أمير عبد عباس/ الحوار المتمدّن- يتهم الكثيرون دُعاة حريّة المرأة على أنهم (دُعاةٌ لتعريَتها) لانهم يَسعَون لحريّة الملبس، وهذا التصوّر مغلوطٌ من أساسه وغير مبنيّ على قاعدةٍ صلبة أو شواهد ملموسة. إنّ جسد المرأة ليس ملكاً لأحد؛ بل هو ملكٌ لها وحدها وهي حرّةٌ أن تُعَريَه أو تستره. فالمحافظين عليها ليسوا بصفتهم شرطةً موكَلين من جهةٍ عليا مهمتهم أن يحافظوا عليها،فهي المسؤولة (وحدها وحدها) عن جسدها،كما الرجل من حقّه أن يلبس مايشاء من دون شروطٍ اجتماعية أو أخلاقية، فكذلك المرأة أيضاً.
وبهذا الصدد أقول لماذا من حقّ الرجل مثلاً يلبس مايشاء؟ مثل ارتداءه (البنطال)، وليس من حقّ المرأة ارتداءه، باعتبار أنّ ارتداء المرأة (للبنطال) -كما يدّعون- هو مُحرَّمٌ لما فيه من التبرّج بالزينة، ولأنه لايستر عَورَتها، بل يُظهِر مفاتنها ويفصّل أعضائها تفصيلاً دقيقاً، وعلاوةً على ذلك فهو مشابهٌ للبس الكافرات وأهل الفسوق والمجون. وبالتالي أصبح هنالك فرقٌ بين الرجل والمرأة في لبسهما؛ فالرجل مباحٌ له باعتباره لايملك مفاتن كمفاتن المرأة كما يَزعمون، وكأنّ المرأة جاءت من عالمٍ آخر، فهي لاتتأثّر أو تُثار مشاعرها في حال إبراز الرجل لمفاتنه.
العجيب بالأمر دائماً ما يربطون شرف المرأة بمَلبَسها، وهذه مفارقةٌ مضحكة، فهم لو دقّقوا جيداً في هذه المسألة تحديداً (االلباس) لأصابهم العجب العُجاب، لأن ( اللباس) له جذوره التاريخية ومحكومٌ بالظروف البيئية والإقتصادية.
على سبيل الفرض نرجع لمثالنا السابق (البنطال) هل يعلمون بأنّ ابتكاره يعود لأسبابٍ إقتصادية، فهو قد تطوّر في ظروف العمل والإنتاج، فقد التزم العبيد بلبس البنطال حتى يتمكّنوا من العمل والالتفاف والدوران بسرعة، والمُفاجئ أنّ النبلاء بسبب ابتعادهم عن ساحة العمل والإنتاج، اتخذوا الجلباب رمزاً ارستقراطياً حتى يميّزوا أنفسهم عن هؤلاء العبيد.
وكان قبل ذلك، يُعتبَر البنطال في المواقع البارزة ضرورةً من أجل حماية الإنسان من البرد القارص، فكان الرجال والنساء يعمَدون إلى لفّ جلد الحيوان بين الساقين، حتى تتوفّر الحرارة اللازمة لحماية الجسم من البرد.
أما فيما يخصّ لبس الجلباب أو الدشداشة؛ فالملاحظ بأنّ الرجال والنساء يرتدونها في المواقع الحارّة، ولايعتبرون ذلك تشبّهاً بالنساء، ولا يُعتبَر عيباً أخلاقياً. والسبب كما ذكرت هو بيئي، لأن الجلباب والدشداشة تعملان على تهوية الساقين أثناء الحر.
نلاحظ أيضاً أنّ الحجاب يُرتدى من قبل الرجل والمرأة في شبه الجزيرة العربية بسبب الطقس الحار، فلِمَ يخصّص للمرأة فقط؛ بل الرجل أيضاً يجب عليه أن يتحجّب لتفادي حرارة الشمس الهائلة.
نستنتج من هذا الاستعراض التاريخي بأن نشأة ارتداء الملابس لم تتعلّق بالمنظومة القيمية والأخلاقية، وإنما كان بسبب عوامل الحرّ والبرد في المواقع الباردة والمناطق القريبة من خط الاستواء؛ إذاً السبب (بيئي) وكذلك اقتصادي كما ذكرت. واللباس لايتعلّق بالأخلاق، فالأخلاق تختلف مابين الشعوب.
فلماذا إذاً هذا الإصرار بأن المُطالبة بحريّة المرأة يُفَسَّر (بالتعرّي)؟
إنّ دُعاة حريّة المرأة لايدعون إلى( التعرّي) و (الانحلال) كما يتهمهم الكثيرون، فالمسألة هي مسألةٌ شخصية وتبقى متروكةً للفرد فهو المسؤول الأول والأخير.
إنّ دُعاة حريّة المرأة لايركّزون على القشور بل يركّزون على الجوهر، فيما أغلب المُحافِظين يركّزون على القشور؛ فهم يُعطون الأهمية للحجاب واللبس الفضفاض وستر الشعر والوجه، ويُهملون القيم المسؤولة عن هدم شخصية المرأة؛ منها الكُره والبُغض والحقد والنميمة والجشع والتعصّب والتزمّت والاعتداء على مشاعر الآخرين وعدم تقبّلهم. ويبتعدون عن زرع القيم البنّاءة لشخصيتها مثل المحبة والثقة والإخلاص والتفاني والطيبة والرفق ومحبة الإنسانية أجمع، وهذه القيم البنّاءة كلها تمثّل جوهر الإنسان والتي يسعى دعاة حريّة المرأة لتقويتها لصالح المرأة.
دُعاة حريّة المرأة يَسعَون من أجل بناء امرأةٍ غير مُشوَّهة أو مريضة نفسياً وعقلياً، امرأةٌ تكون مسؤولةً وفاعلةً في كلّ الأحداث والمشاكل المُؤثّرة في محيطها، وليست امرأةً يكون شُغلها الشاغل الاهتمام بغرائز وشهوانية زوجها المُدَلَّل والطبخ والنفخ وسفاسف الأمور، امرأةٌ شجاعة أبيّه كريمة ذات شخصيةٍ متّزنة، امرأةٌ تتحمّل كلّ الصعاب وتكون مشاركةً للرجل في جميع المجالات، امرأةٌ يكون جسدها مقدّسٌ وليس سلعةً تُباع وتُشترى، امرأةٌ تكون فاعلةً في هذا العالم الصاخب وليس مفعولاً فيها وبها وعليها.
إذاً هل دُعاة حريّة المرأة بالفعل دُعاةٌ للتعرية والفُسق والمجون حسب مايُعبّرون.؟
أرجوا من اللذين يتمسّكون بهذه التهمة أن يُزيلوا اسفين الجهل والتعصّب قبل أن يجيبوا على هذا السؤال.