موقع المنشور/لبنان- أشعر أنه من واجبي، كمقيم في منطقة “المعاملتين” لأكثر من 18 عاما، أن ألقي المزيد من الضوء على القضية التي أثيرت مؤخرا حول العملية التي أدت إلى تحرير 75 امرأة سورية من شبكة الاتجار الجنسية واللواتي كن محتجزات قسريا.
كل من سكان المعاملتين وجونيه بشكل عام، وقوى الأمن الداخلي اللبناني وبلدية جونيه متواطئين في تكريس الاستغلال الجنسي التجاري للنساء من شرق أوروبا والفلسطينيات والسوريات والمصريات وغيرهن، من قبل شبكات إجرام محلية.
نتعلم في سن مبكر في هذه المدينة، كيف نسخر ونحتقر ونمتهن انسانية عاملات الجنس اللواتي يسرن في شوارع “المعاملتين” حالما يحل الليل. نكبر معتادين على رؤية طوابير طويلة من الرجال من جميع الشرائح مصطفة خارج “الأندية الليلية” (مصطلح يطلق على أندية التعري). منذ صغرنا يتم تشجيعنا على الإشارة بالإصبع إلى عاملات الجنس في السوبر ماركت ومحلات الألبسة- فنتعلم كيف نتعرف عليهن من خلال ملابسهن ولون شعرهن- وعلى تجنّب النظر مباشرة في وجوههن المكتئبة. منذ صغرنا نتعلم أن نتجنب لعب كرة القدم أو تعلم ركوب الدراجة قرب الأبنية المخصصة لسكنهن ومرآب السيارات الخاصة بهن.
حالما نصل إلى سن البلوغ، يعلّمنا أقراننا من الذكور المغايرين في المدرسة الكاثوليكية كيف نتوقف عن النظر إلى فئة عاملات الجنس كفئة منبوذة اجتماعيا والبدء في استغلال أجسادهن من أجل اكتساب صفة الرجولة.
يعمد أقراننا تاليا- بعد نقلهم النصائح التي تلقوها بكرم من الجيل الأكبر سنا- إلى تصنيف عاملات الجنس وفقا لجنسيتهن: الشرق أوروبيات والروسيات الأغلى سعرا، والسوريات، الأقل سعرا. تصبح المؤسسات غير القانونية كـ”شي موريس” الأماكن التي يلجأ إليها الأطفال الكاثوليكيين ليفقدوا عذريتهم في سن الـ 14 والـ16 سنة.
نحن لا نشاهد الممارسات غير الإنسانية التي تمارس داخل بيوت الدعارة ضد النساء فحسب، ولكن أيضا يتم وضعنا على تماس مباشر مع عاملات الجنس اللواتي يتم تعذيبهن، بينما زعمنا أننا “لم نكن نعلم” عند اندلاع الفضيحة المدويّة.
بدلا من رفض استعباد عاملات الجنس، نختار أن نتبجح علنا في تجاربنا الجنسية على الحلبة. البعض يتذمر من “قلة نظافة” عاملة الجنس التي تم تعيينها له. آخرون، “المحظوظون”، يتداولون صورا التقطوها سرا لـ “فاتنات” دفعن مقابل التواجد معهن. معظمنا لا يرى طائلا من إخفاء “مغامراته” عن أهله. فمعظم آبائنا يذهبون بانتظام الى بيوت الدعارة.
الغرض الرئيسي من رسالتي هذه، هو مواجهة الرواية السائدة التي يجري تداولها من قبل وسائل الإعلام اللبنانية:
- بعكس النظرة السائدة، لا تتحمل السياحة الجنسية من الخليح العربي مسؤولية الاستمرار المادي لبيوت الدعارة هذه.
- يجب عدم إعفاء بلدية جونيه من المساءلة القانونية؛ فقد كانت على علم بالممارسات الوحشية ضد النساء المحتجزات قسريا للاستغلال الجنسي.
- لا يجب اعتبار ما قامت به قوى الأمن الداخلي بطوليا. فالقوى الأمنية رواد اعتياديون لبيوت الدعارة. فسكان “المعاملتين” يعرفون حتمية الالتقاء بضباط وعناصر قوى الأمن في هذه البيوت، في كثير من الأحيان يدخلون ويخرجون على مرأى من الجميع فيما سراويلهم محلولة.
أما بالنسبة لسكان جونيه، لا سيما المعاملتين، حتى أولئك منا الذين لم يسبق لهم القيام بنشاط مع عاملة جنس، علينا أن ندرك أن لامبالاتنا تجاه الاتجار بالنساء، الذي كان ولا يزال يحدث أمام أعيننا، هو ما ساهم في توسيع استعباد النساء جنسيا.
دعونا لا نخدع أنفسنا. نحن نعرف جميعا أن هناك أكثر من 75 امرأة يتم استعبادهن. تم إقفال “شي موريس” و”سيلفر” ولكن المؤسسات مثل “أمستردام”، “الشانزليزيه في باريس” و”كوبرا” تستمر في العمل حتى يومنا هذا. ولا تزال تملأ المجمعات السكنية من حولنا نساء مستعبدات جنسيا، محتجزات ويجبرن دون إرادتهن على ممارسة الجنس. فلنوقف هذه المسرحية.