تكاثر عمليات التجميل: أزمة ثقة أم مواكبة موضة؟
عمليات التجميل: ثقة أم موضة؟

أفين يوسف/medfeminiswiya- في مدينة “قامشلي” شمال شرقي سوريا، تكتظ عيادات ومراكز التجميل بالفتيات والنساء. يتهافتن على تلك المراكز في مشهدٍ قد يثير الدهشة في بلاد أحوالها في تدهورٍ مستمر، ومشهد شبيه بطوابير الخبز والغاز أو طوابير المراكز الإغاثية التي اعتدنا على رؤيتها منذ بداية الأزمة السورية. يجمع بين المشهدين قاسم مشترك هو الصبر، الصبر للحصول على ربطة خبز أو جرة غاز أو صندوق معونة، والصبر للحصول على وجه جميل وابتسامة مميزة أو قوام ممشوق، وفق المعايير السائدة طبعاً.

منذ ثلاث سنوات، تواظب رابرين (24 عاماً) من ناحية تربه سبيه/ القحطانية، على زيارة مركز التجميل لإجراء “البوتوكس” و”الفيلر” وبشكل دوري، بهدف تكبير شفتيها وإبراز خدّيها. فهي تتابع المشاهير عبر الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، وتراقب عن كثب كل جديد في عالم الموضة وبخاصة التجميل. تقول لنا: “سئمنا متابعة أخبار الحرب، كنتُ طفلةً حين بدأَت، وكبرت هنا في حين هاجر معظم الشبان، ناهيك عن الذين قضوا في الحرب. لذلك فإن فرص الزواج في مجتمعنا باتت ضئيلة جداً لا سيما أن القلة الباقية من الشبان يهتمون بالجمال، ولأحظى بالفرصة، علي أن أكون الأجمل”.

فتيات كثيرات تحدثن عن تجاربهن مع عمليات التجميل، ومعظمهن كنَّ راضيات عن النتائج التي حققنها بعد العمليات، ومنهن من خضعن لأكثرمن عملية، وأخريات أدمنّ على العمليات حتى باتت جزءاً من حياتهن، وهنّ يرين أنه من الضرورة بمكان مواكبة الحياة المعاصرة التي تفرض مقاييساً للجمال المتكامل الذي يُعتقد أن كل امرأة تطمح إليه.

عمليات تسبّبت بتشوّهات ولا شكاوى

أرادت ريم (27 عاماً) من مدينة قامشلي أن تضفي على شفتيها اللون الوردي الجذّاب قبل زفافها، وجاءتها الفكرة قبل عام ونيف حين رأت شفاه صديقتها التي قامت بإجراء تجميلي سمته “تحسين لون الشفاه بالحقن بالفيتافين”، فاتخذت القرار قبل زفافها بأسبوع ليتسبب الحقن بانتفاخ شديد في شفتها العليا والذي ادعى الطبيب أنه من تأثير الإبر وسيزول بعد يومين من إجراء الحقن، لكنه لم يزُل. تقول ريم بندمٍ شديد: “لم أكن أريد إجراء عملية تجميل، كل ما هنالك أنني أردت أن أحسن من مظهري ليلة زفافي، أنا الآن نادمة جداً!”.

عانت نسرين (40 عاماً) من مدينة قامشلي من ترهلات في الجفن العلوي. خضعت لجراحة تجميلية “قص الجفن” والتي تسببت لاحقاً بتشوه في جفن إحدى العينين حيث تم خياطة الجفن مع جزء من الأهداب ما يجعلها تجد صعوبة في إطباق الجفن على العين. تقول نسرين ومسحة الحزن بعينيها: “إن الطبيب الذي أجرى لي العملية هو أخصائي جراحة عامة، وعادة ما يقوم بعملياتٍ مماثلة ناجحة، لكن لا أعلم لم حدث ذلك لي، إنه من سوء حظي”.

على الرغم من فشل بعض عمليات التجميل وتسببها بتشوهات فاقت التصورات -وما الأمثلة المذكورة إلا حالاتٍ بسيطة منها- إلا أن النساء يمتنعن عن تقديم شكاوي، منهن من تعتقد أن لا جدوى من تقديم الشكوى، ومنهن من تمتنع خوفاً من نظرة المجتمع إليها ومن رد فعل الناس أو خوفاً من الأقاويل التي ستلاحقها بعد كشف سبب الشكوى.

بحسب مكتب التراخيص في هيئة الصحة بالجزيرة (التابع للإدارة الذاتية في شمال وشرقي سوريا)، لم تقدم أي شكاوي ضد أطباء أو مراكز التجميل لدى الهيئة أو لدى اتحاد الأطباء على الرغم من وجود قانون مخالفات وعقوبات. تتعامل هيئة الصحة مع المراكز غير المرخصة أصولاً عن طريق محضر ضبط مُوقّع من اتحاد الأطباء ومديرية الصحة المعنية في المنطقة ولجنة الصحة، ويُغلق المركز المخالف ويُختم بالشمع الأحمر مع مصادرة المعدات والأجهزة مع غرامة مالية لا تقل عن 300 ألف ليرة وتصل إلى 700 ألف ليرة سورية، بينما يتم إحالة صاحب المركز للقضاء، وينفذ القرار عن طريق النيابة العامة، ويبقى المركز مغلقاً لحين تسوية الوضع واستكمال شروط الترخيص.

مراكز وعيادات لا رقيب عليها

من اللافت أن مراكز التجميل تنتشر بكثرة في مدينة قامشلي وبعض المدن الأخرى في شمال شرقي سوريا، وتبين أنه بالإضافة إلى المراكز المرخصة هناك بعض المراكز غير المرخصة، إضافةً إلى أن عمليات التجميل تجرى في بعض العيادات الخاصة التي لا تخضع للرقابة، كما أن معظم العاملين في هذا المجال هم من غير المتخصصين. فقد استغل بعض المخبريّين أو الأطباء من اختصاصات مختلفة الفوضى وانعدام الرقابة للعمل في مجال الجراحة التجميلية وحقن البوتوكس والفيلر والتجميل بالليزر، ما يتسبب غالباً بأخطاء طبية تؤدي إلى تشوهات في الوجه أو الجسم وربما تعرض الحياة للخطر. فمن المعلوم أن هذه المهنة تحتاج إلى خبراء تجميل ومتدربين/ات من حاملي شهادات تخصص.

وفق مكتب التراخيص في هيئة الصحة، هناك فقط سبع مراكز مرخصة، خمس مراكز في قامشلي، ومركز في ديريك/المالكية، وآخر في كركي لكي/معبدة. يتم منح التراخيص وفق شروط، حيث تقوم لجان مختصة بالكشف على المركز والتأكد من الأجهزة المستخدمة إضافة إلى توفّر شرط أن يكون العاملون/ات في المركز من الأطباء المتخصصين بمجالات معينة (الجلدية، التجميل والترميم).

نساء من مختلف الأعمار يخضعن لصناعة التجميل

يخبرنا خبير التجميل عادل داوود، وهو صاحب مركز قامشلي للتجميل: “تتراوح أعمار الفتيات والنساء اللواتي يراجعن المركز ما بين 18 سنة و65 سنة، وتختلف متطلباتهن بحسب العمر، فالمركز هو مركز تخصصي لا يعتمد على العمليات الجراحية بل على العلاج بالليزر والحقن (الفيلر والبوتوكس) لتحسين المظهر”.

يؤكد داوود أن غالبية الفتيات اللواتي يزرن المركز من عمر 18 حتى 40 عاماً معظمهن يخضعن لعلاج إزالة الشعر، بينما عمليات شد البشرة والنضارة وإزالة التجاعيد تبدأ من عمر 30 إلى 65 عاماً، وتطمح بعض النساء للحصول على جسدٍ متناسق ومثالي في وقت قياسي فيخضعن لعملية نحت الجسم وتكثر لدى النساء اللواتي يعانين من البدانة أو من تراكم الشحوم في بعض مناطق الجسم.

تخضع سوسن (45 عاماً) من ناحية عامودا التابعة لمدينة قامشلي، لجلسات نحت الجسم منذ شهرين، وعلى الرغم من أنها تملك الوقت لزيارة مركز التجميل في قامشلي التي تبعد 35كم عن عامودا وقضاء وقت طويل بانتظار الجلسة، إلا أنها تتذرع بأنها لا تملك الوقت لممارسة الرياضة التي من شأنها إذابة الشحوم وإزالة الترهلات.

تختلف قابلية الجسم في تلقي علاج النحت باستخدام الجهاز من امرأة لأخرى، وقد تصل جلسات نحت الجسم إلى عشر جلسات وربما تزيد، ويفصل بين الجلسة والأخرى عشرة أيام على أقل تقدير.

تقول سوسن وهي تنظر لجسدها: “بشتهي ألبس من كل الموديلات بس جسمي مو حلو”، وتستدرك: “ليس لدي الوقت لممارسة الرياضة، ونتيجة الإنجاب ترهلت بعض المناطق في جسمي وتراكمت الشحوم في منطقة البطن والأرداف، لذلك قررت الخضوع لجلسات نحت الجسم وأتوقع الحصول على نتائج أسرع وأفضل”.

أموال طائلة في سبيل تحقيق “الجمال”

لا تعير النساء اللواتي يتعرضن لعمليات تجميل الأهمية للمبالغ الطائلة التي سيدفعنها ثمناً لتلك العمليات  والنتائج التي يتوقعن الحصول عليها بعد العملية. فمعظم النساء والفتيات إنما يقمن بذلك إما لمواكبة الموضة، أو لتعزيز ثقتهن بأنفسهن، وأحياناً كنوع من التقليد والتشبّه بقريناتهن.

تقول رابرين: “نحن لسنا خبيرات بالمواد التي يستخدمها الطبيب في حقن وجوهنا، لكننا نزور الطبيب أو المركز الأكثر شهرة في المنطقة، وندفع الكثير من المال على أمل الحصول على نتائج مرضية”.

تبدأ أسعار عمليات التجميل من 150 ألف ليرة سورية لتصل إلى حدود 1500 دولار أو ما يزيد عن ذلك.

تختلف أسعار المواد التي تستخدم في عمليات التجميل بحسب جودتها والبلد المنتج (الصين، كوريا، ألمانيا)، وينطبق ذلك على أجهزة الليزر أيضاً ونوع الأشعة المستخدمة في الجهاز، ويتم استيراد المواد والأجهزة من الخارج وبأسعار باهظة، كما تحصل بعض مراكز التجميل على المواد والمستحضرات التجميلية بطرق غير شرعية (عبر التهريب مثلاً)، وقد تكون تلك المواد فاسدة أو منتهية الصلاحية ما يؤثر على نتائج استخدامها.

في هذا السياق، يقول خبير التجميل عادل داوود: “إن جودة المواد والأجهزة تنعكس على نجاح عملية التجميل ونتائجها”، ويضيف، “لا يحبذ خضوع الفتيات والنساء لحقن الفيلر والبوتوكس إلا للضرورة القصوى ويفضل عدم تكرار العملية لما لها من أثار سلبية لاحقاً كازدياد الترهلات والتجاعيد بسبب تمدد الجلد إثر الحقن، وينصح بعدم إجراء تلك العمليات ما لم تكن هنالك ضروة ملحة”.

لم يعد من الغريب إذاً أن تصادف في كل شارع فتاةً أو امرأة تضع كمامة تخفي بها شفتيها المنتفختين نتيجة الحقن، أو فتاةً تضع لاصقاً طبياً على الأنف… فعلى الرغم من أن جميع النساء اللواتي يخضعن لعمليات التجميل يتمتعن بجمال فريد وخاص بهن، إلا أن فكرة الجمال أصبحت عادةً، لا بل أقرب إلى الهوس الذي يستشري بين الجميع حتى باتت ملامح الكثير من النساء متشابهة، وكأن معيار الجمال واحد وعالمي. الخدود والأنف والشفاه نفسها تقريباً… كأنما نعيش في عصر النسخ، أو كأنما النساء يواجهن كآبة الحرب بالجمال.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

عمليات التجميل: ثقة أم موضة؟

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015