حقوق المرأة: كيف نصمم مدنا أكثر أمنا وراحة للنساء؟
أشارت أبحاث إلى أن النساء يشعرن بالخوف أكثر من الرجال من ركوب وسائل النقل العامة ليلاً

كريستين رو/ BBC WorkLife- إن مراعاة احتياجات جميع السكان عند تصميم المدن، قد تجعل الشوارع أكثر أمنا للنساء، وهذا سيعود بمنافع عديدة. يحتل متنزه ألكسندرا مساحة شاسعة من بلدة هيستنغز الساحلية بانجلترا، ويضم مناطق مشجرة والعديد من البرك، بالإضافة إلى ممرين طويلين واسعين متعرجين يخترقان الحدائق والأشجار ويتقاطعان مع خط سكة حديد مصغر. فهذا المتنزه لا ينقصه شيء، باستثناء المصابيح وكاميرات المراقبة وغيرها من معدات الأمان.

فهذه المنطقة يكسوها الظلام ليلا حفاظا على الحياة البرية في المدينة. لكن الحوادث العنيفة قد ترتكب هنا حتى في وضح النهار. ففي عام 2020، كانت كاي إيرلي، البالغة من العمر 33 عاما وتعمل أخصائية اجتماعية في مجال رعاية المصابين بالتوحد، تمشي في المتنزه بصحبه كلبها، ثم أخذ رجل يتتبعها وفجأة انهال عليها باللكمات في وجهها.

وعلى الرغم من أنه لم يسعفه الوقت لأخذ مقتنياتها، بعد أن لاحقه ثلاثة من المارة، إلا أن الاعتداء كان له تداعيات جسيمة على صحة إيرلي، التي تعاني من اضطراب ما بعد الصدمة منذ ذلك الحين. وبعد تسعة أشهر من الواقعة، أخبرت الشرطة إيرلي أنها قررت حفظ التحقيق لعدم كفاية الأدلة. وقال المحقق إن الشرطة كان من الممكن أن تتوصل للجاني لو كانت هناك كاميرا مراقبة واحدة في المنطقة.

وقد دفع ذلك إيرلي وصديقتها كلير نوبل، إلى تقديم عريضة للمطالبة بمضاعفة تدابير الأمان في المتنزه، مثل كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة وزيادة مصابيح الإضاءة. وللحد من إزعاج الحيوانات البرية وتجنبا لخرق الخصوصية، طالبتا بتأمين مسار واحد عبر المتنزه بكاميرات المراقبة. وتقول إيرلي: “أريد أن يشعر الناس في المتنزه بالأمان ويمشون فيه دون خوف”.

ودشّنت في مدينة شيفيلد حملات “أجسادنا وشوارعنا” لتحسين الإضاءة في متنزهات المدينة. لكن هذه الحملات لم تحل دون اختفاء سارة إيفيرارد أثناء عودتها إلى منزلها في لندن. لكن مقتل إفيرارد، وكذلك مقتل بيبا هنري ونيكول سمولمان، في يونيو/حزيران 2020 في أحد المتنزهات شمالي لندن، ضاعف أهمية المناقشات حول سلامة المرأة في الأماكن العامة.

وبدلاً من إلقاء اللوم على الضحايا من النساء والفتيات، يطالب الكثيرون بتغيير تصميمات المدن حتى لا تشعر النساء والفتيات بالخوف في شوارعها. وهذا يشمل مراعاة احتياجات ومتطلبات جميع أفراد المجتمع، وليس الرجال فحسب، عند تصميم المدن. وقد يتطلب ذلك إضافة تغييرات بسيطة نسبيا، مثل شوارع تصلح للمشاة وتخصيص مساحات مفتوحة للتجمعات وإضاءة الطرق والممرات، حتى تشعر المرأة أنها مرحب بها في المساحات العامة وأنها ليست بمفردها.

ومن شأن هذه التغييرات أن تساعد جميع سكان المدن على التنقل في شوارعها والوصول إلى الخدمات بسهولة وتحسين جودة المعيشة.

شوارع مشتركة وتحسين مستوى الرؤية

تختلف طبيعة مشاكل السلامة التي تتعرض لها النساء في الأماكن العامة بناء على عوامل عديدة. فالنساء الأكثر ثراء بشكل عام، لديهن خيارات أكثر للتنقل تتيح لهن تفادي المساحات غير الآمنة، في حين أن أفراد الأقليات العرقية والدينية وذوي الميول الجنسية المختلفة وذوي الإعاقة قد يكونون أكثر عرضة للمخاطر في المساحات العامة.

لكن من الواضح أن النساء تنتابهن مشاعر تختلف عن تلك التي تنتاب الرجال عند التجول في شوارع المدن. فالنساء قد يبدين حذرا مفرطا حيال الغرباء الذكور أو يقررن عدم مغادرة منازلهن. وأشار استطلاع للرأي في مدينة دبلن إلى أن 36 في المئة من النساء المشاركات لا يشعرن بالأمان في شوارع أحيائهن ليلا، مقارنة بـ 13 في المئة من الرجال. وفي عاصمة جزر سليمان، هونيارا، ذكرت 93 في المئة من الفتيات أنهن أحيانا لا يشعرن بالأمان في المساحات العامة.

وتتسع هذه الفجوة في الشعور بالأمان بين الجنسين في بعض البلدان، فقد خلص استطلاع للرأي في المملكة المتحدة، إلى أن 93 في المئة من المشاركات يشعرن بالخوف أثناء انتظار القطار ليلا، مقارنة بنحو 53 في المئة من المشاركين بسبب ضعف الإضاءة.

وقد يبدو أن الحل الأسهل هو تركيب المزيد من المصابيح في المحطات والأماكن التي ترتادها النساء والفئات الأكثر تعرضا للمخاطر. لكن هذا ليس سهلا، فقد تحول عقبات بيئية ومالية دون تطبيقه.

وتشدد كالبانا فيسواناث، التي شاركت في تأسيس منظمة “سيفتيبين” التي طورت تطبيقات لتقييم مستوى الأمان في المناطق المختلفة، بحسب مستوى الإضاءة والنقل العام، على أهمية وضوح الرؤية في الشوارع، مشيرة إلى أن وجود بائعين في الشوارع وسكان وأصحاب متاجر ومشاة، يطمئن المرأة. ولهذا فإن الجدران العالية، التي تحيط على سبيل المثال بالمجتمعات والمجمعات السكنية المغلقة تؤثر على سلامة النساء، لأنها تحجب الرؤية.

لكن بعض الشوارع المزدحمة قد لا تكون آمنة تماماً أيضاً. فالشوارع الأكثر أمناً هي التي تضم أجيالاً متعددة رجالاً ونساءً، ولهذا تشعر فيسواناث بالأمان في شوارع بانكوك التي يسير فيها الناس جنباً إلى جنب مع وسائل النقل المختلفة فيما يسمى بمفهوم “المساحات المشتركة”.

وتقول فيسواناث: “إذا صعدت إلى حافلة لا يوجد فيها سوى رجال في الساعة العاشرة مساءً، سأشعر بالخوف حتماً”. فوجود نساء في الشوارع يطمئن سائر النساء. وقد كان جميع الشهود في قضية إيرلي نساء وبادرن بمساعدتها عند تعرّضها للهجوم.

وتضرب فيسواناث مثالاً بسوق في دلهي تحوّلت إلى منطقة للمشاة فقط، وقد نظّم أفراد فريقها بالتعاون مع المؤسسات المحلية مهرجاناً للنساء، وتحدّثوا إلى الكثيرات في المنطقة لطمأنتهن وإقناعهن بأن التجمّع في هذه المنطقة التي يهيمن عليها الرجال سيكون آمناً. وبذلك هدأت مخاوفهنّ المادية (من وجود وسائل نقل) ومخاوفهن الاجتماعية (القلق حيال الخروج لأسباب غير العمل والدراسة والتسوق).

المزايا العديدة للشوارع المناسبة للنساء

ثمة أسباب عديدة تبرر أهمية تصميم مدن تلبي احتياجات جميع السكان، بخلاف الحق في التنقل بحرية. وتقول سارة كانديراتشي، خبيرة التخطيط العمراني ورئيسة التنمية الدولية بمجموعة “أروب” للتصميمات الهندسية: “إذا صممت مدينة تلبي احتياجات جميع السكان، فأنت بذلك تصمم مدينة تجتذب المستثمرين”.

وترى أن المخططين العمرانيين كثيراً ما يصممون مدناً تناسب الرجال الأصحاء في سن الثلاثين، رغم أن سكانها أكثر تنوعاً بمراحل.

وتقول ليان دودي، رئيسة شبكة التخطيط والمدن المتكاملة في أوروبا بمجموعة “أروب”، إن قطاعي التخطيط العمراني وتخطيط النقل الحضري يهيمن عليهما الرجال، وينبغي أن يراعي المخططون احتياجات جميع سكان المدينة وليس الرجال فحسب.

وطالب تحالف المؤسسات التي تنادي باستفادة جميع أفراد المجتمع من وسائل النقل في لوس أنجليس، بوضع رؤية جديدة للأمان حول شبكة مترو الأنفاق في المدينة، وذلك بزيادة عدد الموظفين المدنيين بالمحطات، وليس أفراد الشرطة، الذين يرى النشطاء أنهم قد يثيرون الخوف في نفوس أفراد الأقليات، على أن يكون هؤلاء الموظفون غير مسلحين ويتقاضون رواتب مجزية.

وقد يسهم أيضاً تخصيص مساحات لأصحاب المشروعات الصغيرة، مثل الباعة الجائلين وأكشاك بيع الصحف، في الشوارع في زيادة مستوى الأمان، لأن وجود الكثير من الناس، الذين يعرفون أفراد المجتمع معرفة وثيقة، في شوارع المنطقة، سيشجّع الكثيرين، مثل النساء، على ارتيادها.

وثمة فوائد بيئية أيضاً للاهتمام بسلامة النساء، فثمة أدلة على أن الخوف من ركوب الدراجات أو وسائل النقل العامة، يحدّ من استخدام النساء لخيارات النقل منخفضة الكربون.

وأجرت دودي وزملاؤها بحثاً عن وسائل النقل في أيرلندا وخلصوا إلى أن 55 في المئة من المشاركات ذكرن أنهن يمتنعن عن استخدام وسائل النقل العامة ليلاً، لكنها تقول إن 35 في المئة من الرجال أيضاً ذكروا أنهم يتفادون استخدام وسائل النقل العامة بعد حلول الظلام.

وتقول دودي: “إن الإجراءات التي ستتخذها لمساعدة المرأة على الشعور بالأمان، من المرجح أن يستفيد منها الرجال أيضاً. ولهذا أعتقد أن مراعاة اعتبارات الجميع عند تصميم المدن، سيُحسّن أوضاع جميع السكان”.

حلول بسيطة

كثيراً ما تلقى هذه الخطط رفضاً من المسؤولين بالبلديات بسبب نفقات زيادة العاملين أو تركيب معدات الرقابة. لكن بعض الحلول، ولا سيما إنارة الشوارع، التي تطالب بها معظم النساء، لا يشترط أن تكون مكلفة. فمصابيح الصمام الثنائي الباعث للضوء المعروف اختصاراً باسم “ليد”، موفّرة للطاقة وفي الوقت نفسه ستجعل الشوارع آمنةً للمشاة وقائدي السيارات.

وتقول كانديراتشي: “إن كل ما هو مطلوب هو تطبيق المبادئ الصحيحة في التصميم (مثل سهولة الوصول للخدمات الأساسية وسهولة التنقّل وإتاحة وسائل النقل العامة وتخصيص أماكن للمشاة) – التي يدخل في صميمها التنوّع والشمول – في جوانب الحياة اليومية”.

وبينما يشغل التحرّش الجنسي حيزاً كبيراً من النقاشات حول سلامة المرأة في المساحات العامة، فإن هناك مشاكل أخرى تواجهها النساء في الطرق.

ففي العاصمة البيروفية ليما، كانت النساء في أحد الأحياء الفقيرة المليئة بالمرتفعات، يجدن صعوبة في توصيل أطفالهن إلى دار الحضانة، لأن الطريق المؤدي إليه كان خطيراً ومغطى بالقمامة، وكن يضطررن لركوب دراجات الأجرة الباهظة. لكن مشروعاً لتنظيف هذا الطريق وزرع الأشجار وتركيب قضبان على جانبي الطريق، نفّذته مؤسسة “بيرنارد فان لير” وجمعية “ألتو بيرو” غير الحكومية، شجّع النساء على السير إلى دار الحضانة وتوفير نفقات دراجات الأجرة وتخفيض انبعاثات الكربون.

وثمّة مثال آخر على التعديلات البسيطة في الشوارع التي قد تعود بمزايا عديدة، وهو ضمان وجود أرصفة مستوية ومنحدرات للمعاقين أو لعربات الأطفال. وقد طرح الكثيرون هذه الفكرة في معرض الحديث عن تصميم مدن مناسبة للنساء والأطفال وكبار السن والمعاقين.

وقد يساهم أيضاً تصميم منشآت تتضمن مراحيض عامة للنساء، جنباً إلى جنب مع مراحيض الرجال أو مراحيض مشتركة للجنسين، في خلق مساحات آمنة للنساء، حتى لا يخشين من قضاء حاجاتهن في الأماكن العامة. ففي الكثير من المناطق حتى الآن، لا يوجد سوى مراحيض للرجال، مثل محطات القطارات في الهند أو حتى بعض أحياء النوادي الليلية في هولندا. وقد تتعرّض النساء والفتيات في بعض المناطق للاعتداء إذا بحثن عن مكان لقضاء حاجاتهن.

وقد تصبح هذه الحلول البسيطة أكثر فعالية إذا راعى المخططون احتياجات الفئات التي يستهدفونها واستمعوا إلى متطلباتهم وأدرجوا اعتباراتهم في تصميم المدن. وهذا ينقل رسالة مفادها أن سلامة المرأة في الأماكن العامة تحظى بأهمية كبيرة، لأنها سترسي قواعد المدن الأكثر أمناً للنساء.

وفي تغريدة على موقع تويتر، علقت مؤخراً الباحثة في حقوق المرأة فين ماكاي، على صياح بعض الرجال اعتراضاً على مسيرات النساء للمطالبة باستعادة الشعور بالأمان في الشوارع ليلاً، بعبارات مثل “عودوا إلى منازلكن” أو “هذه شوارعنا”، بالقول: “النساء إذا لم يكن مخطئات حين وصفن المساحات العامة بأنها مصممة لتلبي متطلبات الرجال فقط. صحيح أننا لن نضع حدّاً للعنف الجنسي ضدّ المرأة بين عشية وضحاها، لكن بإمكاننا أن نغيّر هذه الرسائل بتغيير تصميم المدن”.

أشارت أبحاث إلى أن النساء يشعرن بالخوف أكثر من الرجال من ركوب وسائل النقل العامة ليلاً

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015