يقول البعض بأن الفيسبوك قد أصبح وعاءاً لتفريغ الكبت الجنسي والقهر النفسي، حيث يقوم الرجال بالتلصص والتحرش بالنساء في الفضاء الأزرق؛ فمنهم من يختبئ ومنهم من يجاهر …
الثريا رمضان/وكالة أخبار المرأة- الجسد “العورة”، الفاتن، الجسد الذي يُربِكُ الآخرَ حين يمرّ أمامه، كلها إشكاليات تطرح دائما عند الحديث عن المرأة/الجسد. الجسد الذي خُلق على شاكلة اختلفت عن جسد الرجل، لتجعل منه معضلة الحضارات والثقافات والأديان على مرّ العصور. يُشار كثيرا بالسّبابة نحو المرأة على أنها سبب شبق الرجال وفتنة لمن يراها وأنّها عورة كاملة يجب أن تُستَر، حتى وصل الأمر ببعض الفقهاء أن قالوا أن مقولة “المرأة كلّها عورة إلا وجهها في الصلاة” هي حديث نبويّ، بينما دحضه العديد من العلماء أمثال العلامة ابن عثيمين وقالوا أنه من كلام بعض الفقهاء ليس إلّا. كما اعتبر الرجال المرأة على مرّ العصور كائناً منحطّا وأيضا شيطانا رجيما يوسوس بالشر وقد أُهينت كثيراً في تلك العصور حيث أنها كانت تُشتري وتباع في الأسواق كالسلع أو كالمواشي والمتاع، وهو ما جاء في كتاب “المرأة عبر العصور” لمحمد فكري الديراوي.
هذا الجسد الذي يحمل فوق كتفيه رأسا فيه ما يكفي من الخلايا الدماغية ليفكّر ويعقل ويزن الأمور بكل حزم وصرامة، هل مازال يُنظر إليه أنه فتنة ونحن في القرن الواحد والعشرين؟ ولنتطرّق إلى الموضوع بشكل أكثر طرافة، طرحت وكالة أخبار المرأة على مجموعة من المثقفين والإعلاميين العرب السؤال التالي: هل الرجل العربي لا يفكر إلا بنصفه الأسفل؟ وهل يحترم عقل المرأة أو أنه لا يرى فيها إلا مجرّد شهوة وجسد مثير؟
الشاعر والروائي الأردني جلال برجس يعتبر أن السؤال نفسه بحاجة لإعادة صياغة، إذ يقول: “كاعتراف بهذه الحالة، كان يجب أن يكون السؤال بهذه الصيغة “لماذا لا يفكّر بعض الرجال العرب إلا بنصفهم الأسفل، حينما ينظرون إلى المرأة، وهل هذه حقيقة مطلقة، تنسحب على كامل الذكورة العربية؟” حينها يمكننا أن نقترب من إجابة هذا السؤال بشكل فيه كثير من الموضوعية. كما رأى برجس أن سؤالاً آخر يجب أن يوجه للمرأة العربية بالطريقة نفسها، قائلا: ” علينا أن نتجاوز النظرة النمطية لهذه الموضوعة، تلك التي تصوّر الرجل العربي وحشاً جنسياً يود التهام أي امرأة تقع في مرمى بصره. هذه النظرة التي استغلتها الميديا العالمية، وبعض المستشرقين، في تنميط الرجل العربي، ورسم صورة له، ليست حقيقية بالكامل. إن احتكمنا إلى النسبة المئوية في هذا الشأن، سنجد أن عدد الرجال الذين يرون المرأة جسداً، يفوق عدد النساء بكثير، ولكن هذا يدلنا إلى أن عدداً من النساء أيضاً يتبنيّن هذه النظرة. وهنا أودّ الإشارة إلى أنني لست من أولئك الذي يقارنون العربي بالآخر المتطور حضارياً، لأن حتى الآخر لديه مثل تلك المعاينات بحقّ المرأة، والمرأة بحقّ الرجل، مع الانتباه إلى تدنّي النسبة في هذا الشأن. وبما أننا إزاء نظرة سلبية غير مقبولة، علينا أن نتساءل عن سبب تلك النظرة، التي أرى أن إجابتها تكمن في طبيعة المجتمع العربي الذي مارس كبتاً، وحدوداً، وانصياعاً لمفاهيم جعلت الإنسان العربي يعيش حالة عطش دائم، ولهاث مستميت نحو ما فُقد منه في مرحلة من مراحل حياته. فالإنسان العربي نتاج تلك الأوامر، والمسلمات، التي ما زالت تصوغ نظرته ليس نحو المرأة فقط، إنما نحو كثير من القضايا في حياتنا التي باتت شائكة و مترعة بكثير من الأزمات هذه الأيام. ومع اعترافنا بسلبية هذه النظرة، وبأسبابها، أرى أن سؤالاً آخر عليه أن يُطرح: ” لماذا تأخرنا كل هذا الوقت، ولم يحدث التغيير؟ ”
يقول الروائي والناشر اللبناني علي سرور: “إن التعميم، أعني مشكلة الرجل العربي، لا تنحصر في كونه رجلا في بنيته الفكرية والتربوية التي ولد وترعرع ونشأ وتكوّن فيها حيث منحته منظومة أفكار مسبقة عن المرأة على أنها جسد وشهوة ورغبات لا حدود لها، هذا يعني أول ما يعني أن السواد الأعظم من الرجال واقع تحت سطوة هذا التكوين الفكري والبنيوي وتاليا بمداه السلطوي والتسلطي، أي أنه حاسم أمره في أن المرأة جسد للاستمتاع وشهوة خضراء يقطف فاكهتها حيث يشاء وأنّ يشاء. يقابل هذا السواد من الرجال رجال ولا أعرف كم نسبتهم، تخلّصوا من هذا الموروث الفكري والديني وتعاطوا مع المرأة ككائن، لها ما للرجل من حقوق وواجبات ولا فرق بينها وبينه سوى بالبنية البيولوجية. إن محك الرجل الأول والأخير يبقى في موقفه من المرأة أنها نصف المجتمع بكل ما تعنيه كلمة نصف من مساواة تامة ومبرمة لا لبس فيها أم أنها وجهة نظر خاضعة للنقاش؟”
وقد اعتبر الاعلامي التونسي بشير حسني أن الرجل العربي رجلان، رجل يظهر بمظهر المتفتح على ثقافة حقوق المرأة و يعتبرها الشريك في الفكر و الساعد بتبجح بمعرفته بالمرأة المثقفة، الواعية، لكنه يبطن في لا وعيه مقولة “ماهي إلا مْرا”، وهذا اللاوعي هو الغالب في نظرته الحقيقية للمرأة، يتعامل معها بشهوانية و ينتظر اللحظة المناسبة ليتجاوز الحوار الفكري إلى حوار شهواني و تحرش بصري و تلميح لجسدها و لجماله حتى يصل إلى حد ابتزازها. ويردف بشير قائلا: “المرأة في عقل الرجل العربي، شهوانية و جسد، أرقام مفزعة عن التحرش العقلي والجسدي بالمرأة. الرجل العربي يحمل موروثا ثقافيا يضع المرأة دائما في مرتبة دونية مهما بلغت من العلم و الثقافة. في مجالسه الخاصة لا يتحدث عن فكرها وإنما عن جسدها ويخطط كيف يطيح بها في فراشه ليشبع غرائزه منها. المرأة بالنسبة للرجل العربي وعاء جنسي لا يهمه فكرها ولا ثقافتها ولا حتى منصبها و مهما علا شأنها في المجتمع”.
إن الرجل الشرقي تحكمه بيئة معيّنة وموروثات ثقافية تحرّم الجنس خارج الأطر الشرعية والقانونية من جهة، وتمنع العلاقات العاطفية غير المعلنة من جهة أخرى باعتبارها تؤدي إلى فعل “الزنا”، وتجعل من المرأة كائنا ممنوعا من الاقتراب في بعض المناطق، وفي الوقت نفسه تحكم هذا الرجل فكرة التحرر داخل الشبكة العنكبوتية المنفتحة على العالم أجمع بثقافاته المختلفة وعلى الصفحات الممتلئة بصور النساء وصفحات الجنس المنتشرة بشكل كبير على الأنترنت. هذا التناقض الذي يعيشه الرجل الشرقي في حياته يؤثّر على تعامله مع الواقع المعيش ويخلق مساحة من الوهم والحلم داخل أطر افتراضية بحتة قد تخلق بداخله حالة من الشيزوفرينيا.
وإذا كان قد “شهد شاهد من أهلها” كما يقول المثل، فعلينا، وقبل التعرّف على نظرة المرأة للمسألة، أن نبحث عن مدخل علميّ للمسألة، وبالبحث وجدنا دراسة علمية قام بها قام بها البروفيسور “لوين بريزنداين” في الولايات المتحدة الأمريكية في سبتمبر/أيلول 2011، أظهرت بالكاشف أن الرجل العادي بغض النظر عن ديانته أو مدى تديّنه يفكّر في ممارسة الحب كل 52 ثانية تقريبا، بينما تفكر المرأة العادية في الظروف نفسها من مرة إلى مرتين كل 60 دقيقة مع وجود 19% من نساء العالم يفكرن في الجنس مرة كل دقيقة تقريبا مثل الرجال.
وكانت الباحثة العالمية “ليون” قد وجدت في القرآن أسانيد لدراستها في سورة “التكاثر” التي أكدت أن الرجل والمرأة وهما المخاطبان في السورة يفكران كثيرا في التكاثر.
ووجدت معاني أخرى في التوراة اليهودية وكذلك في الديانة المسيحية بشكل لا يدع مجالاً للشك أن التفكير في الجنس غريزة إنسانية أساسية خلق الإنسان بها من أجل الحفاظ على النوع البشري،
وهذا يؤكّد أن المسألة غريزية بالأساس لكن الدراسة أكدت أيضا أن الرجال والنساء طبقا للطبيعة البشرية العادية انحرف بعضهم فأخذ التفكير في الجنس أشكالا مرضية تخطّت الحدود الطبيعية غير أن العادي كما أثبتت هو أن الرجل والمرأة يفكران طويلا كل يوم وعلى مدار الساعة في الجنس بينهما. فما الذي يجعل التفكير الغريزي ينحرف ويخرج عن أطره الطبيعية؟ استكملنا التحقيق مع نساء لنفهم نظرة المرأة للمسألة.
تقول الشاعرة التونسية رفيقة المرواني: “الرجل بصفة عامة سواء كان عربيا أو غربيا يعتبر جسد المرأة متاعا مشاعا لمتعته. فهذه النظرة الضيقة/ الشهوانية، التي أفرزتها ورسّختها سلطة المذكر عبر مراحل تاريخية متلاحقة، كانت عاملا مهمّا في تصوير المرأة كثمن أو جائزة أو مكسب، بالرغم من أن فعل التوحد الإنساني لا يقوم ولا يكتمل إلا بالطرفين، ولا تقع مسؤولية هذه الأفكار على الرجل وحده بل تتحمّلها المرأة أيضا وأتحدث هنا عن المرأة الخاضعة التي تعتبر جسدها ملكا خالصا للرجل وليست سوى حامل للذة، وفي حال أعرض عنها الرجل أي لم يمتدح جسدها و لم يثني على مفاتنها استاءت وشعرت بالنقص، لأن المجتمعات الاقطاعية والرأسمالية جعلتها عبر العصور تتعامل مع جسدها كرأس مال قابل للربح والخسارة. أما بالنسبة لعقل المرأة وعن مدى تقدير الرجل لهذه الملكة الفكرية التي تمتلكها فيجب الإقرار بأنها في طريق التطور والارتقاء بقيمة المرأة من مجرد جسد إلى ذات مستقلة. على المرأة أن تغير نظرة الرجل حياله وجعله يدرك ما يمكنها تحقيقه في كافة المجالات الإبداعية والفنية والاجتماعية والإنسانية بعيدا عن كل ما يمت للجسد بصلة.”
الإعلامية أسماء برّاق من جهتها تقول: “الرجل العربي غريزي بالفطرة ولكنه يتجمل بالمدنية والتحضر. يسعى جاهدا أن يلبس سلوكه ثوب اللياقة واللباقة تجاه المرأة وفق ما اكتسبه من تربية وما حصّله من علم إلا ما أن تبدي المرأة إشارة قد تكون عن غير قصد حتى ينقضّ مبرزا وجهه الحقيقي وتسقط عنه كل المساحيق، ليسعى جاهدا موقعا بأنثاه في رقصة أيقنت عديد النسوة خطواتها. ينساق الرجل وراء شهوته باحثا عن تلبية حاجته الجسدية وإثبات عنصر الذكورة فيه. وهو يحاول من خلال تناوله جسد المرأة تضليل فكرها ومحاولة توجيهه نحو جسدها والاعتناء به خوفا من دهائها و فطنتها لأنه لو تم العكس لربما كانت ثقافة أخرى ومجتمع من نمط آخر. قد ينجذب الرجل الشرقي إلى جسد الأنثى بانحناءاته بحثا عن الخصوبة وحب البقاء وهو شعور فطري إلا انه لا يفتىء أن يتلاشى مع إشباع الرغبة ليبحث عن ضالة لن ينشدها سوى عند امرأة تتقن فن غواية العقل. وإذا استعصى جسد المرأة على الرجل يلجأ الى أحجية عقلها فإن لم يتمكن من خباياه يتعلّل بأنهن ناقصات عقل.”
الناشطة والاعلامية مها الجويني تقول بدورها: “الرجل العربي أو البيئة العربية دعيني أقول بيئة ما بات يعرف بمجتمعات دول الجنوب /دول للعالم الثالث كحال شمال إفريقيا و الشرق الأوسط، هذه الأوساط الاجتماعية تعيش هيمنة ذكورية على للنساء من خلال منح الرجال كل الإمكانيات والأسلحة للسيطرة على النساء واختزالهن في وظيفة إمتاع الذكور ومنحهن مرتبة التابع، وعليه كان للمرأة المكانة الثانوية و اختزلت في أنها محط إثارة وجنس. وفق هذه العقلية دأب الرجل على اعتبار المرأة وعاء من صديد على حد عبارة نزار قباني و دأبت هي على رؤية نفسها كائنا مثيرا للغرائز وليس لها من ثمين سوى نصفها السفلي.” وتختم مها أنّ “خلاصة القول ما دمنا نكبر على التمييز ضد المرأة من خلال السيطرة على أجساد النساء فإننا تبقى مجرد أوعية من صديد في نظر الرجل وفي نظرتنا لأنفسنا”.
إن انحسار فكر الرجل الشرقي في نصفه الأسفل رغم أننا في القرن الواحد والعشرين يبقى إشكالا مطروحا، ليس كغزيرة “شرعية” بل كطريقة تفكير اعتبرها من حدّثناهم تختبئ وراء إطار يحاول أن يظهر بمظهر الرجل الواعي بقيمة العقل النسوي. هذه الشيزوفرينا إن صحّ تسميتها نابعة بالأساس من جذور فكرية لم تكن حكرا فقط على العالم العربي، بل كانت مرتبطة بفكرة الذكورة وأن الرجل هو السيّد، كما كنا ذكرنا في مقدمة هذا المقال. وبالعودة إلى دراسة البروفيسور ليون، نجد أن المثير أن الدراسة أكدت تفكير الرجال في المرأة كموضوع جنسي بحت حيث كشفت عينات البحث تفكير 95% من الرجال في المرأة كجسد أنثوي جذاب للرجل مهما حاول التظاهر بأنه متدين ومحافظ ومهما كان سن أو عمر أو حتي شكل المرأة في محيط مكانه فهو يفكر فيها سرا ويتخيلها كثيرا كشريكة في عملية جنسية وهو ما يؤكد شذوذ العقل الرجولي عند معظم الرجال بالعالم حتى من يمثل منهم الثقافة والتحضر، ففي النهاية لا يمكن للرجل أن يشذ عن حدود الطبيعة فهو يسعى وراء المرأة أينما كانت ومهما كان شكلها.
وإذا كنا لا نستطيع تعميم المسألة على الجميع ولا يمكن حصرها أيضا في مجتمعاتنا العربية مادامت مرتبطة بالأساس بغريزة بشرية من أجل البقاء، فلنتصور فقط أن تنظر امرأة للنصف الأسفل لرجل عبر بصرها، فما سيكون موقفه منها؟