عن “النسويـة” المعـذّبة عربيـــاً
"النسويـة" المعـذّبة عربيـــاً

pro.medias-dz- لطالما واجهت الحركة النسوية منذ القرن التاسع عشر، وحتى يومنا هذا، هجوماً شديداً. وفي العالم العربي خاصةً، كان التهجم أشد تحت ظلّ الأعراف والتقاليد و الثقافة الدينية. بل وصل الحال إلى اتهام التيار النسوي بأنّه تيارٌ يحثُّ على الفساد، الدعارة، والانحلال الخلقي. مما أفقد النسوية الكثير من الدعم الاجتماعي و ألصق صفاتٍ سلبية بهدف تشويهها وهدمها، وبهذا أصبح مفهوم النسوية الحقيقي بعيداً عن التلقّي العربي، وصار مفهوماً معقّداً وأكثر جدلية.

من الصعب الآن وضع تعريفٍ شامل وملم بجميع الحركات النِّسويَّة نظراً لتعدّد توجّهاتها، لكن النسوية من حيث مفهومها هي حركة مدنية غير منظمة في الكثير من الأحيان تسعى إلى الدفاع عن حقوق المرأة الاجتماعية و السياسية، والحياتيّة بشكلٍ عام. كما أن هذه الحركة  تتمركز بالأساس حول الحدّ من العنف و الظلم المُمَارَسين على المرأة، ولضمان حياةٍ عادلة لها في مجتمع ذكوريّ قاسٍ.

لكن ظهور التفكير الرافض للاتجاه النسوي في العالم العربي، والذي يعود معظمه لانتشار مفاهيم مغلوطة، أدّى إلى معاداة  الحراك النسوي. ويتغذّى هذا الهجوم من انزعاجٍ من المساواة بين الرجل والمرأة، برغم أن هذا من أبسط شروط الدولة المدنية التي ترى الرجال والنساء متساوين في الحقوق والواجبات باعتبار الجنسين مواطنين أولاً، لذلك لا يزال المجتمع العربي يرى تحرّرَ المرأة مناقضاً للعادات والتقاليد، ويسوده التخوّف من كون النسوية تسعى لتدنيس الدين ونشر الفتن لا أكثر.

لكن الاتجاهات النسوية لا تحارب الدين أو الحجاب أو الأمومة أو غير هذا من المفاهيم الدينية خاصةً في جانبها الاجتماعي، لكنها تدافع عن حرية الاختيار واستقلالية المرأة في اتجاهاتها؛ كونها شخصٌ يملك الإرادة ليختار قناعاته ويدافع عنها. كما تسعى النسوية إلى جعل المرأة لا تُعامل باعتبارها مواطنة من الدرجة الثانية بل كفاعلة في الحياة تماماً كالرجل.

ولأنّ التهم العربية غير المنطقية تعتبر أن النسوية تريد القضاء على مؤسسة الزواج والأسرة، إلا أنّ هذا نوعٌ من التهم الفارغة التي تنتقص من عقل المرأة، والتي تفتقد إلى دليلٍ أو وجاهة.

لذلك نشير إلى كون النسوية هي عكس هذه التهمة، فالحركة لا تُعارض الزواج ولا هي تحرّض على كراهية الرجل أو التخلّي عنه؛ إذ لا حياة تنجح إلا بامرأة ورجل، فهذا قانونٌ طبيعي. إنّ النسوية ببساطة تحرص على أن يكون لها الحقّ الكامل في اختيار الشريك المناسب الذي بدوره يرى العلاقة الزوجية علاقةً تكاملية تبنى على احترام حقوق و واجبات كلّ طرفٍ بتساوٍ.

من أجل ما ذكرناه إلى الآن تُشير مديرة «معهد الدراسات النسائية في العالم العربي» الدكتورة لينا أبي رافع (التي تمّ اختيارها من بين أكثر 100 شخصية مؤثرة في سياسة الجندرة والمساواة بين الجنسين) في حوارٍ لها مع مجلة (vogue (Arabia إلى أننا ”نعيش في منطقةٍ تفتقد الأمان في شكلٍ عام، بين صراعات مشتعلة وتحدّيات اجتماعية واقتصادية. في هذه الظروف أولُ مَن يعاني هنّ النساء اللواتي تُسلب حقوقهن ويصعب عليهنّ استعادتها”.

انطلاقاً مما سبق ذكره فالنسوية أيضاً تحارب الأدوار الجندرية التي تحجز كلّ جندرٍ في قفص من الاحكام و القوانين الاجتماعية التي تحدّد المظهر والسلوكيات والقيم للرجال والنساء بناءً على جنسهم البيولوجي. فالأطفال منذ سنٍّ صغيرة يواجهون موجةً من المعاناة النفسية التي تسبّبها العائلة والمحيط، حيث يتأثّر الأطفال بشكل كبير بأفكار و ايدولوجيات أمهاتهم وآبائهم حول الجندر والأدوار الجندرية، فالأسرة تُعتَبر المصدر الأول للبحث عن إجابات لتساؤلاتهم. لكنهم عوضاً عن ذلك يتلقّون عباراتٍ جارحة ومشوّهة للتفكير السليم، تحرّكها أحكامٌ مسبقة، تعلّم الأولاد مثلاً أن الولد لا يجب أن يبكي لأن هذا من صفات النساء، مع أن الواقع يثبت أن الرجال يبكون هم أيضاً، وكأنّ البكاء حكرٌ على المرأة التي يصفها النسق الاجتماعي بالضعف، بينما هو نوعٌ من التعبير الذي يشترك فيه الرجال والنساء.

يقدّم هذا مثالاً بسيط عن دور الأسرة في ترسيخ الذكورية بالتربية، فتنتج رجلاً يحتقر أخته وجارته وزميلته في العمل.

إنّ المطالبة  بحقوق المرأة واعتبارها مستقلّة في تفكيرها وفهمها لوجودها و قادرة على اتخاذ القرارات ومسؤولة عن نفسها وتصرفاتها، هي جزءٌ لا يتجزأ من المطالبة بتحرير الإنسان كلّ الإنسان. لذلك لا بد لنا أن نضمن مستقبلنا ونغيّر من تصوراتنا لحاضرنا، حتى يقوم ذلك التغيير بكسر رتابة الحياة العقيمة الحتمية التي بها خللٌ كبير في ميزان القوى الاجتماعية والسياسية بين الرجال والنساء.

ولن تنكسر هذه الرتابة حتى يؤمن المجتمع أنّ النسوية ليست تياراً مضاداً لاتّزان الحياة الاجتماعية، بل يسعى، ببساطة إلى تحقيق المساواة كاملةً في الكرامة والحرية والقيمة الإنسانية، بالإضافة إلى ضرورة الحدّ من العنف وسلب الحقوق البسيطة التي هي من حقّها داخل دولةٍ لا تنظر إلينا كرجالٍ ونساء، بل كمواطنين ومواطنات يملكون التساوي في الحقوق والواجبات بقوّة القانون.

"النسويـة" المعـذّبة عربيـــاً

“النسويـة” المعـذّبة عربيـــاً

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015