حلب/ جريدة (تشرين) الرسمية- في نهاية كلّ عام يقوم صندوق الأمم المتحدة للسكان بحملة عالمية لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي، عبر نشاطات عديدة، والسؤال: هل يعاني المجتمع السوري هذه الظاهرة مثل بقية المجتمعات؟
وفي إحصائيةٍ لقيادة شرطة حلب؛ بلغت حالات العنف المنزلي خلال عامي 2017 و2018، 280 حالة اعتداء، وكان أعلاها اعتداء الزوج على الزوجة 185، يليها اعتداء الشقيق على الشقيقة 23 حالة، بينما سجّلت 19 حالة اعتداء الأبناء على الأمهات، أما اعتداء الأبناء على الآباء فبلغ 11 حالة، بينما كان اعتداء الأب على أولاده 10 حالات و9 حالات اعتداء الزوج على طليقته.
كما جاء في الإحصائية اعتداء الزوجة على زوجها بأربع حالات، وأيضاً 6 حالات اعتداء الأبناء على زوجات الآباء.
يقول اللواء عصام الشلي- قائد شرطة محافظة حلب: “إنّ حالات العنف التي سجّلتها الإحصائية تعود إلى أسبابٍ عدّة موجودة في كل المجتمعات (الخلاف على الميراث– الزواج من امرأة أخرى والطلاق… الخ) وليس لأنّ العنف ظاهرة متجذّرة في الأسرة السورية، ومن أصل عدّة ملايين سجّلت 280 حالة اعتداء فقط وعلى مدى عامين.”
25% ازدياد حالات الاعتداء
يقول الدكتور زاهر حجو- مدير عام الهيئة العامة للطب الشرعي في سورية: “خلال عامي 2017 و2018 تمّ إجراء فحص ومعاينة لأطفال ونساء تعرّضوا لحالات عنف من قبل الرجل. حيث بلغت حالات الاعتداء في مدينة حلب 914 حالة، ففي عام 2017 بلغت الحالات 410 منهم دون الثامنة عشرة 25 ذكوراً و45 إناثاً وأما البقية فهي لنساء فوق الثامنة عشرة.”
وأضاف حجو: “في عام 2018 زادت حالات العنف المنزلي 25%؛ إذ تمّت معاينة 504 حالات عنف منها 31 ذكوراً و53 إناثاً تحت الثامنة عشرة و420 لنساء فوق الثامنة عشرة”، ولفت حجو إلى أنّه لم تسجّل أيّ حالة وفاة بسبب العنف المنزلي واقتصر العنف على إصابات مرئية وكدمات.
مكتب إصلاح ذات البين
يقدّم المحامي مصطفى خواتمي- عضو جمعية الحقوقيين في حلب بعض المقترحات على قانون الأحوال الشخصية السوري رقم 59 لعام 1953 فيقول: “إذا كان الزوج من النوع الذي يُمارس العنف الجسدي ضدّ زوجته وأولاده، حيث لا يخلو أحدهم من كسر أو جرح أو خلع أو رض، تستطيع الزوجة إقامة دعوى تفريق لعلّة العنف الجسدي، ويعود تقرير ذلك للقاضي الشرعي الناظر في الدعوى بعد استطلاع رأي مكتب مهمته حل المشكلات الزوجية في حالات التفريق بصورة عامة، ويمكن أن يُسمّى (مكتب إصلاح ذات البين) وهذا مقترح ضمن المحكمة الشرعية ويتألّف من اختصاصيين نفسيين واجتماعيين ورجال دين وقانون.”
ويضيف خواتمي: “إذا قامت الزوجة بتنظيم ضبط شرطة بجرم الإيذاء وإنزال أضرارٍ بها من قبل زوجها، وحصلت على تقريرٍ من الطبيب يفيد أنّ مدة الشفاء تزيد على واحد وعشرين يوماً، والتعطّل عن العمل تزيد على الشهر، وأُحيلت إلى محكمة صلح الجزاء؛ فإذا تمّ الصلح وتعهّد الزوج بعدم العودة إلى الإيذاء في محكمة درجةٍ أولى تسجّل سابقة الإيذاء، وإلا يعدّ صدور حكمٍ مبرم بحقّه، سواءٌ كان بالحبس أم بالغرامة؛ مسوّغاً لإقامة دعوى التفريق لعلّة العنف الجسدي والإيذاء ضدّ الزوجة ويبقى الصلح هنا سبباً مخفّفاً في دعوى الحقّ العام.”
ويتابع خواتمي: “إذا عاد الزوج وكرّر فعلته بالاعتداء على الزوجة خلال ثلاث سنوات من صدور الحكم الأول أو تسجيل السابقة الجرمية، يُلزِم القاضي الشرعي بالتفريق بينهما لعلّة إلحاق أذى بالزوجة، وإذا نتج عن العنف إحداث عاهات دائمة بالزوجة أو أحد أولادها القاصرين وصدر حكم من محكمة الجنايات بتجريم الزوج، فيمكن للزوجة إقامة دعوى التفريق من دون الانتظار لصدور حكمٍ قطعي أو المصالحة أو تسجيل سابقة، وعلى القاضي الشرعي الحكم بالتفريق مع استحقاقها كامل المهرين المعجّل والمؤجّل ومن دون الحاجة لقرار المحكّمين، وذلك خلال مدّة ثلاثة أشهر من اكتمال الخصومة والشروع في المحاكمة أصولاً.”
المرأة قيمةٌ وكرامة
يقول الدكتور ربيع حسن كوكة- المُحاضر في كلية الشريعة في جامعة حلب: “لا نفهم من قوله تعالى (الرجال قوّامون على النساء) أنّ النساء لا قيمة لهنّ، بل إنّ كون القوامة بيد الرجل تجعل له شرف رعايتها، وإحاطتها بما يؤمّن لها الحياة الكريمة والعناية، وليس له أن يتجاوز ذلك إلى القهر والجحود.”
ويضيف الدكتور كوكة: “لقد احترم الإسلام شخصية المرأة، فجعلها مساوية للرجل في أهلية الوجوب والأداء، وحماها من العنف الجسدي فنجد في تشريعاته تحريم قتل المرأة في الحروب، وأنّ النبي عليه الصلاة والسلام غضب حين ضربت امرأة في عهده.
أما حمايتها من العنف النفسي فقد جعل من مظاهر تكريمها عدم إيذاء مشاعرها، وحفظ كرامتها، وترك رميها بالعيوب، فهي الأم والأخت والزوجة والبنت والعمة والخالة، إنها حياة المجتمع.”
يتابع الدكتور كوكة: “ولم تقتصر حقوق المرأة في الإسلام على الحقوق المادية وإنّما تعدى ذلك إلى الحقوق النفسية والمعنوية، ولقد كتب الباحثون والعلماء الكثير من الكتب والأبحاث عن المرأة في الإسلام التي أفاضت في بيان قدرها ومقامها ولا مجال للإطالة في هذه العجالة.”
15% حالات عنف
مريانة علي- رئيس جمعية من أجل حلب قالت: “خلال 18 عاماً في مجال خدمة المجتمع كانت أغلبية حالات العنف تعود لأسباب متجذّرة بالطبيعة البشرية مثل ظروف المعيشة (ضائقة مالية مقابل طلبات وحاجات الأسرة)، وتدخّل العائلة في حياة المرأة مثل والدة الزوج وشقيقاته وأشقائه، وذلك بسبب الغيرة والرغبة بالتحكّم والسيطرة، وإنجاب البنات فقط وحالات العقم، وهناك حالات تتعلّق بالجنس، فالزوج يريد أن تصبح زوجته مثل هيفاء وهبي، وأيضاً الضعف الجنسي لدى الرجل أمام الزوجة، والأسوأ في الحالات هو غيرة الزوج من نجاح وإنجازات زوجته.”
وتضيف علي: “خلال سنوات الحرب قامت جمعية من أجل حلب بتدريب ودعم أكثر من خمسة آلاف امرأة على مهارات الحياة للسيدات، وتضمّنت تدريباً مهنياً وتوعية اجتماعية وأخلاقية وصحية، وكانت نسبة النساء المُعَنَّفَات من هذه الأرقام تعادل %15، ومنهنّ من التحقن بدورات صيانة أجهزة منزلية وتمديدات صحية وصيانة أجهزة الخلوي، إضافة إلى قيام الجمعية بمحاضرات للرجال بهدف تمكين المرأة.”
أخيراً…….
تبقى حالات العنف النفسي هي الأصعب في الإحصاء وبيان المعلومات عنها، لكن كما تقول إحداهن: “يا محلى الشتيمة والإهانة مقابل الضرب وتكسير العظم”.
كان السبب في إعداد موضوعنا هذا قياس نبض مجتمعٍ تعرّض لأقصى درجات الضغط والعصف وصلت إلى جذوره وهزّتها بقوة، لكن الأرقام التي وردت رغم قسوتها تبقى مؤشراً إلى أنّ حالات العنف في المجتمع السوري هي نتيجة أسبابٍ كان لها تأثيرٌ كبير بسبب ظروف الحرب، ولو زالت الحرب يمكن أن تعود الأمور إلى طبيعتها، أو قد تصبح من سمات المجتمع في حال بقي العديد من القوانين على حاله من دون تطوير.