غادة كامل الشيخ/raseef22- هل تفضلون الخبر السيء أم الأسوأ، قراؤنا الأعزاء؟ لم تكن نيتي أن أضعكم أمام هذين الخيارين عندما طرحت فكرة إعداد تقرير، كنت أنوي أن ينصبّ تركيزي حول الكتابة عن جريمة بشعة حدثت قبل أيام بحق فتاة قاصر في الأردن، لكن اعذروني، لن تحظى هذه الضحية بالنصيب الأكبر من التركيز في هذا التقرير، إنما أشكال التعنيف التي تُمارس على الفتيات والنساء، كما وتسليط الضوء على المخاطر التي تبثّها التعليقات التي رحّبت بالجريمة التي وقعت فيها الفتاة.
لنبدأ بالخبر الأسوأ: حساب على موقع فيسبوك كان سبباً لطعنات متتالية على ظهر فتاة أردنية عمرها 14 عاماً قبل أيام، من قبل شقيقها العشريني، والتي أدّت إلى مقتلها. وفي التفاصيل: في فجر يوم الخميس، السابع من أيار/ مايو، ارتكب شاب يبلغ من العمر 25 عاماً، جريمة بحق أخته الطفلة، إذ طعنها في منطقة الظهر، بذريعة أنها استخدمت هاتفه لإنشاء حساب لها على الفيسبوك، الأمر الذي أثار غضبه!
وفي حديثٍ مع الناطق الإعلامي لمديرية الأمن العام الأردني، عامر السرطاوي، قال لرصيف22، إنه وبعد أن جرى تحويل الجثة إلى الطب الشرعي، تم إلقاء القبض على القاتل بعد تحديد مكانه، وتحويل قضيته إلى مدّعي عام الجنايات الكبرى الذي أوقفه بجرم القتل القصد.
لم تهزّ تلك الجريمة “المجتمع الأردني” وكان الاهتمام بالحدث أقلّ مما يستحقه، ربما بسبب حالة الانشغال التي يمرّ بها الأردنيون، كغيرهم من دول العالم، بفيروس كورونا وتطوراته، أهذا هو السبب أم التبريرات البشعة لذلك الفعل هي ما قلّلت من فظاعة الجريمة؟
لكن، عند استعراض الجرائم التي وقعت على الفتيات والنساء في الأردن بدواعٍ لا إنسانية تتعلّق بما يسمى بـ”الشرف”، يجد في قصة هذه الفتاة، ابنة الـ14عاماً، شيئاً مختلفاً، ذلك أن السبب لقتلها هو إنشاء حساب على الفيسبوك، وهو أمر ربما يكون جديداً، لكن الخوف هو أن يصبح ظاهرة أو “تريند” لمثل هذا النوع من الجرائم.
“تحت مُسمّى الشرف”
ليندا المعايعة، صحافية أردنية متخصصة في قضايا الجرائم، تعود وخلال الحديث معها إلى جريمة كتبت عنها في العام 2015، عندما وقعت فتاة، في العشرين من عمرها ضحية لجريمة قتل بشعة في محافظة مادبا “وسط المملكة”، عندما أطلق عليها شقيقها أربع رصاصات من مسدسه على رأسها مباشرة، بعد أن اكتشف وعائلتها بأنها تمتلك هاتفاً محمولاً تتحدّث به. ودون أن يتحرّى عن هوية المتصل، كانت الرصاصات أسرع.
مصير تلك الضحية، بحسب الصحفية ليندا، كان قد اتخذ سلفاً قبل أن تقتل بيومين، فبدعم وترحيب من عائلتها لفكرة “غسل شرف العائلة”، بعد أن أخذوا منها هاتفها المحمول عنوة، منحوا شقيقها الذي كان يصغرها بعامين قربان “مهمة غسل الشرف”، وهو ما حدث!
وعن الشكل الجديد للجرائم ضد النساء فيما يتعلق بالهواتف أو حساباتهن على مواقع التواصل الاجتماعي، تقول ليندا المعايعة: “هذا النوع من الجرائم ليس منتشراً بكثرة، لكن ذلك لا يلغي فكرة العنف الأسري ضد النساء لأجل تلك الأسباب، كالضرب المبرح، التشويه وكل أنماط الإساءة”.
وتشير ومن وحي خبرتها في تغطية أخبار الجرائم، إلى أن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، ضمن الأسباب التي تؤدي للعديد من جرائم القتل بحق نساء، وبأفعال عنف أسري، جميع تلك الأسباب تكون تحت مسمى واحد يبرر الجريمة: “الشرف”، رغم أنه لا يوجد مسمى “جرائم الشرف” في النصوص القانونية الأردنية.
“المصيبة ليست فقط بإرهاق روح فتاة بسبب تعرّضها للعنف الأسري بغض النظر عن أسباب المصيبة، بل تكمن بتواطؤ أفراد أسرة الضحية”، تقول ليندا، فمن وحي خبرتها أيضاً فإن تحالف أفراد الأسرة الواحدة على قتل ابنتهم هو الذي يعرقل سير الردع تجاه مثل هكذا جرائم، فأغلب القصص المشابهة تنتهي بإسقاط أفراد الأسرة الحق الشخصي عن مرتكب الجريمة، الذي غالباً ما يكون الأب أو الأخ أو الزوج.
“قد تكون صورة واحدة كفيلة بإيذاء فتاةٍ حدَّ التشويه”
هذا ما تؤكّد عليه الخبيرة الحقوقية والمديرة التنفيذية لمركز “العدل للمساعدة القانونية”، هديل عبد العزيز، لرصيف22، فوفق شكاوى كثيرة بحسب قولها، استقبلها المركز، عن تعرض فتيات للقتل أو الإيذاء بدواعي “الشرف”، ومن ضمنها أسباب تتعلق بحيازة فتيات لأجهزة خلوية، تجابه تلك الشكاوى بتساهل من قبل أفراد أسرة الضحية مع مرتكب جريمة القتل أو الإيذاء، والذي غالباً ما يكون الأب أو الأخ، بحسب قولها.
وتضيف هديل: “رصدنا في المركز قصصاً كثيرة عن إيذاء فتيات من قبل أسرهن لأسباب تتعلق بنشاطهن على مواقع التواصل الاجتماعي، قد تكون صورة واحدة لفتاة تنشرها على حسابها الخاص كفيلة بإيذائها حد التشويه”، وهنا تشير إلى أن استمرار مثل هذا النوع من العنف الأسري ليست أسبابه فقط تواطؤ أفراد الأسرة مع الجاني ضد الضحية، بل أيضاً هناك خلل في منظومة الحماية الاجتماعية في الأردن، تسهّل استمرار ذلك النوع من العنف.
وتقول: “دائماً نضع اللوم على غياب وعي المجتمع لاستمرار الجرائم، إذا بقينا ننتظر المجتمع بأن يتغير فذلك لن يوصلنا إلى نتيجة، الأمر بحاجة إلى قوانين رادعة للعنف الأسري وجرائم الشرف، صحيح أن تغيير التفكير المجتمعي مهم لكنه ليس الأولوية”.
وتفعيل منظومة الحماية المجتمعية، بحسب هديل، هو تفعيل عنصر المساءلة والمحاسبة بحق مرتكبي جرائم العنف الأسري، وهنا “لا أعني تغليظ العقوبة، بل تفعيل العقوبة، وألا يضاف على ضحايا العنف الأسري عبء إضافي، فمن غير العدل أن تترك الضحية مخيرة إما تقديم شكوى بحق أفراد أسرتها أم العدول عن ذلك، بل يجب اتخاذ خطوات عقابية بحق أفراد أسرتها الذين سببوا لها أذى، بصرف النظر إذا قدمت شكوى بحقهم أم لا”.
“تحوّل العُرف إلى جريمة والجريمة إلى عُرف”
الدكتور هاني جهشان، مستشار في الطب الشرعي وخبير في مواجهة العنف الأسري، يقول لرصيف22، وتعليقاً على ما حدث في الجريمة الأخيرة، بأن ارتكاب العنف ضد الفتيات من قبل أحد أقاربهن يندرج تحت مفهوم “العنف العرفي” فالمجتمع يتقبل هذا الشكل من العنف ويغضّ النظر عن مرتكبه، لأن العرف السائد في المجتمع يربط بين شرف الفتاة وسلوكها، ويتيح هذا العرف لأقارب الفتاة استخدام العنف لتأديبها، وتعديل سلوكها الذي يعتبرونه سيئاً من وجهة نظرهم.
ويضيف: “المجتمع الأردني يحمل تناقضاً واضحاً بين العادات والتقاليد الإيجابية التي تحمي الفرد والعائلة والمجتمع والتكافل والإصلاح الاجتماعي، وبين العرف الذي يربط بين الشرف وسلوك الفتاة أو المرأة، ويقبل إيذاءها الذي قد يصل لقتلها، إذا اعتقد أنها انتهكت المعايير التي وضعت لها من قبل الأسرة والمجتمع”.
“هذا التناقض لا يمكن تقبّله بأي شكل من الأشكال”، يقول الجهشان، ويضيف: “ومن غير المنطقي أن يتحول العُرف إلى جريمة وأن تتحوّل الجريمة إلى عُرف، وقد تأتي الفتاة المهدَّدة بالعنف أو القتل بسلوك أو تصرّف يولّد الشك والاتهام، ويعتبر انتهاكاً لأخلاقيات الأسرة، مثل ما حدث مع فتاة الـ14 ربيعاً”.
ويتابع: “إن مفهوم عذرية الفتاة يتعدّى المفهوم الطبي الجسدي إلى العذرية السلوكية، حيث يُطلب من الفتاة أن تظهر بشكل معيّن وتتصرّف بسلوكيات معيّنة، أن تتكلّم بطريقة معيّنة وتلبس بطريقة معيّنة، بحيث توحي للجميع أن ليس لها علاقة مع أي شخص كان، فعلى سبيل المثال، قد تتعرّض الفتاة للعنف أو القتل إذا شُوهدت برفقة رجل غريب، أو أنها تأخّرت في العودة إلى المنزل أو إذا قامت بالتواصل مع شباب من خلال صفحات التواصل الاجتماعي، كما حصل مؤخراً من قتل فتاةٍ بسبب فتحها حساباً على موقع فيسبوك”.
داعياً إلى تكثيف برامج التوعية الهادفة لضمان المساواة ما بين الرجل والمرأة، باستخدام الإعلام، نظم التعليم والنظم الدينية، للحدّ من العنف الأسري ضدّ النساء والفتيات.
تعليقات مسيئة ترحّب بالجريمة
“كفو، كفو والله، بتستاهل، الله يرحمها لكن بنت بهالعمر شو بدها بهالسوالف”، وغيرها من التعليقات من قراء أردنيين أسفل مواقع إخبارية نشرت خبر مقتل الفتاة ابنة الـ14 عاماً لإنشائها حساباً على الفيسبوك، هو هذا الخبر السيء الذي ذكرتُ الحديث عنه في بداية التقرير، فعلٌ يعزوه الدكتور الجهشان بأنه من منطلق الذكورية التي تتجه نحو فكرة أن على الرجل أن يحمي ويراقب ويدافع عن الفتاة ويحافظ على سمعتها، ويُفسّر هذا “بأنه في صالح الفتاة”، فإذا لم يقم هذا الرجل بحماية أو مراقبة أو الدفاع عن الفتاة داخل أسرته يكون قد أخلّ بصورته كرجل أمام المجتمع.
فيما تصف الخبيرة في حقوق المرأة، أروى بلقر، خلال حديثها لرصيف22، التعليقات التي رحبت وشرعنت فعل قتل شقيق لأخته بسبب إنشائها حساب على الفيسبوك، بأنه حال مؤلم جداً لما وصل إليه المجتمع الأردني، وتضيف: “تلك التعليقات مؤشر مهم على التفكير واحتمالية التصرّف من البعض وهو ما يجب على المؤسسات والمنظمات التصدّي له بصورة عاجلة”.
وتتابع: “فتح حساب على الفيسبوك لا يبرّر حتى رفع الصوت باتجاه الفتاة من أي فرد في العائلة، الحوار هو الأساس لحلّ أي إشكالية أو اختلاف، وبات من الملح التصدّي لمن يبرّر العنف الأسري بحقّ النساء وعقابه مثل عقاب مرتكب العنف”.
ختاماً، سأقتبس جملة نشرها الصحافي نضال منصور، في صفحته على فيسبوك: “حين تُقتَلُ طفلةٌ عمرها 14 عاماً لأنها أنشأت حساباً على الفيسبوك ولا ترى غضباً شعبياً أو تحرّكاً حكومياً؛ فقل يا رعاك الله: لسنا بخير”.
أما عن “كفو” فهي كلمة أردنية شعبية تُقال في حالات الإشادة لفعلٍ ارتكبه شخص، وفي معناه أيضاً شي من التشجيع على الاستمرار في هذا النهج، عندما قرأتُها في تعليقاتٍ على خبر مجرمٍ قتل شقيقته في عمرٍ لم تصل فيه بعد لرسم أحلامها، أيقنتُ أنّ طريق التغيير طويلٌ جداً.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.