خطاب الكراهية في تربته الأولى
خطاب الكراهية في تربته الأولى

سلوى زكزك

يبدو أنه من الصعوبة بمكان أن نتحول بين ليلة وضحاها إلى دعاة سلام! والسلام المقصود هنا هو السلام التبادلي اليومي السائد في الخطاب العام.

عمتي كانت تميّز بيني وبين أختي بشدة لأنني سمراء وأختي بيضاء البشرة وبعيون ملونة! وتُظهر ذلك دون أدنى حرج، هي لا تكرر الكلمات المشجعة لأختي وحسب! بل توجه لي ألفاظاً تعجّ بالتمييز القاسي، كأن تقول لي: (ليش عيونك مو خضر مثل أختك؟).

وأمي التي تنزعج من عمتي كثيراً، وكلما اعترضتُ على تمييزها المعلن ضدي! تذكرني أمي بأنني النسخة المتطابقة مع عمتي! وكأنها حينها تؤكد على بذرة التمييز الموجهة ضدي على أساس لون البشرة والعينين.

حرب كراهية تستعر وتدور رحاها على مساحتي الخاصة فقط، أنا الطفلة الصغيرة التي تبحث عن الحب والحماية! فعن أي خطاب سلام يتحدثون ويطالبونني بأن أراعيه وأن أكون خير مثال عليه؟ إنه الفصام المجتمعي السلطوي، كل يستغل موقعه حتى أمي حين تستعملني دريئة لترمي على عمتي سهام كرهها لها.

ثمة افتراق شاسع ما بين صناعة السلام وبناء السلام، ففي حين تحتاج صناعة السلام لحوارات متعددة بين عدة أطراف عالية المستوى ومعاهدات واتفاقيات ينمو السلام ويُبنى بسلاسة وادعة وبخطا رؤوم تواكب يومياتنا وتفاصيل عيشنا. إذن بناء السلام هو عملية متواصلة جذرها بيئة غير معادية وأشخاص مسؤولون يطمحون لحماية الكوكب من خطاب الكراهية عبر التربية على السلام منذ الولادة.

إن أكثر ما يهدد السلام ويؤسس لتعميم خطاب الكراهية هو استمراء الجميع حتى الضحايا السلوك اليومي والمعمم الذي يفرضه الخطاب العام على الغالبية استناداً إلى أسس تمييزية يكسونها بالفكاهة أو بفائض القوة، وربما لغاية في نفسه، يقوم معمم خطاب الكراهية بتعيين نفسه ساعي بريد لإيصال تلك الخطب، وربما يتماهى مع دوره فيبالغ ويستفيض ويتخيل ويتوعد ومن ثم يقدم نفسه آمراً بأحوال البشر ومحدداً سلوكهم في نمطية عدائية المضمون سلسلة الظاهر، مخاتلة وفائقة السطوة بحيث تقع دوماً على الأضعف، أو على الأقل على فاقدي فرص الحماية في البيئة الأصلية القاعدية ألا وهي العائلة.

جارتنا طيبة القلب، حنونة ورقيقة الجسد والروح، لكنها تطلب من ابنها وبشكل دائم أن يقسم بأنه يقول الحقيقة، والحال هنا لا تحتمل أيماناً مغلظة ولا قسماً أو إثباتاً، فهي تراه بأم عينها يغسل يديه بعد تناول الطعام، لكنها تطلب منه إثبات ذلك لتنهي حديثها معه بعبارة: صدقتك، لكني أطلب ذلك كي لا تكون ليديك رائحة غير طيبة مثل عمك!

خطاب كراهية مزين بالحرص والمحبة، متعب للأم وللابن، هادر لكل خطوة تقارب يقوم فيها العم تجاه ابن أخيه اليتيم! أي حرب ضروس نخوضها على فلذات أكبادنا فقط لنواجه الآخر الذي لا نحبه، أو الذي يزعجنا ونعجز عن رده أو إيقاف إزعاجه، نحوّل أولادنا إلى صندوق بريد لرسائل متفجرة ستنفجر في وجوههم ووجوهنا قبل الجميع حتى لو كانوا أعداءنا.

ذات مساء صيفي، جلست تيماء على حافة البركة الإسمنتية في الأرض الزراعية، همست بود عذب لطير يغادر نحو عشه لينام وقالت له: بدك تنام يا حلو!! ذعر الأب من تماهي ابنته الرقيق والعذب مع الطير، بدت له مشاعر ابنته خطيرة جداً فقط لأنه استشعر جموحاً شاعرياً لفتاة مراهقة تشكل رعباً حقيقياً لأبيها ولسمعة العائلة، ضربها بشدة وهو يكرر عبارة: أنت قليلة الأدب! في المساء كررت الابنة أمام أمها وجدتها عبارة واحدة: (أنا بكره أبي).

وما الحب إلا بنيان يترسخ بقوة البنّائين المانحين للحب، المتشاركين مع الآخرين خطاب العيش اليومي. وما الكره إلا خطاب مشوب بالعدوان، مطعم بالخوف من الآخر حتى نكرانه.

أترك تعليق

مقالات
يبدو أنه من الصعوبة بمكان أن نتحول بين ليلة وضحاها إلى دعاة سلام! والسلام المقصود هنا هو السلام التبادلي اليومي السائد في الخطاب العام.المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015