواج من ثلاثة فقط، ويتهم في رجولته من يكتفي باثنتين، فيما يبدو الأمر مختلف تماماً في المدن، كـ”دمشق” و”دير الزور” ذاتها، بل وهذا مرتبط كما أسلفنا بالبيئة والتقاليد.

المجتمع الذي تتعامل فيه الزوجة الأولى مع الزوجة الثانية بمودة –على قلتها-لها أسبابها حتماً:

  • الشعور بأنها تعيش في كنف إنسانٍ يتمتع بكامل رجولته.
  • الأفكار التي نشأت أساساً على قبولها من خلال مشاهدتها أسرتها التي تقبل التعدد كأمر طبيعي.
  • في كثير من مجتمعات الريف والبادية، المرأة هي الشريك الأساسي في العمل، ولها دور أكبر وأهم من الرجل، ليصير بذلك التعدد حاجة بالنسبة للطرفين.

عملياً، لا يمكن أن تصل إلى أسباب تدفع المرأة للقبول بأن تشاركها أخرى “زوجها”، فمعظم الدراسات في هذا الباب غير متوفرة، في مجتمعاتنا التي تحاول إغلاق الباب على ما تراه “عيباً أو حراماً” ينبغي عدم دخوله واللعب بالنار.

المجتمعات قولبت المرأة وألبستها رداء القالب التقليدي، المنسوج من نصائح الأمهات والجدات، كتلك الأمثال المصرية التي تقول: “ظل راجل ولا ظل حيطة”.

المسؤولية مشتركة وتاريخية، والمرأة بريئة من التهم، والواقع يشهد بأنّ الجهل وراء الكثير من النظريات والأفكار التي تحولت عبر الزمن إلى تقاليد.

الزوجة الثانية هي المتهم:

ترى الكثير من النساء أن المتهم في “تدمير الأسرة” هي الزوجة الثانية، والنظرة السائدة لدى المجتمع الأنثوي تؤيد هذه النتيجة، خاصةً إذا كان “الرجل” ذا مال، ومحط أطماع الأخريات.

«بناء بيت على أنقاض آخر»، توصيفٌ تراه النسوة دقيقاً، فيما تعتقد أخريات أنّ الأمر بات حالة طارئة سببتها الحرب، فتلك “أم وائل” من قدسيا، تبحث لزوجها عن “عروس” شريطة أن تكون “زوجة شهيد، وليس لديها من يعيل صغارها”، وهذا من ضوء التجربة التي نعيشها في إدلب بعد التهجير القسري.

المشكلة إذاً في التعدد ذاته:

المشهد في سورية اليوم مختلف تماماً في قراءته عن غيره، فقد تبدلت قناعات النساء والرجال، على الأقل في المناطق الساخنة، والتي يكثر فيها “الموت”.
كذلك انتشار تدريس الفقه والشرع الإسلامي وفق ضوابط محددة، فتح الباب لقبول فكرة التعدد ضمن تلك الضوابط، نتيجة الظرف الذي تمر به البلاد.

“أم خالد” ذات الخمسين عاماً، معلمة تبحث لزوجها عن “عروسٍ شابة” وهي ترفض مناقشة سؤال “هل أنت مع تعدد الزوجات؟” فهي تؤمن بأن المسألة “حكم شرعي لا يمكن مناقشته”، فالغرض منه حفظ توازن المجتمع. بحسب قولها، وثمة آراء كثيرة اليوم تتوافق مع تلك النظرة.

المشكلة التي يصعب تقبلها من بعض النساء، تكمن في آلية التطبيق الخاطئ، وهنا يمكن إثارة سؤال منطقي ربما ينهي الخلاف في المسألة:
لو ذهبنا جدلاً أنّ الزواج من الثانية مرفوض، هل تقبل المرأة إذاً أن تجد زوجها في أحضان عشيقته “يرتكب إثماً”، أم أن الأفضل القبول بمسألة التعدد؟
بالتأكيد النساء منقسمات على هذا الرأي، ضمنياً ثمة من تقبل بالحالة الأولى، و”أم كريم” إحدى قريباتي إحداهن.
عموماً، الاتهام، والتبرئة وفقاً لما سبق؛ تبقى رهن الظروف والحالة.

إحصاءات تتحدث عن أسباب تعدد الزوجات:

من خلال عملي في إحدى المحاكم الشرعية قبل الثورة، يمكن التأكيد أن المؤسسات الحكومية أغفلت هذا الجانب، بل إنّ الأمر على المستوى العربي بحسب البحث ينتهي إلى النتيجة ذاتها؛ غياب إحصاءات ودراسات حقيقية حول الموضوع، والاكتفاء عبر الصحف بالتنويه إلى القضية، وعبر الانترنت إلى المبحث الشرعي فيها، دون النظر إلى الكوامن التي تدفع إليها وتقف خلفها.

ما الذي يدفع باتجاه قبول المرأة أن تكون الزوجة الثانية؟

استقراء الواقع والاستماع عن كثب إلى رأي النساء تحديداً، يؤكد بدايةً أن “الطلاق” نتيجة طبيعية للقبول بأخذ دور “الزوجة الثانية”، فالبديل الوحيد لإسكات ألسنة المجتمع عن “المرأة المطلقة” تقودها إلى الاستسلام والموافقة على لعب دور “الضرة”، وهذا يؤكد بأنّ نظرة المجتمع وقسوة الظروف الاجتماعية كامنة خلف الاندفاع باتجاه التعدد.

تأييد التعدد لماذا؟

سبق وأجرت الأيام استطلاع رأي حمل عنوان “البحث عن الزوجة الثانية”، حول مسألة التعدد وجاء في المحصلة أن هناك تأييداً يمكن اعتباره تغيراً جذرياً في قيم المجتمع وعاداته المتوارثة على مر عقود طويلة.

بينما ترى شريحة أخرى أن ظاهرة تعدد الزوجات مسألة مرحلية ظهرت نتيجة عوامل داخلية سببتها الحرب الدائرة والتي فرضت تطور الموضوع إلى درجة القبول ما يبرر بحسب هذا الرأي موافقة النساء على مسألة تعدد الزوجات.

ومن الطبيعي وجود فئة من الناس تعارض المسألة ليس من باب رفضها كتشريع له مبرراته وظروفه التي تنطبق على حالات بعينها، وليس على عموم المجتمع الذي بدأ يميل لقبول التعدد فتحولت من مسألة حاجة وضرورة إلى رغبة وميل عام أخرجها عن إطارها المطلوب بحسب هذه الشريحة.

لماذا نعيد فتح الملف؟

تداول نشطاء في الداخل السوري الحديث عن حملة تحت عنوان “زوجي زوجك” والتي انطلقت في شمال سورية، من مدينة “كفرنبل” في ريف معرة النعمان.

الموضوع لاقى ردة فعل متباينة بين مؤيد ومعارض، ما يعني أن القضية حساسة، في مجتمع مقبل على التغيير ومازال يعيش أجواء الثورة والحرب، بالتالي فإن استشراء ظاهرة خاطئة عبر دعوات غير مدروسة يفتح الباب على تفكيك المجتمع تدريجياً، مالم تتصدى لهذه المسألة النخبة المختصة والمثقفة، فتحدد القواعد وتبني عليها.

اللعب بالنار:

تعدد الزوجات، في النهاية يبقى كالبحث عن الدفء في موقد النار، مالم ينضبط بقواعد شرعية إسلامية واضحة، ترمي إلى البناء في المجتمع، وتنهي الجدل حول مسألة مفصلية في حياة الأسرة.

تعدد الزوجات ؟؟؟؟

تعدد الزوجات ؟؟؟؟

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015