عمار عكاش/ ayyamsyria- في العقدين الأخيرين، ونتيجة تطوّر الحركة النسوية وعولمتها، ونتيجة الحركية الاجتماعية المتسارعة في مجتمعات المنطقة، وتزايد حضور النساء في الفضاء العمومي، بات مفهوم حماية المرأة من أكثر المفاهيم إثارةً للنقاش والجدل.
يتضمن مفهوم حماية المرأة في المجتمعات البطرياركية التقليدية؛ كالمجتمع السوري، مستويين من العمل:
تطوير آليات الحماية القانونية؛ مثل تأمين ملاجئ لحماية النساء المعنَّفات وأطفالهنّ، وتأمين مورد رزق بديل عن بيت الزوجية، وسنّ قوانين مشدّدة تحمي المعنَّفات، وتطوير آليات الإبلاغ عن الحالات إلخ..
المستوى الآخر هو تطوير الوعي المجتمعي.
ويتساوق المستويان الأول والثاني ويتقاطعان، يتقدّم ويتأخّر أحدهما عن الآخر حسب وضع كل بلد، وحسب ظرفه، ولا أريد أن أدخل الآن في جدلٍ حول أيهما أسبق تطوير القانون أم الوعي المجتمعي، فهذا أشبه بسؤال الدجاجة والبيضة، ولكن يمكن بإيجاز أن أقول إن التجربة التاريخية لبلدانٍ شتّى أثبتت أن كلاهما يغذّي الآخر، فوجود حماية قانونية، يشجّع النساء على الإبلاغ عن الحالات، ويشجّع أيضاً الرجال والنساء الراغبين في التغيير على التعاضد لحماية النساء، كما أن تطوّر الوعي المجتمعي يساعد بدوره على نجاعة تنفيذ القوانين وسهولة سنّ وتطبيق قوانين جديدة في هذا المجال. ما يهمّ هنا أن يتم العمل على المستويين، ومسار التجربة سيُظهر ما هو مطلوب لاحقاً، فلا خرائط تفصيلية جاهزة إنما مجموعة مؤشّرات عامة.
على مستوى الذهنية الاجتماعية في المجتمع السوري؛ هنالك مفهوم شائع للحماية في عقلية الذكور وحتى النساء، يتشرّبه حتى بعض الذكور الذين يرفضون ممارسة العنف الجسدي تجاه زوجاتهم وشريكاتهم، يقوم هذا المفهوم على أنّ الرجل هو الطرف الحامي في العلاقة الزوجيّة، هو الملجأ وهو السند. ويُبنَى جزءٌ من ذكورة الرجل في المجتمعات الأبوية على أساس هذا المفهوم: مفهوم الذكر الحامي، بل ويشعر الرجل بجزء من كينونته من خلاله، يبنيها من خلال علاقته بإناث أسرته أولاً ثم زوجته أو شريكته لاحقاً، لذلك نراه أحياناً يتلعثم أمام المرأة القوية الواثقة ويشعر وكأنه غير قادر على التأثير فيها عاطفياً، فهو يُعَدُّ منذ الطفولة كي يؤدي هذا الدور المستقبلي، ولدى رغبته الدخول في العلاقات العاطفية، تكون إحدى أهم أوراقه الرابحة بأن يقدّم نفسه كشخص قادر على حماية المرأة وحلّ مشاكلها ضمن مفهوم تقليدي يتطلّب إقراراً ولو غير معلن من الأنثى بأنه الطرف القوي الحامي.
ولكن السؤال: الحماية ممّن؟
من مجتمع قاسٍ يصعب فيه على المرأة أن تكمل طريقها وحدها كعازبة، ومن باقي الذكور الذين يراهم الذكر في قرارة نفسه كائناتٍ خطرة تتحيّن الفرصة لاستغلال النساء وتجييرهن لإشباع رغباتهم الجنسية، فهو يعتبر نفسه أدرى بهم انطلاقاً من نفسه أو انطلاقاً من أصدقائه أو مدرسته، أو من تجربته الاجتماعية!.
ويستمد مفهوم الحماية شرعيته ووجوده من اعتقادٍ شائع بأن عمل المرأة ونجاحها لا يعني أنها أصبحت مستقلة لسببين:
أولاً : عقليّة نمطيّة ترى بأن المرأة حين تكون وحيدة ستكون عرضةً لكافة أنواع الإساءات وأولها التحرّش الجنسي، وتصبح عرضة للتنمّر وتطاول الناس، مثلاً حين ينشب خلاف بين الجيران في البناء السكني حول موضوع ما، يميل الكثيرون إلى التطاول على المرأة العازبة، إضافةً إلى النظرة المشتركة لدى الذكور والإناث على انها مصدر لليبيدو (طاقة جنسية) مُهدِّد غير منضبط وغير مُروّض من خلال الزواج، مما يزيد العدائّية تجاهها وخاصةً من قبل الإناث التقليديات اللاتي بدلاً من توجيه لومهنّ لأزواجهنّ الذين ربما يفكّرون بإقامة علاقة جنسية مع هذه المرأة، تلمن المرأة التي لم تتزوج.
السبب الثاني: إن تزايد تعليم المرأة، عكس تغييراً وتحسّناً فيما هو متاح للنساء من خيارات وفرص على مستوى المجتمع السوري، لكنه لم يقلب مفهوم الدور الاجتماعي للذكر والمرأة بل غيّر نوعاً ما من الوظائف المناطة بالدور ذاته، فكثير من الآباء والأمهات يشعرون أن تعليم بناتهم سيحسّن فرصهنّ في الزواج من رجل جيد، وربما حسن المعاملة. وفي كثيرٍ من الأرياف يكون التعليم وسيلةً للتخلّص –لدى الذكور والإناث- من العمل في الأرض (وهو عمل مجهد ومتعب كما أنه لم يعد مجدياً اقتصادياً بالضرورة)، ولدى العديد من أبناء الفئات الأرستقراطية يكون وسيلة أبّهة اجتماعية في حالة الإناث. كما أنّ الكثير من الناس يعتقدون أن المرأة في حال ترمّلت أو تطلّقت سيكون لديها ما يحميها مادياً؛ وهو أمر صحيح من الناحية العملية.
بعبارة أخرى: في نهاية المطاف؛ المرأة حين تتعلّم، تتحسّن فرصها في الحصول على رجلٍ حامٍ حسن السلوك، رجلٍ يحميها من باقي الرجال!. وهذه النقطة الأخيرة تمثّل إحدى أكبر تناقضات وأشكال نفاق المجتمع الأبوي، تُوكل السلطات الأساسية للرجال، ويُصوَّر للمرأة أن المجتمع مليء بوحوش ذكوريّة مفترسة، وتتعرّف خارج جدران المنزل على بعض هذه الكائنات المفترَسة من خلال حالات التحرّش التي تتعرّض لها، ثم يأتي من يحميها من هذه السلطة المفترسة: رجلٌ يحمي المرأة من باقي الرجال!.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.