جريدة النور- في كل الشرائع السماوية والوضعية، الذي يقوم بفعل ما هو المسؤول عن نتائجه وليس مَن يقع عليه الفعل أو المجني عليه إلاّ في مسألة التحرش الجنسي في البلدان العربية، حيث يجري إلقاء اللوم على الفتاة.
والغريب أنه في دولة كمصر يجري لوم ضحايا التحرش من قبل العديد من الإعلاميين والقنوات التلفزيونية الدينية، فتُتَّهم الفتاة بأنها بطريقة أو بأخرى تسببت بذلك عبر لباسها مثلاً، مع العلم أن أعلى نسبة تحرش في العالم هي في أفغانستان حيث جميع النساء يرتدين النقاب ولا يظهر منهن إصبع.
إن مسألة الاعتداء على كرامة الآخر أو جسده أو حتى ممتلكاته هي مسألة مرتبطة بالتربية والأخلاق.. فالمنحطّ يسعى إلى لممارسة الرذائل بغض النظر عن أخلاقيات الآخرين، وباعتقادي يأتي التحرش في جملة سلوكيات وممارسات فيها استقواء على المرأة، ولعلَّ المتحرش هو إنسان متسلط على النساء عموماً،
ويسيء حتى معاملة أهل بيته ولا ينظر إلى الفتاة ككيان يتمتع بالاحترام والاستقلالية، بل ينظر إليها مع الأسف نظرة الجائع إلى طعام لا يوجد برأيه من يحرسه. إن المتحرش شخص منحط بلا شك وأخاله يستقوي حتى على شقيقاته أو زوجته وينتقص من حقوق النساء وحرياتهن في أسرته.
وقد لاحظنا مؤخراً عدة حالات أنصف القضاء فيها المتحرشَ بهن، كما في حالة الصحفية المصرية هند عبد الستار، فقد حُكم على المتحرش بخمس سنوات من الحبس المشدد.
لذا، يجب ألا تخجل المرأة من أن تطالب بمعاقبة المتحرش، لأن في الإبلاغ عنه مكافحة لظاهرة التحرش، ولا يعيب أي إنسان إلاّ ما صدر منه من أقوال وأفعال، وليس ما وقع عليه، فلماذا يُلوى عنق المنطق عندما يتعلق الأمر بالمرأة؟!!
ربما لأن المرأة لا تعتبر حتى الآن في البلاد العربية كياناً مستقلاً، مما يجعلها باب فضيحة، والتحرش بها يعني بشكل أو بآخر استخفافاً وانتقاصاً من رجولة الأوصياء عليها من الذكور، فالمجتمعات المتخلفة لا تدين أخلاقياً شقيق المتحرش بها أو والدها أو زوجها،
مهما فعل بالمتحرش وحتى لو عذبه أو قتله وقطعه قطعاً صغيرة، بينما تدين الفتاة التي تلجأ إلى الشرطة وتقول فُعل بي كذا وكذا من قبل المعتدي، ربما لأن المجتمع ينظر إلى جسد المرأة وكأنه ليس ملكاً خالصاً لها،
بل هو بشكل أو بآخر شيء يتحمّل الذكور مسؤوليته، وبالتالي لا يجوز لها أن تتحدث حتى للشرطة عن جسدها وما فُعل به، وكي لا يعلم الجيران والناس ويتصوروا الأمر.
إن خلاص المرأة الشرقية من ظلم المجتمع الذي يتجلى في مسائل عديدة لن يتحقق إلا بنهضة اجتماعية فكرية متكاملة، ويصعب جداً حل مشاكل المرأة مع مجتمعاتنا كلّاً على حدة.