لا يمكن الاختلاف حول حقيقة أنه حيث أننا نُؤلِّف نصف سكان العالم، فإن للنساء دوراً مساوياً للرجال كقوة دافعة للنمو الاقتصادي. وفي الواقع، يؤكد البعض أن النساء يتحكَّمن في الجزء الأكبر من الإنفاق الاستهلاكي على مستوى العالم. وقد تُؤدِّي إزالة الحواجز المجحفة بالنساء إلى زيادة إنتاجية العمال ما يصل إلى 25% في بعض البلدان، وذلك فقط بزيادة مشاركة النساء في قوة العمل.
ومع ذلك، فإنه في أكثر من نصف بلدان العالم، لا تزال المرأة ممنوعةً من العمل في وظائف مُعيَّنة لا لشيء إلا بسبب نوع جنسها. ليس هذا فحسب. ففي 123 بلدا، لا توجد قوانين لمكافحة التحرُّش الجنسي في الأوساط التعليمية. وفي 59 بلدا، لا توجد قوانين لمكافحة التحرُّش الجنسي في مكان العمل. وفي 18 بلدا، يمكن للزوج بحكم القانون أن يمنع زوجته من العمل.
هذه الإحصاءات التي تبعث على الأسف يمكن الاطلاع عليها في تقرير المرأة وأنشطة الأعمال والقانون 2018، وهو تقرير للبنك الدولي يرصد منذ عشر سنوات الحواجز القانونية التي تعوق النشاط الاقتصادي للنساء. وبفضل هذا التقرير اتسع فهمنا لكيفية تأثير القوانين على قرارات النساء فيما يتصل بتأسيس مشروع تجاري وإدارته أو الحصول على وظيفة.
ويتناول التقرير بالبحث سبعة مجالات: الوصول إلى المؤسسات، واستخدام العقارات، والحصول على وظيفة، وتقديم حوافز للعمل، والتقاضي، والجدارة الائتمانية، وحماية النساء من العنف. ويقيس التقرير أداء البلدان على كل المؤشرات السبعة، ومع أن إسبانيا حازت على تقدير مرتفع، فإن البيانات تكشف مدى اتساع التحدِّي المستمر الذي تواجهه النساء في بحثهن عن فرص اقتصادية.
ويُوثِّق التقرير البلدان التي لا تملك فيها النساء نفس حقوق الملكية التي يحظى بها الرجال، وهو ما يجعل من الصعب على النساء استخدام العقار كضمانة للحصول على التمويل.
ويُقدِّم التقرير صورةً واضحةً عن كيفية جعل القوانين الحصول على وظيفة أو الانخراط في ريادة الأعمال أصعب على النساء بالنسبة للرجال.
أولاً، القيود على الوظائف تزيد من صعوبة حصول المرأة على وظيفة. ففي 104 بلدان في أنحاء العالم، يوجد شكل من أشكال القيود على عمل المرأة، على سبيل المثال في أنشطة مثل التعدين والصناعة والبناء والطاقة والزراعة والمياه والنقل. وفي الواقع، فبسبب هذه القيود، لا تتاح لنحو 2.75 مليار امرأة الفرص ذاتها التي تتاح للرجال وذلك بسبب نوع جنسهن.
وثانياً، يزداد احتمال أن تمتلك النساء مشروعات أعمال في البلدان التي توجد فيها حماية من التحرُّش الجنسي. وقد أحصينا أن أكثر من نصف مليار امرأة في أنحاء العالم لا يجدن حماية قانونية من التحرُّش الجنسي في مكان العمل. وقد لا تحل القوانين هذه المشكلة، ولكنها خطوة أولى مهمة، وتُظهِر الشواهد أنه حيثما توجد هذه القوانين يزداد احتمال أن تمتلك النساء مشروعات أعمال خاصة بهن.
وثالثاً، يقل احتمال أن تتقلد النساء مناصب قيادية في الحياة العامة في البلدان التي تُقيِّد فيها القوانين قدرتهن على التصرف على نحو مستقل، وحرية حركتهن. وتعيش قرابة 850 مليون امرأة في بلدان توجد فيها مثل هذه القيود. وفي 31 بلداً، لا تستطيع النساء، على سبيل المثال، أن تختار مكان معيشتها بنفس الطريقة التي يتمتع بها الرجال.
ولكن التغيُّر يحدث، والشواهد المتاحة تُظهِر أنه حيثما توجد مساواة بين الجنسين في قوانين العمل، يعمل عدد أكبر من النساء، ويكسبن دخلاً أكبر بالمقارنة بالرجال. فقد قضت المحكمة الدستورية في كولومبيا بأن الحظر على عمل المرأة في التعدين ينطوي على إجحاف. وألغت بلغاريا وكيريباتي وبولندا في الآونة الأخيرة كل القيود على عمل المرأة.
وتُقدِّم وسائل التواصل الاجتماعي مثل حركة #أنا_أيضاً #Me Too التي تُسلِّط الضوء على انتشار التحرُّش الجنسي والعنف في مكان العمل مساهمةً قيمةً. ولكن عوائد تحقيق المساواة بين الجنسين اقتصادية أيضاً: ومن المرجح أن نستفيد جميعاً عن طريق ارتفاع مستوى الرخاء والاستقرار.
ألن يكون إنجازاً رائعاً لو أن التفاوتات التي تعاني منها النساء في أنحاء العالم تم تسويتها لأن الحكومات التي تساند قوانين سيئة أُخضِعَت للمساءلة عمّا تقوم به؟ قد يساعد تقرير المرأة وأنشطة الأعمال والقانون 2018 على حث خطى الإصلاحات بوتيرةٍ أسرع.