سنوات من الغناء من أجل المرأة..فهل من تغيّر؟
الغناء من أجل المرأة

ألمى حسون/BBC عربي- ترتبك رنا داود وهي تستخدم عبارة “أغنية نسوية”، وتقول إنها “تقيلة شوي”. فهذه العبارة ليست شائعة الاستخدام، وليس هناك اتفاق على ما يمكن أن يصبغ أغنية ما بصفة نسوية: هل الكلمات هي المهمة؟ هل هي الرسائل التي تحاول إيصالها؟ أم هل هو المغنّي نفسه وأسلوب حياته؟

رنا مُعِدَّة برامج بودكاست في منصّة “صوت”، وهي في الـ26 من عمرها، تقول إنه ليس من الضروري بالأساس أن نُقحِم صفات مثل النسوية أو غيرها على الفن، وأحياناً حتى صاحب العمل لا يفكّر هكذا. وغالباً ما يكون مجرّد اتخاذ المرأة من الفن مهنة لها، ونجاحها في صنع اسمها، هو فعل نسوي وأكبر تحدٍّ للمجتمع الذكوري، كما تقول.

وتعطي مثالاً عن السيدة فيروز. فأثناء إعداد إحدى حلقات برنامجها، تعرّفت رنا أكثر على تفاصيل من حياة فيروز في فترة الثمانينيات: “اختلفت فيروز مع زوجها (وأخيه) وحاولت أن تُقاوم وتُثبت أنّ الرحابنة لهم فضل عليها لكنهم لا يملكونها. كانت لا تتحدّث كثيراً إلى الإعلام، ولكن من مقابلاتها القليلة يمكن أن تشعري بوضوح بذاك التحدّي والثقة والذكاء في ردودها”.

“آخر همّهم النسويّة”

في منتصف التسعينيات، كان المغنية المصرية سيمون تعتبر ظاهرة – فأسلوبها كان مختلفاً عن باقي فناني وفنانات تلك الفترة. ظهرت في إحدى أغانيها المصوّرة وهي تعصب رأسها بوشاح أرجواني، وتستعرض قوتها وذكاءها، وجمالها أيضاً، وتتحدّى الرجال ذوي العضلات، وترقص بالعصا في تجمّع بمناسبة “المولد”. كانت تضع شروطها لشكل علاقة الحب التي تريدها، وتغني: “مش نظرة وابتسامة، مش كلمة والسلامة، دي حاجات كثيرة ياما لو ناوي تحبني”.

وفي السنوات الماضية، وبالتزامن مع ازدياد الحديث عن حقوق المرأة، أُنتِجَت عدّة أغانٍ تطرح بشكل مباشر مواضيع تدور حول أنواع مختلفة من الظلم الذي تتعرّض له المرأة. وأنتجت شركات فنية مثل هذه الأغاني لمغنيّات يتمتّعن بشعبية كبيرة، وكلما صدرت مثل هكذا أغنية اعتبرت “مفاجأة” للجمهور.

آخر تلك الأغاني كانت أغنية “قادرة” وهي شارة مسلسل مصري يُعرض حالياً، بصوت آمال ماهر. قبلها، غنّت إليسا “يا مرايتي” للتوعية بخطر العنف المنزلي. أصالة أيضاً قدّمت مجموعة أغانٍ عن الانفصال، وكارول سماحة وسميرة سعيد غنّتا أيضاً عن المرأة المطلّقة – كلُّ واحدةٍ بطريقتها.

المثير للانتباه أنّ كل الشعراء الغنائيين الذين كتبوا هذه الأغاني هم رجال.

مرّةً أخرى، يبدو أنّ الكلمات وحدها لا تكفي لكي نقول أنّ أغنيةً ما تحمل هوىً نسوياً، حتى وإن كانت المواضيع من صميم قضايا النضال النسوي.

إذ ترى عبير غطّاس، وهي نسويّة أسّست راديو “حمّام” النسوي من برلين، أنّ إنتاج مثل هذه الأغاني جاء غالباً من باب مجاراة “ترند (موضة)”، وليس من باب الالتزام بقضايا تتحدّى الفكر الأبوي الوصيّ على المرأة. تقول إنه لا بأس من إنتاجها، ولكن “شركات الإنتاج الموسيقي الكبيرة آخر همها النسوية”.

كما تنتقد عبير فكرة الغناء عن مواضيع تتعلّق بالمرأة فقط عندما تمرّ المغنية بمشاكل شخصية، “هناك فنانات هنّ ضحايا النظام الأبوي.. قد تحاول فنانة أن تجد حلاً أو جواباً في بعض الأغاني لما تمرّ به.. لكني أعتبر أنّه من الأنانية اللجوء إلى أفكار نسوية عندما تحتاجه الفنانة بسبب مشاكل شخصية تمرّ بها، وتريد تقوية نفسها، فهي كانت تمتلك إمكانياتٍ في السابق (ولم تُطرح مثل هذه الأفكار)”.

ولكن يبدو أنّ هذه الأغاني التي تُعرف بالـ(Mainstream) غالباً ما تنجح في مخاطبة مجموعات مختلفة من الناس، يحملون آراء متنوّعة، والذين قد يتفاعلون معها بسبب مرورهم بتجارب شخصية مماثلة لما تقدّمه الفنانة؛ فأرقام المشاهدة على موقع يوتيوب لهذه الأغاني تتراوح ما بين المليون و25 مليون مشاهدة – أو أكثر.

تقول رنا إنّها هي أيضاً لا تفكّر فقط بكلمات الأغنية، بل “تستهلك الحالة التي يمثّلها الفنان صاحب العمل”. ولتوضّح فكرتها، تذكر مثالاً عن “الحالة” التي خلقتها المغنية المصرية روبي.

شغلت روبي الناس فور ظهورها عام 2003 في أغنية “إنت عارف ليه”؛ انزعج كثيرون منها لأنها كانت ترتدي بدلة رقص في الفيديو المصوَّر، وهي تتمشّى وترقص وسط شوارع مدينة براغ، وكانت في الـ21 من عمرها.

تقول رنا: “كانت روبي ترقص.. بسيطة.. وحلوة وعايشة حياتها متل ما حابّة. كما أنّها كسرت الصورة النمطية لمعايير الجمال التي سادت في تلك الفترة، فهي سمراء.. كما بقيت على طبيعتها رغم انتشار عمليات التجميل في ذاك الوقت”.

طبعاً لم يكن هذا رأي الغالبية بـ روبي، التي تعرّضت لإساءاتٍ كثيرة بسبب ذوقها في اختيار الثياب والرقص وطريقة تصوير أغانيها.

موسيقى بديلة

تفضّل عبير الأغاني التي يمكن أن تسمّى البديلة أو (الأندرغراوند Underground)، أي التي يكتبها ويلحّنها ويغنّيها شباب وشابات غير مشهورين، ولا يمتلكون القدرة على الوصول إلى شركات الإنتاج الكبرى.

“المشكلة أنّ هذه الأغاني يقتصر تداولها على الأصدقاء الذين يؤمنون بنفس الأفكار، لذا يبقى حجم الجمهور الذي وصلته هذه الأغاني محدوداً”، كما تقول عبير. وتذكر عددا من هؤلاء المغنيين الذين تتفاوت شهرتهم، ومنهم دينا الوديدي، ويسرا الهواري، وتريز سليمان، وعزيزة ابراهيم، وفرقة أيلول، وآخرين.

وقبل حوالي خمس سنوات، تأسّست فرقة “بنت المصاروة” التي تعرّف عن نفسها بأنها “فرقة نسوية”، لكن آخر ما نُشِر على صفحتهم على فيسبوك كانت مناشدة محبي الفرقة للتبرّع ودعم الفرقة مالياً لتمويل ثاني ألبوم لهم – وكان ذلك عام 2017. كانت مغنّيات الفرقة يطرحن أفكاراً نسوية بطريقة مباشرة لمواجهة أفكار منتشرة في المجتمع، مثل تقييد حقّ الفتيات في اختيار ما يردنه في حياتهنّ اليومية، وتحكّم رجال العائلة بهنّ، وما إلى ذلك.

حاولتُ التواصل مع المغنّيات، لكن يبدو أن الصفحة لم تعد مُستَخدَمة، أو أنّ الفرقة أوقفت نشاطها.

تحبّ رنا داود أن ترى مغنّيات الموسيقى البديلة يجرّبن أنماطاً موسيقية غير معتادة عربياً مثل الراب، وأن يطرحن أفكاراً جديدة بلغة مختلفة “دون رقابة”. كما تحبّ أن ترى أيضاً المغنيات المشهورات يُبادرن بطرح أفكارٍ لأغانيهنّ، وأن يكتبن هنّ “الكلمات بسيطة غالباً.. شو ناقصون ليكتبوا هنن؟” وأن تتعامل المغنّيات مع شاعرات، وأيضاً أن تتعاون أكثر من مغنّية في كتابة أغاني مشتركة وغنائها معاً.

لكنها تكرر وهي تضحك: “ما قصدي حمّل الأغاني بُعد أعمق مما هو عليه.. كل حدا يفكّر بالموضوع حسب قناعاته.. أحياناً المهم بس نسمع الأغاني لنرتاح ونرقص ونغنّي من قلبنا”.

الغناء من أجل المرأة

الغناء من أجل المرأة 

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015