alhurra- من تجمّع مخيّمات “مشهد روحين” للنازحين السوريين في الريف الشمالي لمدينة إدلب، خرجت قصصٌ لـ”نساء أرامل” تعرّضن للتحرّش والابتزاز الجنسي من قبل موظفين في المجال الإنساني، وورد ذكرها بناء على شهادتين في تقرير نشره “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.
وجّه المرصد اتهامات لمنظمتين إنسانيتين هما “إحسان الإنسانية” و”رحمة الإنسانية” بوقوف موظفين فيهما وراء تلك الممارسات، والتي لم تكن آنية بل تعود إلى فترات سابقة، حسب قوله، مشيراً إلى أن “ضحاياها” نساء يُقِمن في “مخيّم الأرامل”، الواقع ضمن تجمّع المخيمات غربي مدينة الدانا بريف إدلب.
ومخيّمات “مشهد روحين” مخصصة لنازحي مدينة معرة النعمان، وسمّيت بهذا الاسم نسبة للقرية التي تقع فيها (مشهد روحين)، وإلى جانبها هناك مخيّمات أخرى لنازحين من ريف حماة الشمالي والغربي ومناطق أخرى من إدلب.
وقال المرصد في تقريره إن نشطاءه رصدوا حدوث 5 حالات تحرّش خلال الفترة الممتدة ما بين شهر أبريل من العام الفائت وحتى تاريخ 26 من الشهر الحالي، مضيفاً: “من بين الضحايا السيدة (م.ح – 40 عاماً) من مدينة معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي، والتي تقطن في المخيم برفقة 2 من أطفالها”.
وإلى جانبها السيدة “أ.ع – 38 عاماً” من بلدة معرشورين في ريف إدلب الجنوبي.
وبحسب تقرير المرصد فقد سُجّلت حالات التحرّش والاستغلال الجنسي في أثناء توزيع المساعدات الإنسانية على تلك النساء، وتطوّرت فيما بعد إلى عمليات ابتزاز وتهديد عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي.
حالة وثّقتها الأمم المتحدة
الحديث عن حالات التحرّش والابتزاز الجنسي في مخيمات النازحين وأيضاً اللاجئين السوريين في دول الجوار ولاسيما في لبنان والأردن ليست بجديدة، وهو الأمر الذي سبق وأن تطرّقت إليه الأمم المتحدة في تقارير سابقة. وأجرى صندوق الأمم المتحدة للسكان تقييماً للعنف القائم على نوع الجنس في سوريا، في عام 2018، وخلص إلى أن “المساعدات الإنسانية يجري تبادلها مقابل الجنس في مختلف المحافظات في البلاد”.
وسلّط التقرير الذي جاء تحت عنوان “أصوات من سوريا 2018” على أمثلة من النساء والفتيات اللواتي تزوّجن مسؤولين لفترة قصيرة من الزمن لتقديم “الخدمات الجنسية”، مقابل الحصول على الطعام.
وأوضح أن الكثير من موزعي المساعدات الإنسانية يطلبون أرقام هواتف النساء والفتيات، ويعرضون إيصالهنّ لمنازلهنّ بسياراتهم مقابل الحصول على شيء في المقابل، أو يعرضون الحصول على معونات غذائية مقابل زيارتهنّ في منازلهنّ، وقضاء ليلة معهنّ.
ومنذ سنوات لم تسجّل بشكل رسمي أيّة حالة تحرّش تعرّضت لها النساء في مخيمات الشمال السوري من قبل موظفي المنظمات الإنسانية، والتي تُمارس أنشطتها في مناطق متفرقة ما بين محافظة إدلب وريفها وريفي حلب الغربي والشمالي.
لكن وفي مقابل ذلك تتناقل تقارير إعلامية بين الفترة والأخرى معلومات تتعلق بمحاولات التحرّش والابتزاز الجنسي، وتقول إن الحالة العامة الخاصة بالنازحين تغذّيها بشكل أكبر، خاصةً أن العيش ينحصر ضمن خيمة ضيّقة ومكشوفة الأطراف، مع انعدام الخصوصية وفي ظلّ أوضاع مأساوية ونقص كبير في الاحتياجات الإنسانية.
“بين عشوائية ومنظّمة”
ويبلغ أعداد النازحين السوريين في الشمال السوري نحو 2.1 مليون نازح، من أصل أكثر من 4 ملايين سوري يسكنون مناطق سيطرة المعارضة السورية. في حين يبلغ عدد سكان المخيّمات مليوناً و43 ألفاً و869 نازحاً، يعيشون ضمن 1293 مخيّماً، من بينها 282 مخيّماً عشوائياً أُقيمت في أراضٍ زراعية، ولا تحصل على أي دعم أو مساعدة إنسانية أممية.
ولم يستبعد نشطاء مطلعون على النشاط الإغاثي في شمال غربي البلاد حدوث حالات تحرّش واستغلال جنسي في مخيّمات شمال سوريا، وأشاروا في حديثٍ لهم لموقع “الحرة” إلى أنّ ذلك قد يتركز بشكل أساسي في المخيمات العشوائية، والتي يغيب فيها تنظيم العمل الإنساني سواء للمنظمات الرسمية، أو تلك التي تعتمد على الأفراد وعلى “الأعمال الخيرية”.
الناشط في المجال الإنساني شمال سوريا، أحمد عنكير يقول لموقع “الحرة” حول سؤاله عن صحة التقارير المتعلقة بمحاولات الابتزاز الجنسي التي تتعرّض لها النساء في مخيّمات شمال سوريا: “نعم للأسف ربما تم تسجيل متل هذه الحالات سابقاً لكن حتى الآن لم تؤكّد من مصادر رسمية”.
ويضيف عنكير أنّ الضوابط الداخلية في المنظمات الإنسانية “هي تخصيص أرقام توزّع مع نشرات المشاريع ويتم تعريف المستفيدين على آلية الشكوى حول أي سوء معاملة أو حتى التواصل بهدف الإبلاغ عن أي قضية تخص تنفيذ البرامج (مع الحفاظ على سرية المستفيدين ومعالجة الشكاوى)”.
ما سبق هو أمر مطبّق في المؤسسات والمنظمات الإنسانية التي تطبق معايير عالية في تنفيذ المشاريع، وتعمل بفعالية بكل أقسامها، بما فيها “قسم المراقبة والتقييم”.
ويوضح الناشط الإنساني: “لكن هناك قسم آخر من المنظمات والجمعيات الأهلية قائمة على عمل شخصي أو مجموعة أفراد”. وهذا النوع من المنظمات والجمعيات الأهلية، حسب عنكير “تعتمد نظام جمع بعض التبرعات وتوزيعها دون استمرارية أو حتى دون آليات مراقبة وتحقق”.
“قصة مختلفة”
في مقابل اتهامات المرصد حول حالات الابتزاز الجنسي والتحرّش التي تعرّضت لها النساء في تجمّع مخيّمات “مشهد روحين”، كان هناك رواية أخرى من قبل الأطراف التي وُجّهت لها الاتهامات بشأن ضلوع أفرادها بالوقوف وراء هذه الممارسات.
تحدّث موقع “الحرة” مع مدير أحد مخيّمات مشهد روحين، وقال إنهم لم يسجّلوا في السابق أية حالة من هذا الأمر إطلاقاً، في إشارةٍ منه إلى حالات التحرّش والاستغلال الجنسي.
ويضيف مدير المخيّم الذي يطلق عليه لقب “أبو جواد” لموقع “الحرة”: “بالنسبة لمنظمة إحسان الإنسانية فهي لم تدخل إلى مخيم الأرامل التابع لمشهد روحين نهائياً، في السنوات الماضية”.
بدوره اعتبر ناشط إغاثي مطلع على أوضاع مخيّمات الشمال السوري أن حالات الابتزاز الجنسي “قد تكون رائجة” في بعض المخيّمات، لكنه أضاف مستدركاً: “الابتزاز ليس فقط من قبل الشبّان، بل من بعض النساء أيضاً”.
ويتابع الناشط الذي فضل عدم ذكر اسمه: “جميع المخيمات المنظمة في شمال سوريا شهدت في السنوات الماضية تدريبات وورشات حول حماية النساء. مساعدات الأمم المتحدة تخصص ما نسبته 50 بالمئة منها لهذه الإجراءات بهدف حماية الأطفال والنساء بصورة أكبر من تأمين احتياجاتهم الإنسانية”.
ويشير الناشط لموقع “الحرة”: “في حال تعرّضت أي امرأة للتحرّش فبإمكانها تقديم شكوى. أرقام الشكاوى منتشرة في جميع المخيمات، وبإمكان أي امرأة أو شخص تقديمها في أي وقت”.
“اتهامات كيدية”
وبالعودة إلى المنظمات الإنسانية التي اتهم “المرصد السوري” موظفين فيها بالوقوف وراء حالات التحرّش والابتزاز الجنسي؛ فقد تواصل موقع “الحرة” مع منظمة “رحمة الإنسانية” عبر البريد الالكتروني، ونفت بدورها ما جاء في تقرير “المرصد” واعتبرت أنه تضمّن “اتهامات كيدية”.
وجاء في تصريح المنظمة التي تتخذ من مدينة إسطنبول مقراً لها: “نرفض بشكل قاطع ما جاء في تقرير المرصد السوري، الذي لا يستند إلى أي مستند في صدق ما تمّ سرده، ونعتقد أن الهدف من هكذا تقارير هو إضعاف العمل الإنساني، وإخراجه عن سياقه في مساعدة الناس الذين تعرّضوا للظلم”.
وأضافت المنظمة لموقع “الحرة”: “نحن مستغربون من عدم ذكر اسم الشخص الذي قام بعملية الابتزاز والاكتفاء فقط بذكر المنظمة التي يعمل بها”.
وتابعت: “مع العلم أننا نعمل تحت إشراف من مديرية شؤون المهجرين، وبالتنسيق مع إدارة كل مخيّم. نقدّم لهم المساعدات والخدمات. وفي حال قدوم أي شكوى ضدّ أحدٍ من كوادرنا، نقوم بمتابعة الأمر، واتخاذ الإجراءات”.
وفي ختام ردّها أكّدت منظمة “رحمة الإنسانية” أنها ترفض وتجرّم أساليب الابتزاز للنساء والرجال والأطفال، على اعتبار أن ذلك “منافي لقيمنا ومبادئنا التي نحملها ونعمل بها”.
لبس وجدل حول “إحسان”
أما فيما يتعلق بالمنظمة التي ورد ذكرها في التقرير (إحسان الإنسانية)؛ نفت مصادر من إحدى المنظمات التي تحمل هذا الاسم الاتهامات الموجَّهة لها، مؤكّدةً أن أعمالها الإنسانية لم يسبق وأن استهدفت “مخيّم الأرامل” في “مشهد روحين”.
وهناك عدّة منظمات إنسانية تحمل اسم “إحسان”، وهو الأمر الذي سبق وأن نتج عنه حالة التباس وجدل، كون الاتهامات كانت تستهدف جميع الجهات التي تحمل هذا الاسم، ولو بصورته المقتضبة (إحسان).
وفي تصريحات لموقع “الحرة”، أكّد المكتب الإعلامي لمنظمة “إحسان للإغاثة والتنمية” أنّ نشاطهم الإنساني لم يستهدف مخيّمات “مشهد روحين” في الفترة التي تحدّث عنها “المرصد” في تقريره.
وقال مكتب المنظمة: “قبل نفي الاتهام (وهو هام) يجب أن نصرّح بأننا نأخذ هكذا جرائم بجدية عالية جداً، سيما وأنها تُرتَكَب ضدّ الفئات المحتاجة للحماية”.
وأضاف: “نحن ننفي الاتهامات في حال كانت موجّهة لنا، علماً أن نشاطاتنا الإنسانية تنحصر في غالبيتها مع المجالس المحلية الموجودة في المنطقة، ونتيجة النزوح الأخير قدّمنا خدمات في المخيّمات لكنها كانت لبناء الكتل وترحيل النفايات ومشاريع إيصال المياه”.
وأشار مكتب المنظمة في سياق التصريح: “مع ذلك نحن اعتبرنا أنّ الحديث موجه لنا، وقمنا بواجبنا من خلال فتح تحقيقات، كما تواصلنا مع مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة من أجل التواصل مع المرصد لاستيضاح الجهات التي يتهمها بالتحديد”.
لماذا لم تقدّم شكوى؟
من جانبه يقول مدير فريق “منسقو الاستجابة في الشمال السوري”، محمد حلاج تعليقاً على شهادات النساء ضمن تقرير الرصد: “نحن لا ننكر عن وجود حالات، لكنها شاذّة وبالنادر أن تنوجد”.
ويضيف حلاج في تصريحات لموقع “الحرة”: “عند وجود إنسان ضعيف النفس لا يمكن لوم المنظمة كاملة، لأن الأخيرة وعند حصولها على أي إثبات، ستتجه لفصله بشكل فوري وفتح تحقيق معه”.
ويوقّع غالبية موظفي المنظمات الإنسانية على معايير تتعلّق بانتهاكات الخصوصية سواء للأطفال والنساء قبل البدء بالعمل، وبمجرد تجاوزها سيكونون معرّضون للفصل الفوري.
ويتابع حلاج خلال حديثه: “في حال كان حديث المرصد صحيحاً، كان بإمكان النساء تقديم شكوى للمنظمة بشكل فوري مع الحفاظ على خصوصيتهن. أنا مستعد أن استلم الشكاوى في أي وقت وأحوّلها إلى المنظمات المتَّهمة، من أجل التحقيق مع الموظفين وإحالتهم أيضاً إلى الجهات القضائية الموجودة في المنطقة”.
وردّاً على ما سبق قلّل مدير “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، رامي عبد الرحمن من فعالية تقديم الشكوى من قبل النساء “الأرامل”. وقال: “سأحاول رغم أنه لا ثقة. هناك أشخاص قطعوا عنهم المساعدات بعد أن اعتقدوا أنهم هم من تحدّثوا مع المرصد”.
وامتنع عبد الرحمن عن عرض تفاصيل أكثر عن حالات التحرّش والابتزاز الجنسي التي تحدّث عنها في تقريره، واتهم شخصاً بالوقوف ورائها يدعى (ع. ش. ع)، ويعتذر موقع “الحرة” عن عرض اسمه كاملاً كونه ورد على لسان مصدر واحد ولم تؤكّده مصادر أخرى.
وتابع عبد الرحمن: “ليس هناك داعٍ لتقديم الشكوى بعد نشرها على وسائل الإعلام، المهتم بمتابعة القضية يجب عليه الذهاب إلى المخيّم، وإجراء لقاءات مع النساء، وبالتالي سيصل للنتيجة التي يريدها”.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.