القاهرة/ دار الفكر- في ستينات القرن الماضي، تحدث توفيق الحكيم عن حلمه بأن تنتشر الكتب في ربوع وقرى وشوارع مصر، وكان ذلك في حديث صحافي للكاتب الصحافي منير عامر في مجلة «صباح الخير». كان يتمنى أن يأتي اليوم الذي يرى فيه «جموعاً من الحمير النظيفة المطهمة، وهي تجر عربات الكارو الخشبية الصغيرة، تجوب الشوارع، وتتخذ مواقعها عند نواصي ميادين المحروسة، وباحات المدارس والجامعات، وهي محملة بالكتب الرائعة والميسورة، شأنها في ذلك شأن عربات الخضراوات والفاكهة».
واليوم حققت دراجة الكتب «books bike» هذا الحلم بمبادرة من الشابة المصرية هدير منصور وزميلها محمد بدر اللذين يجوبان بدراجة تجرها عربة خشبية صغيرة محملة بالكتب، شوارع وأحياء القاهرة وضواحيها.
أمام مدرسة أو أمام مركز تسوق كبير أو مجمع سكني فخم، ستجد هدير أو محمد إلى جوار العربة التي تزخر بأنواع مختلفة من الكتب فمن الروايات ستجد كتابات الكبار إلى جانب روايات الشباب، ليس العربية فقط بل الإنجليزية أيضا، فيمكن على سبيل المثال أن تعثر على كتب للمؤرخ والرحالة الإنجليزي ستانلي لين بول إلى جانب كتب عبد الوهاب المسيري.
استندت هدير منصور إلى خبرتها في مجال بيع وتسويق الكتب من خلال عملها السابق في مكتبة إحدى دور النشر، وبعد أن حولت غرفة كاملة في مسكنها لمخزن تضع فيه بضاعتها من الكتب، وبدأت مع زميلها محمد في تصميم العربة التي تحملها الدراجة. تقول: «حرصنا على أن يكون مظهرها جذابا وأن يكون هناك مكان مخصص لعرض الكتب بطريقة يمكن للأطفال أن يقوموا بتصفحها واختيار الأفضل بالنسبة لهم».
وتعتبر منصور أسعد اللحظات التي تمدها بالأمل والسعادة «لحظة إقبال الأطفال على العربة وهم يدفعون والدهم أو والدتهم لتفحص العربة وانتقاء الكتب، عندها أشعر بقيمة المشروع وأهميته». وتشير إلى أن الإقبال جيد من جميع الفئات العمرية إلا أن النسبة الأكبر منها هم من الشباب».
أي الأنواع الأدبية تشهد إقبالا أكبر؟ تجيب هدير منصور: «الروايات تأتي في الدرجة الأولى، تليها كتب التنمية البشرية بالنسبة للشباب. أما كتب التاريخ فتقبل عليها الفئات العمرية الأكبر سنا».
وتساند دور النشر الخاصة منصور وبدر في مشروعهما وتمدهما بالكتب دون أي اهتمام من الدولة بدعم المشروع الهادف.ويحظى حساب «بوكس بايك» عبر «فيسبوك» بإعجاب ومتابعة أكثر من 8 آلاف شخص. وكلمات الإطراء التي يتلقاها مؤسسا المشروع من جمهور القراء تدفعهما للاستمرار رغم وجود بعض العوائق والتحديات مثل التنقل في شوارع القاهرة بكمية كبيرة من الكتب، التي يتراوح عددها عادة ما بين 400 إلى 500 كتاب وقصة، وأيضا عدم الحصول على التصريح الأمني اللازم خاصة أن فكرة المشروع مبتكرة.
وتعلن «بوكس بايك» أماكن وجودها كل يوم على صفحة المشروع الخاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ كي يتمكن متابعوها من الوصول إليها والاستزادة بالكتب التي يرغبون فيها، ولا تقوم مهمة «بوكس بايك» في التنقل عبر شوارع القاهرة بل تقوم الفكرة أيضا على إيصال الكتب للمنازل عن طريق خدمة التوصيل، حيث يمكن الاتصال بالهاتف أو إرسال رسالة نصية عبر تطبيق «واتساب» لكي تطلب الكتب التي تريدها وتصلك إلى منزلك.
وقد بدأت مصر تشهد عدداً من المشروعات الثقافية المستقلة ومبادرات ثقافية متنوعة في أعقاب ثورة يناير 2011، حين تراجعت سيطرة الدولة على المشهد الثقافي واحتكارها له. وتكمن أهمية مشروع «بوكس بايك» في أنها تشجع المارة أو رواد مراكز التسوق على شراء الكتب والقراءة في ظل تراجع معدلات القراءة في مصر.
وقد حظيت هدير منصور بدعم نسوي واسع النطاق من قبل المنظمات النسوية في مصر وأيضا أشادت بها مايا مرسي، رئيسة المجلس القومي للمرأة في مصر، باعتبارها نموذجا للمرأة المصرية التي تدخل معترك العمل العام بجرأة.
وجود العربة في أماكن نائية وضواحي القاهرة أسهم في توفير الكتب في أحياء تبعد عنها أقرب مكتبة آلاف الكيلومترات. تقول رنا سعيد، التي اعتادت شراء الكتب من «بوكس بايك»: «أرى أن فكرة دراجة الكتب فكرة رائعة وخلاقة، خاصة لمن يقطن في حي الرحاب أو في ضاحية التجمع الخامس فالمكتبات بعيدة جدا، وقد وجدت أن طفلي لفتت انتباهه الدراجة والكتب عليها، فقررت أن أشجعه على القراءة ومكافأته بكتاب كلما أحسن السلوك أو أنجز فروضه المدرسية».
وترغب هدير منصور ومحمد بدر في أن يتوسعا في مشروعهما الثقافي وأن يتمكنا من اقتناء دراجات كثيرة تنتشر في أحياء القاهرة والجيزة والمحافظات كافة.