ألتراصوت- عن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” صدر كتاب ثرية أقصري “إشكالية خروج المرأة من البيت ودخولها العمل والمجال العام (المغرب أنموذجًا)”، والذي يأتي ضمن الكتب التي تهدف إلى تحرير المرأة المسلمة من ربقة الأعراف والتقاليد التي حدّت من حقها في التمتع بالكثير من الحقوق التي ضَمِنها لها الإسلام، أُسوةً بالرجل.
كما يهدف الكتاب إلى معالجة إشكال منع المرأة من الخروج من البيت إلا بإذن، وفي حالة الضرورة فحسب، كما ذهب إليه بعض الفقهاء والمفسرين وغيرهم، خصوصًا أن خروج المرأة من البيت ما زال مصدر مشكلات كثيرة بين الأزواج، فضلًا عن تواصل مناقشته في الفكر الإسلامي الحديث. وفي المغرب، حيث لا قانون يمنع المرأة من ممارسة مختلف التصرّفات المشروعة، بما في ذلك خروجها من البيت والتجارة والعمل والسفر، إلا أن كثيرًا من المغربيات ما زال مكبّلًا يرزح تحت أعرافٍ ما أنزل الله بها من سلطان.
شبهات المنع
يتألف هذا الكتاب (180 صفحة بالقطع الوسط، موثقًا ومفهرسًا) من ثلاثة فصول. في الفصل الأول، “شبهات حول منع المرأة من الخروج من البيت”، تبحث أقصري في الشبهات التي اعتمدها مانعو المرأة من الخروج من البيت إلا بإذن في خمسة مباحث. فتبحث أولًا في تفسيرات قوله تعالى “وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ” فتعود إلى الطبري الذي قال قد “قرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة. وقرن بكسر القاف، بمعنى كنّ أهل وقار وسكينة في بيوتكن. وهذه القراءة، وهي الكسر في القاف أولى عندنا بالصواب؛ لأن ذلك أن كان من الوقار على ما اخترنا، فلا شك في أن القراءة بكسر القاف؛ لأنه يقال وقر فلان في منزله فهو يقر وقورًا، فتكسر القاف في تفعل”. تضيف: “الذي يترجح لدي، ما استصوبه الطبري، وهو قراءة عموم قرّاء الكوفة والبصرة – بحسب الطبري، وقراءة الجمهور – بحسب القرطبي – “وَقِرْنَ” بكسر القاف؛ بمعنى كنّ أهل وقار وسكينة”.
وتبحث ثانيًا في تفسيرات آية القوامة، وثالثًا في حديث “والمرأة راعية في بيت زوجها” إذ تقول إنه لو كانت توجد آية قرآنية واحدة أو حديث صحيح واحد ينصّان صراحة على منع المرأة من الخروج من البيت، وأن الأصل في عملها أن يكون داخله، لاستدلّ بهما عبد المجيد الزنداني وغيره ممن يذهبون مذهبه نفسه، إذ لم يجد إلا حديث “والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها” لتدعيم فكرته، فهل هذا يعني أن الوزير المسؤول عن وزارة معيّنة عليه ألا يخرج من تلك الوزارة حتى لا يخلّ بمسؤوليته؟ وبحثت أقصري رابعًا في حديث “إنما هنّ عوان عندكم”، وخامسًا في مسألة الافتتان بالنساء.
دلائل الجواز
في الفصل الثاني، “الدلائل على جواز خروج المرأة من البيت”، تتناول المؤلفة مشاركة المرأة في أداء العبادات خارج البيت، ومشاركتها السياسية، وخروجها لحوائجها وأغراض أخرى، والآيات الحاثّة على السير في الأرض والاكتساب وغيرهما، وأيضًا مشاركة المرأة في الحياة العامة وبناء العلاقة الزوجية، وذلك بعدما وجدت كثيرًا من الآيات التي يُستفاد منها في أن للمرأة، سواء أكانت متزوجة أم غير متزوجة، الحق في مختلف التصرّفات المشروعة، بما في ذلك الخروج من البيت، بغير إذن من أحد. تقول أقصري: “لم يقل أحد من المسلمين أن الحج ساقط عن المرأة وإن كانت متزوجة، إذا كانت مستطيعة، فهو واجب عليها ولو كانت قاطنة بغير مكة. وصعوبات السفر في العصور الخالية معروفة، ومع ذلك أوجب الله عزّ وجلّ الحج على المرأة؛ وهذا يدل على أن الله يرى أن المرأة قادرة على تحمّل مشاق السفر، من أجل أن تؤدي مناسك الحج، وتشهد منافع لها، وتتعرف إلى المسلمين من بقاع الأرض كلها. وورد في حديث لعديّ بن حاتم أنه سيأتي على الناس زمن ترحل فيه المرأة من الحيرة إلى مكة لأداء فريضة الحج، لا تخاف إلا الله بانتشار الإسلام وأمن الطريق”.
وتُدرج المؤلفة آيات ذكرت خروج المؤمنات للبيعة، ولم تذكر أنهن أخذن إذنًا قبل الخروج، وآيات تحمّل المرأة مسؤولية مجتمعية من خلال أمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر، وآيات تدعو المرأة والرجل معًا إلى المباهلة، وأحاديث تفيد أن النساء في عهد النبوّة “كنّ يخرجن من بيوتهن من أجل قضاء حوائجهن المختلفة من غير قيد أو شرط، ومن ذلك ممارسة بعض النشاطات الفلاحية، مثل نقل النوى وجذّ النخل، وكذا السعي على اليتامى، وتقديم شكوى إلى الحاكم، وتحمّل الشهادة لمصلحة الغير، والجهاد في سبيل الله”.
انعكاسات مغربية
في الفصل الثالث، “انعكاسات منع خروج المرأة على وضعيتها ومجهودات ترقيتها (المغرب أنموذجًا)”، بحثت أقصري التجربة المغربية في مجال إدماج المرأة في المجتمع وترقيتها. وبحسبها، شاركت المرأة المغربية منذ القدم بفاعلية في تنمية بلدها، لكنها عانت الإقصاء والتهميش. كما قاومت الاستعمار، وبعد الاستقلال ناضلت لنيل حقوقها أُسوةً بالرجل في ما يتعلق بالكرامة والمساواة ومحاربة البطالة والفقر والأمية. فصدرت قوانين أنصفتها ولو نسبيًا، مثل النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ومدوّنة التجارة ومدوّنة الشغل ومدوّنة الأسرة وقانون الجنسية. مع ذلك لم تتمتع المرأة المغربية بعد بحقوقها كاملة، ما حدا بالدستور الجديد الذي جاء في فورة الربيع العربي في عام 2011 إلى الدعوة إلى ضرورة الأخذ بأيدي الأشخاص والفئات من ذوي الحاجات الخاصة، ومعالجة الأوضاع الهشّة لفئات من النساء والأمهات والأطفال والمسنّين، والوقاية منها.
كما وُضعت مخططات وبرامج عدة لضمان تمتّع المرأة بحقوقها المدنية والسياسية والاقتصادية والبيئية، وغيرها. ساهمت مختلف المجهودات والمبادرات والخطط والمخططات والبرامج التي أنجزها المغرب، في النهوض بأوضاع المرأة المغربية ولو نسبيًا. ومن الآليات المعتمدة للنهوض بأوضاع المرأة في المغرب، بحثت المؤلفة في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والخطة الحكومية للمساواة “إكرام”، واعتماد ميزانية النوع الاجتماعي. كما تناولت المجهودات المبذولة في مجال التعليم، ومسألة ولوج المرأة المغربية الوظيفة العمومية ومراكز القرار وتحسين تمثيليتها السياسية، إلى جانب دمج المرأة الاقتصادي والاجتماعي.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.