عن الزواج المدني في سوريا: “هلأ وقتو؟”
الزواج المدني في سوريا؟

زينة شهلا/ رصيف22- قبل حوالى الشهر، سأل أحد الصحفيين السوريين على صفحته على فيسبوك: “هل تعلم ماذا يعني مصطلح الزواج المدني؟”، ليجيب سبعون بالمئة من متابعيه بأنهم يعرفون هذا النوع من عقود الزواج وشروطه وما له وما عليه، لكن بعض المعلقين آثروا أن يفهموه بطريقتهم الخاصة.

“الزواج المدني مساكنة يسميها المنفتحون زواجاً”. “الزواج المدني في الغرب يبيح للشخص الارتباط بحيوان وليس بالضرورة بإنسان”، “الزواج المدني علاقة قائمة على الخداع بين فتاة وشاب يقنعها بالارتباط به ثم يتخلى عنها بكل سهولة ودون التزامات”، وإجابة أخرى تبدو أنها من باب الفكاهة لا أكثر: “الزواج المدني هو زواج لا يكون أحد طرفيه جندياً في الخدمة العسكرية الإلزامية أو الاحتياطية”.

هو جدل لا تبدأ ولا تنتهي حدوده عند مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في سوريا، بل يمتد ليشمل الشارع وأحاديث الناس في العديد من المدن، وسببه دعوات تتصاعد بين الحين والآخر لتشريع الزواج المدني في سوريا، كان آخرها حملة أطلقتها الشهر الفائت مجموعة من الناشطين والحقوقيين تعمل تحت اسم “سوريون مع الزواج المدني الاختياري”، وتهدف لتشريع هذا النوع من الزواج في سوريا.

المجموعة تسعى منذ أكثر من عام، بطرق مختلفة للضغط باتجاه تشريع هذا الزواج وأيضاً نشر الوعي بشأنه بين شرائح المجتمع، لكن الوصول لهذه الأهداف لا يبدو بالأمر السهل على الإطلاق في دولة تعتمد منظومة الأحوال الشخصية فيها على التشريعات الدينية بشكل أساسي، ومجتمع تحكمه عادات وتقاليد راسخة تعتبر بمجملها أن الزواج المدني حرام ومخالف للتعاليم الدينية السماوية.

القوانين السورية

الشريعة الإسلامية هي أحد مصادر التشريع في سوريا، وقانون الأحوال الشخصية السوري الصادر عام 1953 والذي يعنى بقضايا الزواج والطلاق يعتبر قانوناً دينياً، فهو يراعي الأحكام الدينية ولا يعترف إلا بصكوك الزواج المعقودة وفق الديانات المعترف بها في سوريا، وبالتالي فإن أي زواج خارج إطار قوانين وشروط هذه الديانات يعتبر باطلاً وغير قابل للتطبيق.

وبحسب هذا القانون وتعديلاته الصادرة لاحقاً، يتزوج المسلمون أمام المحاكم الشرعية على أساس الشريعة الإسلامية ووفق المذهب الحنفي على وجه التحديد، والمسيحيون أمام المحاكم الروحية الخاصة بكل طائفة من الطوائف المسيحية، وللطائفة الدرزية محكمة مذهبية خاصة تنظر بأمور الزواج، وكذلك الأمر بالنسبة للطائفة اليهودية.

وللزواج بين شخصين من دينين مختلفين أحكام خاصة، فالمسلم يستطيع الزواج بغير مسلمة شرعاً، وفي حال رغبت المسلمة بالزواج من غير مسلم فعليه اعتناق الإسلام وإلا يعتبر زواجهما باطلاً وتسجل الأم كمجهولة في وثائق الأولاد، وزواج الدرزي/ة من مسلم/ة يتطلب تغيير المذهب للإسلام أمام المحكمة الشرعية وهو أمر ممكن الحدوث.

أما الزواج المدني، ووفق ما يشرحه المحامي حسان قصاب لرصيف22، فهو عقد زواج بين ذكر وأنثى يحكمه قانون واحد بغض النظر عن الديانات والطوائف، ويوثقه موظف رسمي في مقر حكومي ويحتاج لشاهدين وله صفة الديمومة. ويعتمد الزواج المدني مبدأ الشراكة التامة بين الطرفين وبذلك يلغي عدداً من أحكام الزواج الديني مثل حق الطلاق العائد لأحد الأطراف فقط، ومهر الزوجة، وغيرهما من الشروط.

كما يشترط الزواج المدني أن يكون الطرفان مكملين للسن القانونية وهي 18 عاماً إلا في حالات استثنائية، وألا يكونا مرتبطين بزواج آخر.

ومع عدم وجود قانون يشرّع الزواج المدني في سوريا، يبقى خيار عقد هذا الزواج خارجها متاحاً للراغبين في ذلك، والمكان الأقرب هو جزيرة قبرص. في العام 2016 نشر موقع بي بي سي تقريراً يحصي 3000 حالة زواج مدني سنوياً في قبرص لأشخاص يأتون من الشرق الأوسط هاربين من شروط الزواج الديني في بلدانهم.

أوروبا هي خيارٌ أيضاً لبعض السوريين الراغبين في الزواج المدني بعيداً عن العقود الدينية، ومنهم ناديا زهوري (35 عاماً) والتي شاركت تجربتها مع رصيف22. فبعد إنهائها دراسة الماجستير في مجال العلوم السياسية بإحدى جامعات العاصمة الألمانية برلين منذ عامين، قررت ناديا متابعة حياتها في سوريا، إلا أن تعرفها “لشريك حياتها” كما تصفه غيّر مسارها بشكل كلي.

“بعد عودتي لدمشق بعدة أشهر تعرفت لشاب مسيحي وربطتني به علاقة حب قوية. مع انتمائي للدين الإسلامي ويقيني باستحالة ارتباطي به في سوريا إلا في حال إقدامه على تغيير دينه، كان السفر هو خيارنا الوحيد. أعيش في ألمانيا من جديد، لكن هذه المرة مع الشخص الذي اخترته، وبموافقة ومباركة عائلتينا”.

وتنفي ناديا أيّ رغبةٍ لديهما بالعودة إلى سوريا طالما لم يصدر أيّ قرارٍ بالاعتراف بزواجهما المدني هناك، “فلا نيّة لأحدنا بتغيير دينه، ولا قدرة لنا على تحمّل تبعات عدم تسجيل زواجنا أو اعتباره باطلاً أمام القانون السوري. نفضّل البقاء في مكانٍ يحترمنا ويحترم أختلافنا”، تضيف في حديثها.

جهودٌ لتشريع الزواج المدني في سوريا

العام الفائت أطلقت مجموعةٌ من الشباب السوري الناشط في المجال المدني والحقوقي حملة “سوريون مع الزواج المدني الاختياري” بهدف الوصول لتشريع الزواج المدني الاختياري ليكون متاحاً كخيار إلى جانب الزواج الديني، كما يقول أحد القائمين على الحملة وهو رامي نعمة لرصيف22.

انطلقت المجموعة وفق حديث نعمة (33 عاماً) من حقوق يكفلها الدستور السوري وتؤكدها العديد من الاتفاقيات الدولية الموقع عليها من قبل الدولة السورية، ونتيجة إيمانها بضرورة ترسيخ المساواة بين الرجل والمرأة وإنشاء جيل يحترم كل فرد فيه الآخر ويحرص على ممارسة حقوقه كاملة.

وتستخدم المجموعة للوصول لأهدافها وسائل مختلفة، إذ يعمل فريق قانوني تابع لها على صياغة مسودة مشروع قانون للزواج المدني سيتم طرحه في مجلس الشعب السوري، ويشكّل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي منصة هامة لها للترويج لأهمية عملها، وهنا يضيف نعمة –المتخصص في مجال إدارة الأعمال-: “ما دمنا نقترح قانوناً يتيح حرية الاختيار ويحترم رغبات الجميع نرى بأن عدد المؤيدين لمشروعنا يزداد، ونعتقد بأن المرحلة التي نعيشها اليوم مثلى لطرح أي فكرة للتغيير نحو الأفضل”.

نوّار علي وهي صحفية مقيمة في دمشق تتحدّث لرصيف22 عن تأييدها الكامل لهذه الحملة التي تراها ضرورية للغاية، خاصة وأنها تدعو لإقرار الزواج المدني الاختياري، “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ولتكن لكل فرد حريته الشخصية”.

وترى الفتاة الثلاثينية بأن لسوريا خصوصية بتعدّد طوائف وأعراق وأديان سكانها وهو ما يزيد من احتمال اختيار شريك من دينٍ أو طائفةٍ مختلفة، لتقف القوانين عائقاً في وجه ذلك، وليكون الحل إما بتغيير الدين أو السفر خارج سوريا وهو أمرٌ مكلف، ما يبرز أهمية إقرار الزواج المدني، خاصةً في هذه المرحلة حيث تشهد سوريا تغيّيراتٍ جمّة على مختلف الأصعدة.

وجهودٌ أخرى في مواجهة الرفض الاجتماعي

على التوازي يبذل العديد من الناشطين والحقوقيين جهوداً كبيرة لنشر الوعي حول الزواج المدني، ومنهم المحامي حساب قصاب، الذي بدأ في العام 2015 بطرح فكرة قانون الزواج المدني عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

“حصلت على آراءٍ تؤكّد عدم معرفة شريحة واسعة في مجتمعنا بمعنى هذا الزواج. البعض رآه زواج كفارٍ أو مثليين أو حيوانات، وهنا عرفت بأن أيّ مجهودٍ يجب أن ينطلق من التوعية وإصلاح المجتمع أولاً”، يتابع قصاب لرصيف22.

ويرى المحامي الأربعيني بأن الحرب في سوريا وتبعاتها من هجرة وانقسام مجتمعي أبرزت أهمية تشريع الزواج المدني وتقبله، فهو زواج لا ديني يكسر الحواجز بين الناس، لكنه يقرّ بصعوبة هذا المشروع الذي لا بد أن يصطدم بعوائق اجتماعية وتشريعية في المقام الأول، إذ يتطلب تعديلات دستورية وقانونية، وأيضاً مواجهة ممانعة شريحة واسعة من المجتمع السوري.

من تلك العوائق على سبيل المثال ما صرح به القاضي الشرعي الأول في دمشق محمود معراوي منذ حوالي عامين، معتبراً في حديثٍ مع صحيفة الوطن السورية أن “الزواج المدني مخالف للنظام العام السوري وقانون الأحوال الشخصية، فلا يمكن الاعتراف فيه بأي شكل من الأشكال، كما لا يتم تسجيله في المحكمة، حكمه كالزنى تماماً لأنه مخالف للأحكام الشرعية”.

ومنها أيضاً أمثلة لا تحصى عن سوريين يرفضون هذا الزواج بشكل مطلق، إما لاعتباره لا يتناسب مع طبيعة المجتمع السوري المتعدد الأديان والطوائف، أو مع الأحكام الدينية بحد ذاتها.

عزّام علي وهو طالبٌ بكلية الحقوق يرى أن تطبيق الزواج المدني في سوريا شبه مستحيل، مستشهداً بانغلاق العديد من الطوائف كالمسيحية والدرزية على نفسها ومحاربتها لأيّ شخصٍ يتزوّج من خارج الطائفة، ويضيف لرصيف22: “إذا نسينا أمر الزواج فماذا سيكون حال الأولاد؟ من المبكر للغاية الحديث عن الزواج المدني في حين أننا لا نزال نعاني من مشاكل مجتمعية وقانونية أبسط من ذلك بكثير دون أن نجد حلاً لها”.

“الزواج المدني بدعة غربية ستخرب مجتمعنا” كان رد أحمد الساعي المُتخرّج حديثاً من كلية الطب البشري لدى سؤاله عن رأيه بهذا النمط من الزواج، ويبرّر ذلك بأنّ مبادئ هذا الزواج وأحكامه لا تتطابق مع المجتمع السوري المسلم بأغلبه، “فماذا عن الإرث وماذا عن الأولاد وغيرهما من الأمور التي لا أرى بأنّ الزواج المدني يتطرّق لها؟ ويكفينا ما عانيناه من انقسامٍ خلال سنوات الحرب”.

الزواج المدني في سوريا؟

الزواج المدني في سوريا؟

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015