هيومن رايتس ووتش- قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم، بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة الإتجار بالأشخاص، إن تعامل الحكومة اللبنانية مع الاتجار الجنسي يتسم بالضعف وغياب التنسيق، ويعرّض النساء والفتيات للخطر. على الحكومة إنفاذ قانون مكافحة الإتجار بفعالية، وتذليل العقبات التي تعرقل التبليغ عنه، وتحسين التنسيق بين الشرطة، وتوفير الدعم للناجيات من الإتجار بالأشخاص.
يبدو أن النساء السوريات معرضات أكثر من غيرهن لخطر الإتجار في الدعارة القسرية والاستغلال الجنسي في لبنان. توصلت سلسلة من المداهمات في 2015 و2016 إلى اكتشاف عشرات النساء السوريات محتجزات قسرا ويتعرضن للاستغلال. في مارس/آذار، في إحدى الحالات الحديثة، حرر عناصر الأمن زهاء 75 امرأة سورية من محلّي الدعارة “شي موريس” و”سيلفر-بي”. أوقفت السلطات أكثر من 12 شخصا ووجهت لهم تهم الاتجار الجنسي في تلك القضية.
قالت سكاي ويلر، باحثة حقوق المرأة في هيومن رايتس ووتش: “الإتجار بالأشخاص لأغراض الدعارة القسرية جريمة خطيرة، وعلى لبنان الاستمرار في تشديد تعامله معها. تحتاج الناجيات من الإتجار بالأشخاص إلى العدالة والخدمات والدعم”.
اتخذت السلطات بعض الخطوات المهمة لإنهاء الإتجار بالأشخاص. خفضت الحكومة الأميركية ترتيب لبنان من “المستوى 3” إلى “المستوى 2” في تقرير الإتجار بالأشخاص لعام 2016. هذا التصنيف السنوي للدول يعكس تقييم الحكومة الأميركية لسجلات الدول في شتى أنحاء العالم فيما يخص الإتجار بالأشخاص. ذكر تقرير 2016 أن لبنان بذل “جهودا كبيرة” للوفاء بالمعايير الدنيا للقضاء على الإتجار بالأشخاص، وشمل هذا زيادة عدد الملاحقات القضائية الخاصة بالإتجار. قال التقرير إن في عام 2015 أدان لبنان 30 شخصا في جرائم اتجار. لكن، وكما أشار التقرير، فإن “القانون لم يُطبق بشكل متساوٍ، إذ يفتقر أغلب القضاة لفهم هذه الجريمة ولا يلمّون بالممارسات الفضلى الخاصة بالتعامل مع قضايا الإتجار بشكل مناسب”. قال التقرير أيضا إن “بعض القضاة حكموا أحكاما خفيفة على مُتاجرين بالأشخاص”.
قابلت هيومن رايتس ووتش امرأتين كانتا في “شي موريس”. قالتا إن المُتاجرين أغروهما بالمجيء من سوريا بوعود زواج أو فرص عمل، لكن بدلا من ذلك أجبروهما على الدعارة في الماخور في منطقة المعاملتين الساخنة. قالتا إن المُتاجرين المزعومين لم يدفعوا لهما أي أجور، وضربوهما باستمرار، ومنعوهما من المغادرة، وصادروا أوراق الهوية والهواتف الخاصة بهما.
كانت السلطات تعلم أن أعمال اتجار بالأشخاص حدثت في “شي موريس” سابقا. في أواخر 2011 داهمت قوى الأمن الداخلي – الشرطة اللبنانية – المكان، ونقلت تقارير إخبارية أنها وجدت فتاة سورية عمرها 17 عاما عالقة هناك. تشغيل الأطفال بالدعارة جريمة، ويدخل في نطاق الإتجار بالأشخاص بموجب “قانون معاقبة جريمة الإتجار بالأشخاص” اللبناني لعام 2011. أُغلق “شي موريس” لنحو 3 شهور ثم عاد للعمل. داهم الأمن العام– الجهاز المسؤول عن مراقبة دخول وإقامة الأجانب – المكان ثانية في مارس/آذار. قالت الأسيرتان المحررتان إن 4 نساء حُررن في المداهمة أخبرن الشرطة بأنهن تعرضن للإتجار والإجبار على الدعارة.
أوقف موريس جعجع مالك “شي موريس” وأُفرج عنه بعد فترات قصيرة 3 مرات على الأقل قبل مداهمة مارس/آذار، على حد قول عناصر من الشرطة. عند مداهمة “شي موريس” في مارس/آذار كان في السجن بالفعل على ذمة اتهامات اتجار بنساء في الدعارة الجبرية في موقعين آخرين، على حد قول رئيس وحدة مكافحة الإتجار بالأشخاص، المقدم جوني حداد، الذي قال أيضا إن الشرطة علمت بامتلاك جعجع لمحل “شي موريس”. قال المقدم حداد إنه كان قد أخضع “شي موريس” للمراقبة قبل مداهمة وحدة الشرطة الأخرى في مارس/آذار.
قالت ويلر: “اكتشاف الإتجار بالأشخاص في “شي موريس” تكرارا على مدار السنوات الماضية يدفع للتساؤل حول فاعلية تعامل السلطات مع الموقف. على لبنان مراجعة كيفية تعامله مع الإتجار بالأشخاص في “شي موريس”، والإتجار الجنسي بشكل أعم”.
تعرب هيومن رايتس ووتش عن قلقها إزاء عدم حصول الناجيات من الإتجار على الخدمات والدعم المطلوبين في لبنان. في قضية “شي موريس”، اضطرت بعض الناجيات للانتظار يومين أو 3 أيام في مراكز الشرطة أو في شقة سكنية قبل منحهن أماكن في ملاجئ تديرها جمعيات غير حكومية. وصف عنصر شرطة وعاملة بمنظمة غير حكومية كيف هرعوا للبحث عن أماكن شاغرة في الملجأ. قالت عاملة بمنظمة دولية تقدم خدمات صحية للنساء إنه حصل تأخير كبير قبل حصول النساء على الرعاية. يشير هذا إلى وجود مشاكل في التنسيق وفي القدرة على مساعدة الناجيات. كما كشف مسؤولون بالأمن عن أن العديد من النساء اللواتي تم إنقاذهن من “شي موريس” و”سيلفر-بي” أطلق سراحهن دون استجواب، ودون أن تعرض عليهن الحماية أو الوصول إلى ملاجئ. تم التقاط بعض الضحايا من جديد، من قبل آسريهن، قبل تحريرهن للمرة الثانية على يد عناصر الشرطة.
كلّف قانون مكافحة الإتجار اللبناني لعام 2011 وزارة الشؤون الاجتماعية بتهيئة صندوق لمساعدة ضحايا الإتجار من الأصول المُصادرة من المُتاجرين بالأشخاص. لم تنشئ الوزارة الصندوق المذكور بعد، وقال عاملون بالوزارة لـ هيومن رايتس ووتش إن قضية “شي موريس” أظهرت نقاط ضعف في سلسلة الإحالة بالوزارة، وقالوا إنهم يخططون لتعزيزها.
تمنع معوقات عدّة ضحايا الإتجار من التبليغ عن الجرائم المرتكبة ضدهن. قال عاملون في منظمات تساعد ضحايا الإتجار لـ هيومن رايتس ووتش إن تجريم العمل بالجنس في لبنان عائق كبير. قالوا إن السلطات تميل إلى تصوير جميع النساء بمجال “الدعارة” – حتى من يُتاجَر بهن ويتم استغلالهن في الدعارة الجبرية – مجرمات. هذا يعني أن المُجبرات على الدعارة يخشين الاعتقال إذا لجأن إلى السلطات.
تُعارض هيومن رايتس ووتش تجريم العمل الجنسي الذي يتم بين بالغين بالتراضي. ترى هيومن رايتس ووتش أن تجريم العمل الجنسي يخلق أيضا معوقات تحرم العاملين بالجنس من حقوقهم الأساسية، مثل الحماية من العنف، والعدالة في مواجهة الانتهاكات، والخدمات الصحية الأساسية. إكراه الشخص على توفير خدمات جنسية (سواء كان يرقى للاعتداء الجنسي أو الإتجار أو الدعارة الجبرية أو أي شكل آخر من أشكال الاستغلال) يجب أن يكون مُجرّما وأن يُلاحق قضائيا.
كما أن نساء سوريات عديدات في لبنان ليست لديهن إقامة قانونية، ما يزيد من مخاطر الاستغلال الجنسي وغيره من أوجه الاستغلال، ويجعلهن أيضا خائفات من رفع شكاوى جنائية ضد المنتهكين.
أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع مسؤولين بالأمن الداخلي، ومنظمات غير حكومية توفر خدمات، وقضاة، وصحفيين حول مشكلة الإتجار الجنسي بشكل عام في لبنان، ووثقت 6 حالات على الأقل يبدو أنها تشتمل مجموعات من النساء والفتيات السوريات. قال من أجريت معهم مقابلات إن الناجيات من الإتجار اضطررن للانتظار لشهور وسنوات قبل التقدم بشهادة في المحكمة. قال محامون يعملون في منظمات غير حكومية ومسؤولون بالأمم المتحدة إن القضايا تستغرق بين عام و3 أعوام حتى يُحكم فيها. قالت محامية إن 3 سوريات مثلتهنّ، من ضحايا الإتجار الجنسي، عُدن إلى سوريا بدلا من التبليغ لأنهن لم يرغبن في البقاء في لبنان إلى أن يحين موعد الشهادة في المحكمة.
قالت ويلر: “من أجل تحقيق العدالة للناجيات، على السلطات أن تضمن التعامل مع جميع قضايا الإتجار بشكل فعال ونزيه في المحاكم. لكن الملاحقات القضائية ليست كافية، ولذلك تحتاج السلطات إلى خطة لإصلاح مشكلات التنسيق بين الهيئات الحكومية والأمنية، وعدم كفاية الخدمات، وعدم توفر العدالة للناجيات من الإتجار”.