عندما يَقُلْنَ “أنا حقوقيّة ولستُ نسوية!”
“أنا حقوقیـّ/ـة ولست نسویـ/ـة”

حنان أحمد/ feministconsciousnessrevolution- في بدایة أيّ نقاشٍ عن النسویة، أو حتى عن أبسط الأشیاء المتعلّقة بالمرأة سواًء مع الصدیقات أو زمیلات العمل أو في المناسبات الاجتماعیة، تواجهني عبارة “أنا حقوقیّة ولست نسویة!”.

یبدأ الأمر حینما أعرّف نفسي كنسویة، أو حتى أدافع عن مبدأ النسویة كحركة ذات مطالبات مشروعة وضروریة، وخلال هذه الثواني أستطیع أن أرى الرعب في عیونهنّ وهنّ يسارعن بتوضیح موقفهنّ من النسویة، وكأن هناك حرب ستندلع بعد قلیل إن لم یفعلن ذلك، حربٌ لا تعنیهنّ بالطبع بكلّ من يخضنها كل یوم! یَقُلْنَ: نعم لكن انتبهي “أنا حقوقیّة ولست نسویة!”. وبهذا يكنّ قد نجون بحذاقة قبل أن یُزَجّ بهنّ في خانةٍ ملیئة بالاتهامات أو یساء فهمهنّ، معاذ الله، أو قبل أن یحدث الشيء الأكثر فظاعةً: أن یوصمن بالنسویة!

أصبحت كلمة “نسویة” مشحونة بالوصم والشيطنة، التي تُحاول من خلالها البنى القائمة إثبات فشل هذا الفكر، وقطع الطريق أمامه قبل إتاحة الفرصة له لإحداث أيّ فرقٍ یُذكر!.

أنتِ نسویة! إذاً أنتِ تكرهین الرجال، وبالتالي ستكونین مكروهةً من قبلهم وفرص أن یعجبوا بك ستقلّ، أنتِ نسویة! إذاً أنتِ غاضبة ومحتقنة بما لا یلیق بأنثى! أنت “عوبة” وطویلة لسان ومثیرة للشفقة ومخجِلة! أنت تثیرین المتاعب وتخرجین عن “فطرتك” و”طبیعتك” التي هي الضعف والحاجة وتتصنّعین قوةً لا تملكینها!، أنتِ بالتأكید قلیلة أدب! لأنك تریدین أن تتصرّفي دون رقیب حتى تستطيعي ارتكاب المحظورات! أنتِ تسیرین عكس التيار وحتماً ستكونین الخاسرة في النهایة لأنك تُحاربین رجل!.

كلّ التركيز ينصبُّ على غضب النسويات من مظاهر اللامساواة واللاعدالة ومن الجرائم اليومية التي تذهب ضحيتها مئات النساء في كلّ مكان، ينشغلون بسؤال لماذا نحن غاضبات وليس من ماذا نحن غاضبات!

أشعرُ وكأنّ هناك شيء عنیف یتحرّك داخلهنّ بمجرد قول هذه الكلمة، ربما العنف ذاته الذي سیُمارس علیهنّ في حال طالبوا بشيءٍ خارج ما أراده لهم المجتمع، أو أنهنّ سیفقدن بعض الامتيازات القليلة والمشروطة التي مُنِحت لهنّ منّةً وفضلاً؛ لا استحقاقا، يشعُرن بالخوف أن یكنّ كلّ ما أعلاه في نظر المجتمع أو یَظهَرن من جهةٍ أخرى كجبانات ورجعیّات وخاضعات ولا یدعمن حقوقهنّ الخاصة؛ لذلك یلطّفن اعتراضهنّ بكلمة حقوقیّة!.

وأشعر بالحزن؛ لأنني أعرف أنّ الحالة المحتقنة هذه تعود لعدم استطاعة النساء أن يعبّرن عن أنفسهنّ بشكلٍ آمن وواضح، وأنّ مساحات التعبیر تضيق عليهنّ بسبب خشیتهنّ من الأحكام الاجتماعية القاسیة، ولأننا نعرف جيداً كيف تستخدم الأبوية كلّ أساليب الترهيب ضدّ النساء لكي لا يواجهن عنفها.

وقد سمعتُ التبریر ذاته من رجالٍ أيضاً یحاولون أن یظهروا كمُساندین للمرأة، ومع ذلك یریدون تأكید التوقّعات الاجتماعية أنهم لیسوا “إمّعات” أو أقلّ “رجولة” من غیرهم! یستخدمون هذا الانطباع الجیّد الذي یخلقه زعمهم بمساندة النساء، لكن -من بعید- أو للتقرّب من بعض النساء في حیاتهم، فهم في نهایة المطاف یریدون تأكید عدم تناقضهم أو نفاقهم بفعل ما یؤمنون بعكسه، وبهذه الطریقة لا یقع اللوم علیهم كونهم یملكون امتيازاتٍ لایستخدمونها في الاصطفاف بجانب النساء، وفي الوقت ذاته لا یضطّرون لعمل أيّ فعلٍ حقیقي لمناصرة قضایاهنّ. وهذا لايعني أن ننسى أنّ من يحاولون الحديث علناً عن هذه القضايا، یخشون أيضاً الأحكام الاجتماعیة القاسیة والضغوطات الأبوية.

كلّ هذا یجعلني أفكّر بأن شيطنة مفهوم النسوية لا تؤدّي إلى إساءة فهمها بالنسبة لفئاتٍ واسعة وبشكلٍ خاص النساء، لكن أيضاً التخويف الممنهج والمُمأسس أيضاً والذي يتجلّى في الهجوم من عدّة فئاتٍ مهيمِنة، على كلّ من تتبنّى هذا الفكر، أدّى إلى تحوّل النسویة لتهمةٍ غیر معلَنة!.

بدأ الأمر باسم الدین الذي یُطلق على النسویة مُسَمّى “ناشز”؛ آخذاً ذلك عن التراث الإسلامي، بالتالي هي تحتاج للتأديب والإخضاع بالقوة خوفاً من فسادها، لأنّ المرأة النموذجية في الدین هي التي تُطیع أولیاء أمرها. فطاعتها لهم هي طاعةٌ لربّها. ثم باسم العادات والتقالید؛ حیث یُطلق علیها في هذا السیاق مُسَمّى “عوبة”! أي منعدِمة الأنوثة و”متشبّهة بالرجال”، وهنا أيضاً صُوِّرَت بأنّها تحتاج للتأدیب بالقوّة، لأن الفتاة ذات الأصل والفصل و”أختُ الرجال” لا تخرج عن طوع ما تقوله العائلة، لأنها تُحافظ على تماسكها وتحافظ على سمعتها واسمها. فحین طالبت النسویة بوجود ”حریّة جنسیّة” وحريّة اختيار دون وصایة الرجل والمجتمع والدین علیها، مساویة لحریّة الرجل وتحرّرها من الوقوع ضحیةً لتشویه السمعة أو للجریمة التي برّروها تحت اسم “جريمة شرف”، والتبعات اللانهائیة التي تلحق بها جراء ذلك، اعتبروا ذلك ضوء أخضر لارتكاب الجرائم ضدّها وكرت رابح للهجوم والتحريض بمبرّر أنّ المرأة تظلّ ملكيةً لعائلتها وأقلّ من الرجل كما يأمر الشرع. ثم باسم المواطنة التي خوّنت النسویّات وقامت بحملات اعتقال، كُنَّ فیها كبش فداء لتنفیذ مطالباتٍ لطالما انتظرتها المرأة السعودیة، وإثر هذه الحملة أُطلق على النسويّات مسمى “داعشیّات”؛ فهنّ بالنسبة لهذا الخطاب یحمِلن فكر “إرهابي” لأنهنّ یغرّرن بالمُراهِقات للهروب من منازل أُسرَهِنّ الآمنة!، ثمّ مرةً أخرى باسم القانون الذي جرّم النسویة فترةً وجیزة ليتم التراجع عن هذا القرار لاحقاً!.

تُتَّهَمُ النسویة أیضاً بالعنف، رغم أنها لم تحرّض یوماً على العنف تجاه أيّ من أفراد المجتمع ولا إلى كراهیة الرجل، بل لمحاربة نظام ٍبأكمله، نظامٍ أبوي بطریركي ینطلق من مرجعیات تُعطي امتيازاتٍ لجنسٍ دون آخر.

ورغم وجود الكثیر من الفساد الذي من المُمكن أن تُوجّه السلطة الدینیة جهودها لإصلاحه، إلا أنّه یبدو أنّ المرأة سبب فساد كلّ شيء. وفي حین أنّ على كلٍّ من الرجل والمرأة تحمّل ذات المسؤولیة عن أفعالهم/ن، إلا أنّ المجتمع يسخّر سلطته ضدّ المرأة فقط. ورغم وجود العدید من القضايا التي تحتاج أن يعالجها النظام السياسي والقانوني، إلا أنّ النسویة تنال النصیب الأكبر في محاولة إخراسها وإبطال مطالباتها واتهامها بالخیانة.

أخيراً النسویة ببساطة هي حركة سياسية وحقوقية وإنسانیة في معظمها، تدعو وتطالب بتغییر حقوقي وسیاسي یؤثّر على واقع المرأة الاجتماعي والاقتصادي، مثل المطالبة بالمساواة والعدالة وتمكین المرأة وتحریرها من الضغوط الاجتماعیة والأسریة ومختلف أشكال العنف. لذلك لانستطیع فصل وتفكیك نشاط الحركة الحقوقي عن نشاطه في تغيير العلاقات الاجتماعية وباقي بنى النظام الأبوي، وإلا التغییر الحقوقي عندها سیفقد معناه؛ لأنّ كلّ شيء ینسحب على الحیاة الاجتماعیة بشكلٍ أو بآخر. لذلك توقّفوا/توقّفن عن قول “أنا حقوقیـّ/ـة ولست نسویـ/ـة” لأنها بشكلٍ أو بآخر تحمل المعنى ذاته!

“أنا حقوقیـّ/ـة ولست نسویـ/ـة”

“أنا حقوقیـّ/ـة ولست نسویـ/ـة” 

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015