جريدة “الغد”- قبل قرنٍ من الزمان، أعلنت صحيفة “الغارديان”: “إنه إنجاز عظيم، ومعلَم دستوري هائل”. فبعد حملةٍ دامت أكثر من 50 عاماً، وشهدت الكثير من العنف والموت -وكذلك التغذية القسرية لآلاف المضربات عن الطعام من المطالِبات بحق المرأة في الاقتراع في السجون- نالت المرأة أخيراً “الحقوق الكاملة للمواطَنة”؛ أو نالتها بعض النساء على الأقل.
وقتها تمّ توسيع قانون “تمثيل الشعب للعام 1918” حقّ التصويت ليشمل أولئك النساء فوق سن الثلاثين اللواتي لديهن ممتلكات أو متزوجات من رجالٍ لديهم ممتلكات. وبضربة قلم، تمّ منح 40 في المائة من النساء البريطانيات حق الانتخاب. وسرعان ما تحوّلت ما كانت ثورةً فكرية لتصبح ثورةً سياسية بينما استوعبت بريطانيا أفكار المساواة الجندرية والغرض من التمثيل السياسي.
وسرعان ما جاء في أعقاب المساواة السياسية تمرير قانونٍ ثوري بالمقدار نفسه: السماح للنساء بالترشّح للبرلمان. وفي حين أن 99 من كل 100 مُرشَّح في الانتخابات العامة التالية كانوا من الرجال، حصلت أول امرأةٍ على مقعدٍ في مجلس العموم في العام 1919: نانسي أستور -وهي عضو برلمان من حزب المحافظين، والتي وصفت نفسها بأنها “نسوية متحمسة”.
كانت لمنح النساء حق الاقتراع آثارٌ عميقة على الأحزاب الرئيسية. فبحلول العشرينيات من القرن العشرين، كانت نساء حزب العمال يخضن حملةً لإجبار قيادة الحزب من الذكور على السماح بمنح حق السيطرة على الولادات للنساء المتزوجات في مراكز الأمومة التي تموّلها الدولة. ولم تكن النساء من حزب المحافظين يتحدين القيادة بقدر ما يُعطين موافقتهن.
ومع ذلك، ومع وصول عدد أعضاء حزب المحافظين من النساء إلى مليون في العام 1930، أصبحت مشاركتهن حاسمةً لنجاح المحافظين في الانتخابات. وعلى مدى عقود، بدت عادات الانتخابات بين النساء محافِظةً أكثر من الرجال: كان من شأن الامتياز المقتصر على الرجال أن يمنح حزب العمل السلطة من 1945 وحتى 1979. ثم مال تصويت النساء نحو اليسار فقط عندما حصلت بريطانيا على أول رئيسة أنثى للوزراء، مارغريت تاتشر. ومع ذلك، لم تكن السيدة تاتشر نسوية، وقامت بتعيين امرأةٍ واحدةٍ فقط في حكومتها، متسببة بالمزيد من تقويض اعتماد حزب المحافظين على النساء.
واليوم، ما تزال النساء أكثر احتمالاً للمشاركة في الاقتراع من أجل التصويت لرجال -لكن النساء، وخاصة الشابات منهن، أصبحن يصوّتن الآن بشكل حاسم لحزب العمال بأعداد أكبر من الرجال. وفي الانتخابات الأخيرة، كانت النساء تحت سن 55 عاماً أكثر احتمالاً، بطريقة ما، للتصويت لصالح جيريمي كوربين.
ما تزال بريطانيا تعاني من عجزٍ خطير في الديمقراطية: فالنساء يشكّلن أكثر من نصف السكان، لكنهن يشكّلن أقل من ثلث أعضاء البرلمان. وفي حين أن تيريزا ماي هي ثاني رئيسة وزراء أنثى، فلم تكن سوى بعد انتخابات تكميلية في العام 2016 حين تجاوز عدد النساء المنتخبات لأول مرة عدد الرجال المنتخبين في انتخاباتٍ واحدة.
وهو ما يثير تساؤلاتٍ متعلّقة بالشرعية: “مَن” يكونون موجودين في المؤسسات السياسية يؤثرون تأثيراً مباشراً على ما إذا كانوا يمثلون الجمهور رمزياً أم موضوعياً.
ينبغي التصدي للتحيز الجنسي والمضايقات اليومية التي تتعرض لها النساء في البرلمان. ويبدو أن التهديدات المروّعة على الإنترنت بالاغتصاب والموت تتم بحصانةٍ، وهو شيء لا يمكن أن يستمر، خاصةً بالنظر إلى جريمة القتل المروعة لجو كوكس. وتتطلب مرونة ممارسات العمل في البرلمان إجراء إصلاحاتٍ شاملة. فالأحزاب نفسها متحيّزة جنسياً بشكل مؤسسي: ويُظهر تقرير “الغارديان” عن وجود مكاني سكن نقابيين مقتصرين على الرجال فقط في وستمنستر حجم المشكلة. وقد تم التعامل مع التمثيل الناقص للنساء تاريخياً فقط من خلال قوائم قصيرة كلها من النساء، والتي ستظل قانونيةً حتى العام 2030.
وهناك أيضاً أسبابٌ قوية، حيث أوصى أعضاء مجلس النواب في العام الماضي، لوضع حدٍّ قانوني أدنى من عدد النساء المرشحات للبرلمان عن كلّ حزبٍ سياسي. وربما تكون هناك حاجةٌ إلى فرض غراماتٍ على المخالفين.
والآن، وبعد مرور قرنٍ على الاعتراف بأن النساء والرجال يُقدَّرون على قدم المساواة في الانتخابات؛ ما يزال علينا الاعتراف في سياسة اليوم بأن الرجال والنساء يجب أن يتمتعوا بالتقدير نفسه أيضاً.
افتتاحية – (الغارديان) 6/2/2018 والتي نُشرِت تحت عنوان: Women’s suffrage: still no real equality
ترجمة: علاء الدين أبو زينة