جندرة العمل الدرامي وبناء النص
المسلسلات السورية في دراما رمضان 2018

فيصل الزعبي/ جيرون- لمصطلح “الجندر“، مرادفاتٌ كثيرة في اللغة العربية: صنف، نوع، جنس، سمة.. لذلك، آثَرتُ الإبقاء على كلمة “جندر”، التي تعني نوع العمل الدرامي أو صنفه “الجانر”، سواء أكان تاريخيّاً أم كوميدياً أم فانتازيا أم بدوياً.. إلخ.

لقد بات من المعتاد أن يكون رمضان شهراً مارثونيّاً للمحطات الفضائية، في عرض المسلسلات الدرامية على مدار ثلاثين يوماً، ومنذ أن كرّست المحطات الفضائية هذا “البروتوكول الرمضاني”؛ انتقل المسلسل الدرامي من 13 حلقة تلفزيونية إلى ثلاثين، وأحياناً أكثر، حيث يمتدّ المسلسل إلى عطلة العيد!

وهناك أسباب عدة جعلت هذا الشهر حافلاً بالأعمال الفنية، من دراما وبرامج تسلية متعدّدة، وأهمّ هذه الأسباب شركات الإعلان التي ترفد المحطات -في هذا الشهر- بإعلاناتٍ مجزية، وأصبح من الصعب استمرار هذه المحطات من دون هذا الدعم المالي، وبما أنّ العائلات في هذا الشهر تتجمّع، أسريّاً واجتماعياً؛ فالمحطة التي تكسب أكبر عددٍ من الجمهور، هي التي تكسب أكثر عددٍ من الإعلانات.

وعلى ذلك؛ فإن المُنتِج للأعمال الفنيّة والمسلسلات هي المحطات الفضائية، لكن المموّل الخفي هم أصحاب الإعلانات التجارية! وبين محطاتٍ رابحة، وشركات بضائع “صاحبة الإعلانات”، يبدأ المسلسل الدرامي بتكوّنه فكرياً وإنتاجياً، وبالتالي، يتشكّل الذوق العام نتيجةً لهذا الضخ الفكري والموضوعي للأعمال الدرامية.

نظرية “الجمهور عايز كده” تعني أنّ المحطات والجهات المُنتِجة، بما تحملانه من توجهاتٍ فكرية وثقافية وسياسية، هما اللتان “عايز كده”، فاختيار الجندر نشأ عبر مواسم، كالمسلسل التاريخي والمسلسل الفانتازي والمسلسل الكوميدي، لكنّ تلك المحطات كانت، وما زالت، لا تموّل أعمالاً مُعاصِرة تُواكب الحدث والمطلب الاجتماعي، كقضية الحريّات والديمقراطية أو الكوارث التدميرية التي قامت بها السلطات العربية المُستبِدة… وهي تبتعد -عامدةً- عن الحاضر وقضاياه، إلّا بشكلٍ رمزيّ، تحت سقف السلطات العربية، ليصبح الفنان، سواء أكان كاتباً أم مخرجاً، لاعبَ سيركٍ لا أكثر، لديه حِزَمٌ من الممنوعات وأشكالٌ مختلفة من الرقابات: اجتماعية وسياسية ودينية، وسلفية تاريخية، لمعظم القضايا الإنسانية.

النوع الدرامي يكون واضحاً، عندما يتعلّق الفارق بين مسلسلٍ تاريخيّ ومعاصر أو بدوي -على سبيل المثال- لكنّ الجندر أكثر دقةً، وهو يحتاج إلى حِرَفيّةٍ وإتقان، كنصّ وإخراج، عندما يتعلق الأمر بالمسلسل المعاصر مثلًا، كالتصنيف بين مسلسل رومانسي وبوليسي وكوميدي، وغيرها من الأصناف، هنا تصبح حِرَفيّة كتابة النصّ الدرامي بحاجةٍ إلى معرفةٍ فنية وقدرةٍ إبداعيةٍ أكبر.

لا تتوقف المسألة على كتابة النصّ وحسب، فالمخرج والممثل يحتاجان إلى فهم الفارق الفني والإبداعي، وامتلاك الدراية الكافية في التعامل مع نوع النصّ والجندر الذي ينتمي إليه، فهي عمليةٌ مشتركة بين النصّ وتجسيده بلغةٍ تخدم الجندر الفني، وتعطيه حيويةً تلائم بناءه الجندري. فلا يمكن أن تكون الكاميرا أو بناء الشخصية –أدائيّاً- أو الديكور أو الموسيقى، أو غيرها من مفردات العمل الفني، خارج هذا السياق.

حتى داخل النوع التاريخي العام للعمل الدرامي، لا بد من الانتباه، كتابيّاً وإخراجياً، إلى الجندر الخاص، فالمسلسل التاريخي هو نوعٌ عام، لكن داخل هذا المسلسل، وأيّ عملٍ إبداعي، يوجد جندرٌ خاص، كمسلسلٍ تاريخي كوميدي مثلًا، أو مبني على نمط المسلسل البوليسي.. ما زال هذا الأمر، وربما القدرة عليه، غائبةٌ عن الكتاب والمخرجين والممثلين معاً.

من الملاحظ هذا العام، الهروب الواضح من القضايا الاجتماعية إلى القصص الأُسريّة الضيّقة، حتى بات واضحاً أنّ فكرة الخيانات الزوجيّة، وعلاقات الحب المشوّهة، هي التي تأخذ النصيب الأكبر في المسلسلات، دون توضيح الأسباب، من ناحية موضوعية، وأهمها الشتات الأُسريّ والاجتماعي الذي سببته الحروب، والسلطات المُستبِدة، والكوارث التي أنتجها الدمار والنزوح والموت وغيرها.. بقيَت قصصاً سطحية أفقية، دون سبرٍ لأغوار ما يجري وجوهره، وبخاصة أن ما يجري لم يعد موقفاً سياسياً وحسب، بل أصبح قضايا اجتماعية عابرة للدول والقارات.

لذلك، عادت موجة المسلسلات البدوية، الفارغة، التي لا يمكن أن تحقق المطلبين الرئيسين للدراما: الإدهاش والمتعة من جهة، والمعرفة من جهة أخرى.

المسلسلات السورية في دراما رمضان 2018

المسلسلات السورية في دراما رمضان 2018

أترك تعليق

المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015