دينا البسنلي/ ar.qantara- واصل اللبنانيون تظاهراتهم للمطالبة برحيل الطبقة السياسية الحاكمة، التي يتهمونها بالفساد والعجز عن إيجاد مخرج للأزمة الاقتصادية الخانقة. وبعيداً عن التصريحات المتلاحقة للمسؤولين و”حزمة الاصلاحات” التي أعلن عنها رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، وبعيداً عما ما ستؤول إليه حركة الاحتجاجات، فقد حظي مشهد التظاهر ذاته في الشارع اللبناني باهتمام كبير في العالم العربي وخصوصاً بين روّاد مواقع التواصل الاجتماعي.
كما تنوّعت ردود فعل هؤلاء ما بين المُشيدة والساخرة أو حتى المُهاجِمة، خاصةّ فيما يتعلّق بالمشاركة النسائية القوية في الحراك الشعبي اللبناني 2019.
تمنيّات بـ “قضاء ثورة ممتعة”
ولم تقتصر احتجاجات اللبنانيين على الاحتشاد والهتافات السياسية فقط، بل ارتفعت أصوات الأغاني والأناشيد الوطنية وقام البعض بعقد حلقات دبكة. كما شهد الحراك مشاهد أكثر طرافة كتدخين البعض للأرجيلة أوالشيشة وحتى لعب الورق أثناء المشاركة بالتظاهرات.
هذه المشاهد وغيرها أثارت ردود فعل إيجابية من جانب مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بالعالم العربي، حيث أشاد الكثيرون بالروح التي تسود الأجواء متمنيين للبنانيين “قضاء ثورة ممتعة”.
وحظيت المشاركة القوية للمرأة اللبنانية في المظاهرات بمقدار كبير من الاهتمام على وسائل التواصل الاجتماعي، بالرغم من مشاركة النساء والفتيات بتظاهرات سابقة خلال “ثورات الربيع العربي” في عدد من دول المنطقة، كالمشاركة النسائية القوية بالحراك السياسي الذي شهده السودان مؤخرا وأدى إلى عزل الرئيس السوداني السابق عمر حسن البشير.
كما أن ما يسود الحراك اللبناني من بعض المشاهد الطريفة قد تكرّر من قبل خلال ما شهدته دول عربية أخرى كثورة يناير في مصر عام 2011، حيث ساد ميدان التحرير بقلب القاهرة، خاصةً خلال الأيام الأولى من الثورة مشاهد مشابهة كحلقات الغناء على سبيل المثال.
في حوارٍ أجرته معه دويتشه فيله، يقدّم أستاذ علم الاجتماع الجزائري الدكتور ناصر الجابي تفسيراً لهذا الاهتمام الذي يشير إلى “المستوى التعليمي والأصول الاجتماعية وثقافة صاحب كل تعليق” عبر وسائل التواصل الاجتماعي على بعض ملامح التظاهرات في لبنان. ويقول: “هناك بالتأكيد اهتمام بما يحدث خاصةً إذا كان الحراك سلمياً مجتمعياً يشارك فيه كل فئات المجتمع، فما يحدث بلبنان أو الجزائر على سبيل المثال يمكنه تقديم نموذج إيجابي”.
ويرى الصحفي والباحث السياسي اللبناني إياد أبو شقرا أنه لاحظ عبر رصده لردود الفعل العربية خلال الأيام السابقة كون “أغلب التعليقات معجبة بالحراك وشجاعة اللبنانيين”، مُقدّماً تفسيراً لهجوم البعض الآخر قائلاً: “هناك من يخشى الحراك لقناعته بأنه ربما يؤدي إلى الكثير من المشاكل وبالتالي هناك تردد في مباركته من جانب البعض، ونحن ندرك هذه المخاوف ولكن لكل قطر عربي خصوصيته ومكوّناته السياسية والاجتماعية والمذهبية وتجربته الخاصة”.
جدلٌ بين رجال المال والفن بسبب “المتظاهرات”!
وتميّزت بعض تعليقات عدد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي من العرب على الحضور النسائي القوي في الشارع اللبناني بالسلبية إلى حد “التحرّش اللفظي” ببعض الحالات وإن جاء بشكل ساخر، وهو ما رفضه قطاع آخر من المستخدمين.
ويقول الأستاذ الجامعي الجزائري ناصر الجابي: “بعض التعليقات تعكس الثقافة الذكورية لصاحبها وبالتالي أول ما يستفزّه بالتظاهرات هو حضور المرأة وكل ما يصدر عنها، بالإضافة إلى تأثير الصورة السلبية التي ربما تكون موجودة لديه عن المرأة في لبنان”.
وأثار تعليق رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس عبر حسابه الشخصي على موقع تويتر الكثير من الجدل، إذ اختلفت ردود فعل اللبنانيين أنفسهم على التعليق. فقد أثارت التغريدة استياء عدد من اللبنانيين، بمقدمتهم المطرب اللبناني رامي عياش والمطربة اللبنانية نيكول سابا الذين بادرا بالرد على ساويريس.
في المقابل وعلى الجانب الآخر، وجد عدد من اللبنانيين أنه لا يوجد ما يدعو إلى “كل هذا الأخذ والرد” حول حديث رجل الأعمال المصري، والذي رفض بدوره ما اعتبره بمثابة مبالغة في رد الفعل موضحاً أن المصريين اعتادوا على “التنكيت والسخرية طوال الوقت من أنفسهم ومشاكلهم”، على حدّ وصفه.
ويعرب الصحفي والباحث السياسي اللبناني إياد أبو شقرا عن اعتقاده بأن المشاركين في الحراك اللبناني لن يهتموا بتعليقات الآخرين لهذه الدرجة، “فهم لديهم من الهم ما يكفي بالإضافة إلى التفكير في مصير التظاهرات، خاصةً وأن اللبنانيين يعرفون تماماً ما لا يريدونه ولكنهم لم يتفقوا بعد على البديل”.
الخوف من “انتقال العدوى”
انتقاد أو سخرية البعض من المتظاهرات اللبنانيات جاء كذلك من مواطني عدد من دول منطقة الخليج العربي، حيث تم تداول عدد من الصور ومقاطع الفيديو لمتظاهرات لبنانيات اعتبرهن البعض “رموزاً للحب في زمن الثورة”، بينما شنّ آخرون هجوماً قوياً عليهنّ منادياً بمزيد من الاحتشام، ولكن في كلتا الحالتين ظلّت المرأة بالتحديد موضع نقاش.
وردّت الناشطة اللبنانية غيدا عناني لـدويتشه فيله على ما تعرّضت له بعض المتظاهرات من انتقاد قائلةً: “تاريخ النساء اللبنانيات بالنضال أكبر من الرد على التعليقات”، التي وصفتها بـ “الذكورية والسطحية”، مؤكّدةً على أن “ما نشهده اليوم هو ولادة وطن قائم على شراكة حقيقية بين كلٍّ من النساء والرجال”.
ويرى أستاذ علم الاجتماع الجزائري الدكتور ناصر الجابي أنّ بعض المجتمعات العربية لا تنظر بإيجابية لمشهد اللبنانيّات وهنّ يشاركن سياسياً ويطالبن بحقوقهنّ “خوفاً من أن تصل العدوى إليها” متهماً هذه المجتمعات بأنها “لم تعتد على فكرة الديمقراطية والتعبير عن الرأي والمشاركة السياسية للمرأة”.
ويقول الجابي: “تأثير حضور المرأة بهذه القوة والحيوية والعنفوان ربما يأخذ بعض الوقت ليتحقق، ولكنها تجربة مميّزة لم نلاحظ مثلها بأماكن أخرى كالعراق مؤخراً على سبيل المثال، ومع الوقت سيحدث تغيير إيجابي بسبب هذا الحضور النسائي القوي مقارنةً بالمجتمعات التي تعاني من تغييب المرأة”.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.