خطوة صغيرة على طريق طويل القانون رقم 2 لعام 2020 (إلغاء العذر المخفف في جرائم الشرف)
مركز المواطنة المتساوية

المحامي فائق حويجة/ افتتاحية العدد الاكتروني الجديد لـ (مركز المواطنة المتساوية)- وشم العنف الممارس من الإنسان ضد الإنسان كل التاريخَ المعروف، وتعددت النظريات التي حاولت تفسيره، وتبيان أسبابه، والظروف التي تؤدي إليه، لكنها أجمعت على أن تاريخ الإنسان هو تاريخ محكوم بالعنف أقلَّه حتى هذه اللحظة­- إذ لا يوجد تاريخ معروف لم يكن العنف على هامشه أو في متنه.

أرجع البعض العنف إلى أسباب اقتصادية-اجتماعية تتعلّق بالسيطرة واستعباد الآخر وحيازة نتائج عمله. وأرجعه البعض الآخر إلى أسباب نفسية، تتعلّق بطبيعة الإنسان نفسه المتنازَع -أصلاً- بين نزعتي التدمير والبناء، الموت والحياة. وأرجعته الأديان –بصفة عامة– إلى أصل خلق الإنسان، باعتباره جبلة بين المقدَّس والمدنَّس.

شهد التاريخ أشكالاً من العنف تعاقبت أحياناً، وتجاورت أحياناً أخرى، وتلازمت في الكثير من الأحيان. فقد عرف التاريخ، العنف العرقي والعنف القومي والعنف الطبقي، كما عاصر -وما يزال- العنف الجنساني القائم على التمييز بين المرأة والرجل.

كان العنف القائم على التمييز بين المرأة والرجل، أحد أشكال العنف التي لازمت وتداخلت مع أشكال العنف التاريخية، ولم يظهر بشكل مستقل عن أشكال العنف الأخرى إلا في حالات خاصة جداً، أي أنه؛ كان عابراً ومتقاطعاً مع أشكال العنف التاريخية، سواء نظرنا إليه من وجهة نظر التاريخ أو الجغرافية.

هذا الأمر المتجلّي بتداخل العنف ضدّ المرأة مع أشكال أخرى من العنف، سمح له بأن يتمدّد ويتخفّى عبر التاريخ، وأن يتعايش داخل سياقات اجتماعية وثقافية مختلفة ومتباينة، لكنها متفقة على تكريس وتبرير هذا النوع من العنف، بحيث أصبح من طبائع الأمور، وجزءاً من العادات والتقاليد، وأصبح في أغلب الأحيان وفي الكثير من المجتمعات من الأمور المسكوت عنها، والمباحة، والمكرسة عرفاً وقانونياً.

مع تطوّر المجتمعات الحديثة، وتراكم النضالات الإنسانية و النسوية، وما رافق ذلك من انتشار الوعي النسوي والوعي الحقوقي الإنساني، أخذ الحيف المسلط على المرأة، والمتمثل بالعنف العمومي من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والقانونية، والعنف الخصوصي من النواحي الجسدية والجنسية والنفسية، أخذ بالتراجع النسبي، لصالح مشهدية جديدة لمجتمعات تنزع عن نفسها العنف الفج، وتنحو باتجاهات أكثر إنسانية وأكثر قدرة على التعامل مع المرأة كعنصر شريك وعلى قدم المساواة في بناء الحياة.

تمّ التعبير الحقوقي عن ذلك المنحى التاريخي، من خلال إقرار عددٍ من الاتفاقات الدولية المعبرة عن وضع المرأة في العالم الراهن، مثل: اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في عام 1979 (سيداو)، والإعلان العالمي للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (1993)، وصولاً إلى البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة 2000، والذي يمكّن المنتفعين نساءً ورجالاً من أحكام الاتفاقية من تقديم شكاوى عند انتهاك حق من الحقوق الواردة فيها.

باختصار، يمكننا القول، من وجهة نظر حقوقية-تاريخية، أن الاعتراف الأممي بالحقوق النسوية، أخذ منحىً صاعداً في العصر الحديث، ابتداءاً من: إقرار المساواة بين الجنسين، مروراً بمفهوم إلغاء التمييز ضد المرأة، وصولاً  لمناهضة العنف المسلط على النساء.

لم تكن سوريا بمنأى عن التطوّرات العالمية فيما يتعلّق بحقوق المرأة، فقد قامت الحكومة السورية منذ الاستقلال حتى الآن، وعلى صعد مختلفة، بسلسلة من الإجراءات –الشكلي منها والحقيقي– والتي ساهمت في تحسين وضع المرأة، مثل: (إلزامية التعليم، حق الانتخاب والترشح، اجراءات داعمة للمشاركة السياسية، رفع سن الحضانة، التوقيع على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، رغم التحفظات المعروفة … إلخ).

لكن النقاط السابقة، على إيجابيتها، لا يمكن أن تحجب وجود الكثير من المعوقات التي تقف سداً منيعاً أمام المرأة وإمكانية أخذ فرصتها كاملة، على طريق المساواة التامة في المواطنة، والتي يمكن تلخيصها كالتالي:

  •  معوقات قانونية:

1-قانون الأحوال الشخصية: الزواج – الطلاق – الولاية – الحضانة – نقل الجنسية – الميراث-التنقل.

2-قانون الجنسية: نقل الجنسية من الأم لأبنائها.

3-قانون العقوبات: الزنى – جرائم الشرف ..

  • معوقات اجتماعية واقتصادية:

1-العادات والتقاليد: الثقافة الذكورية – الحرمان من الميراث – الأمية والجهل…

2-دور الدين.

3-ضعف دور المرأة في سوق العمل.

  • معوقات سياسية: غياب الإرادة السياسية الجدية في فرض المساواة.

من وجهة نظري، لا يمكن الحديث عن القضاء على العنف ضدّ المرأة، وتحقيق المساواة في المواطنة بين الرجل والمرأة من دون إرادة سياسية حكومية جدية لتحقيق ذلك. هذه الإرادة التي يعبّر عنها بوسائل مختلفة، ابتداءً من التشريع، مروراً بخطط العمل الوطنية وتخصيص الموارد الكافية، وصولاً لوضع آليات تنفيذية لمعالجة العنف ضد المرأة.

لكن، ولأنّ الطريق طويل، فإننا نحتفي بالخطوات الجدية -حتى لو كانت صغيرة– التي تأتي في هذا السياق، ومنها، القانون رقم 2 الصادر بتاريخ  12 آذار 2020 ، والذي ألغى نصّ المادة 548 من قانون العقوبات العام في سورية، والتي كانت تمنح العذر المخفف في جريمة القتل <بدافع الشرف>، الأمر الذي يقرّبنا خطوة على الطريق الطويل المتمثّل في إلغاء كافة  النصوص التشريعية التي تكرس استخدام العنف، عبر تمييزها ضد نصف المجتمع الآخر المتمثل بالمرأة.

في هذا السياق تأتي مقالات الزميلات والزملاء في هذا العدد، لتضيء على مواطن التمييز القانونية والواقعية ضدّ المرأة وتقترح حلولاً لمعالجتها، على طريق بناء مجتمعٍ يقوم على مبدأ المواطنة المتساوية.

مركز المواطنة المتساوية

مركز المواطنة المتساوية 

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015