دردشة عن النساء السوريّات اللاتي خلعن الحجاب في بلدان اللجوء
مناقشات عن النساء اللاتي خلعن الحجاب!

عمار عكاش/ayyamsyria- عشر سنوات صعبة من حرب وتشرد ولجوء مرت على السوريين، وبدون شك ثمة بنى اجتماعية انهارت وتنهار، من المبكر الحكم على ما يولد إن كان يبشر بالخير، فالفترات الانتقالية في تاريخ الشعوب تكون مخاتلة مخادعة تحمل اتجاهات متناقضة وتوحي بآمال وبإحباطات. كما أن مناقشة حدوث تغيرات في البنى الاجتماعية للسوريين تتطلب أن نضع في أذهاننا أنهم كانوا أساساً يعيشون في مجتمعات محلية توجد بينها اختلافات ويجمعها هيمنة طابع محافظ يختلف في هوامشه وما يسمح به من تنوع، وقد زادت اختلافات السوريين حسب بلدان اللجوء التي انتقلوا إليها وتجاربهم فيها وتفاعلهم معها، لكن الجامع الأكبر هو التغيرات الكبيرة التي تبدو أوضح في أوساط السوريين الذين التجأوا إلى أوربا وبدرجة أقل فيمن التجأوا إلى تركيا، وهنالك نقاشات دائرة لا تتوقف على المستوى الشعبي والسياسي والأكاديمي حول التغييرات في عادات السوريين وسلوكياتهم في كل مجتمع من مجتمعات اللجوء.

ومن اللافت للنظر أن النقاش يصبح أكثر حدّة حين يتعلّق الأمر بموضوع بالنساء، فقد طرأت تغييرات نسبية مهمة على ظروف النساء في أوربا، كانت أرضيتها وجودهن في بلدان تؤمن لهن الحماية القانونية، الأمر الذي أدى إلى فتح مساحات جديدة في وعيهن، فالإنسان المقهور يتعلم أحياناً أن يفصّل أحلامه بمقدار ما هو متاح، وكما أن الأمل يمد الإنسان بطاقة الحياة فإن الأمل الذي لا يمكن أن يتحقق قد يصبح مصدر خيبة وتعب لذلك ربما يفسر هذا الأمر تغير توجهات وسلوكيات بعض النساء في بلدان اللجوء.

بدأت بعض السوريّات تشعرن بأن العلاقة مع الرجل لا يجب أن تكون حكماً بالسجن المؤبد في حال عدم الرضا عن مجمل العلاقة الزوجية، وعدم القدرة على تغيير قواعدها وأدوارها، ودليل هذا التفكير الجديد والتغير الحاصل هو ردود فعل بعض الرجال التي جاءت قاسية سواء بتعنيف أو قتل الزوجات، فهي مؤشر مقاومة العقل الذكوري التقليدي لهذه التغيرات، ولا أريد أن أدخل في نقاش أحمق يحصر الموضوع في نطاق هل النساء جيّدات أم سيّئات من أجل إيجاد مبررات للذكور كما يفعل كثيرون، فمن حقّ أي إنسان أن ينهي علاقته الزوجية، والنقاش هنا ليس عمّن هو المسكين المظلوم في العلاقة، ومن السخف أصلاً البحث عن مبرّرات لشخص لا يجد وسيلةً لحلّ مشاكله إلا بالعنف والقتل حتى لو كان محقاً!.

استرعى انتباهي في أكثر من مناسبة مناقشات الذكور والنساء السوريّات عن النساء اللاتي خلعن الحجاب. يميل موقف المحافظين منهم إلى الرفض والانتقاد، وعدم احترام خيارات النساء الشخصية، وأعتقد أن وجود نساء سوريات خلعن الحجاب في تركيا و أوربا يشير إلى أن ارتداء الحجاب ينجم عن مزيج قناعتين دينية واجتماعية: القناعة الاجتماعية تعني بالنسبة لي اتقاء شر المجتمع، والحصول على القبول في عدة اتجاهات، وهناك نساء سوريات مقيمات في أوربا لم تخلعن الحجاب رغم أنهن غير مقتنعات به دينياً لأنهنّ لا ترغبن في تغيير علاقاتهنّ وخسارة أشخاص مقربين منهن، أو كما قالت لي إحداهن: “لا أريد الدخول في حرب لا أراها أولوية لي حالياً”، يبدو لي وكأن هناك جملة صراعات داخلية نفسية وحسابات ربح وخسارة ومعارك محتملة تؤثر في قرارات النساء في ارتداء أو خلع الحجاب، أول معركة تخوضها المرأة مع عائلتها، ثم مع محيطها الأكبر، وفي حالات كثيرة قد تضطر المرأة إلى تغيير عدد كبير من أصدقائها لمجرد أنها خلعت الحجاب، وهذا عبء نفسي دون شك، وهنالك حالات لنساء تقليديات التفكير تخلعن الحجاب أو تبقينه حسب مزاج الحبيب والشريك.

دون شك هناك نسبة نساء غيرّن أفكارهن تجاه الحجاب نتيجة تغير المحيط الاجتماعي، وتأثرهن به، ولا يعني ذلك أنهن مسلوبات القرار، فالإنسان لا يعيش معلقاً في الفراغ ولا يتبنى قناعاته مرة واحدة وإلى الأبد، وفي موضوع الحجاب تحديداً، تحسب النساء حساباً للمحيط الاجتماعي، والعائلة، ومكان السكن، وفي كثير من مناطق سوريا لم يكن مريحاً للمرأة أن تخرج دون حجاب، وفي النسبة الأكبر من مناطق سوريا كان ارتداء ملابس قصيرة أو كاشفة للجسد أمراً أصعباً، ببساطة بسبب وجود ثقافة محافظة تقليدية لا تحترم النساء التي لا تنصعن لقواعدها.

أما الرأي القائل بأن الحجاب رمزيّة ثقافيّة للمسلمين، فلن أخوض في صحته من عدمها لكنني أجد أنه من الغريب أن تُختصر رمزية دينية ثقافية في الحجاب وفي لباس ذي طابع جندري يخص النساء فقط!.

وللأسف كان عدد غير قليل من الناشطين المدنيين في الثورة يسجلون استنكارهم لخلع زميلاتهن الحجاب، ويسهبون في تحليل الأسباب: من التشبه بالغرب، إلى تغيير القناعات الدينية وما إلى ذلك من تحليلات، ولو كانوا يملكون شيئاً من المصداقية في طروحاتهم عن المجتمع المدني والدولة المدنية لما قادتهم عقولهم لمناقشة الموضوع بهذه الطريقة.

الأولى بنا بدلاً من أن نذهب إلى ربط ارتداء الحجاب بالتشبه بالغرب، أن نسأل أنفسنا لماذا لا تستطيع النساء خلع الحجاب في سوريا إن رغبن في ذلك، هذا هو الأساس، فلو كنا أبناء ثقافة تحترم الاختلاف في العقيدة والقناعة لما اضطررنا لطرح هذا السؤال، نحن أبناء مجتمعات تريد الاستيلاء على أجسادنا وتدجين تعبيراتها، مجتمعات ذكورية تشكل جسد المرأة كماء تشاء، يوم أمس صادفت في حيي في اسطنبول طفلة سورية على معرفة بها سابقاً – تقوم بالشحاذة – وتبلغ من العمر ١٢ عاماً وبدأت تحكي لي عن شجارها مع امرأة تركية وعلقت قائلة: “لابسة قصير ولسه عم تحكي”، حينها قلت لنفسي: أليست هذه قناعة دينية ممزوجة مع العادات والتقاليد يلقنها عدد غير قليل من السوريين لأولادهن؟ أليست هذه فاشية ورفض للمختلف، كيف يمكن محاكمة الإنسان حسب طول وقصر لباسه؟.

حين يفلت الجسد من قبضة القمع المجتمعي، يتاح للإنسان تفجير الكثير من طاقاته، وبمراقبة المشهد السوري لكم تبدو كليشهة شارل فورييه معبرة وحية: ” يحدث التغير الاجتماعي والتغير في فترة تاريخية بشكل يتناسب مع تقدم المرأة نحو حريتها، ويحدث الانحدار الاجتماعي نتيجة تقلّص حريتها”، ولكم أتمنى أن تتحرر المرأة ونتحرر معها، ومن يقولون التحرر مو بالشرب واللبس، يظنون أنهم يذكرون عبارة بليغة مفحمة، شخصياً أعتقد أن مجتمعاً لا يتقبل خيارات البشر في الثياب والشرب ليس مجتمعاً حراً، ودون ذلك سنحصل في أحسن الحالات على صناديق انتخابية فقط.

مناقشات عن النساء اللاتي خلعن الحجاب!

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015