في منافي السوريين.. الإنجاب العشوائي أولويّة
الحمل والولادة

نسرين أنابلي/ جيرون- أشارت سميّة (31 سنة) إلى صورة طفلها (إياد) المتوفى منذ أشهر قليلة، في أحد مشافي غازي عنتاب، نتيجة مرض خبيث، عندما كانت تجيبني عن عدد أطفالها قائلة: “أربع فتيات ووحيدي هذا الذي فقدته، منذ مدة قريبة”. (إياد) كان خامس وأصغر أطفال (سميّة) اللاجئة السورية المقيمة في تركيا منذ أواخر عام 2013. تقول بحسرة: “كان الصبي الوحيد، وقد أنجبتُه بعد أربع فتيات، وأتمنى من الله أن يعوضني عنه، مستقبلًا”.

على الرغم من الحالة المادية السيئة التي تعيشها (سمية)، لكنها تُبدي استعدادًا وحماسًا كبيرين، لتكرار تجربة الحمل وتعويض (الصبي) الذي فقدته. ويبدو أن الغرفة الوحيدة المرفقة بمطبخ وحمام، حيث تعيش هذه الأسرة المكونة من 6 أشخاص، لم تكن سببًا كافيًا لتكتفي (سمية) وزوجها بأربعة أطفال. هم يؤمنون -كبعض السوريين- بأن “الولد بيجي.. وبتجي رزقتو معو”.

أم زياد (29 سنة) إحدى جارات سميّة، وهي أم لخمسة أطفال، 3 منهم أنجبتهم في سورية، قبل الثورة، واثنان وُلدا في تركيا. عندما سألتها عن الطرق التي تلجأ إليها لتوفير مستلزمات أطفالها، أجابت بأنها تعتمد على إعادة تدوير ملابس أطفالها الأكبر سنًا التي لم تعد تناسب مقاساتهم، وتعيد خياطتها لتناسب الصغار منهم. إضافة إلى المساعدات التي تحصل عليها من بعض الجمعيات الإغاثية. تُلقي أم زياد باللوم على زوجها، بسبب إنجاب طفلين آخرين في تركيا، زاعمة أنه يحب الأطفال كثيرًا، ويحلم منذ بداية زواجهم بتكوين عائلة كبيرة.

على الرغم من كلّ الظروف الاستثنائيّة التي يعيشها معظم اللاجئين السوريين، في كل دول اللجوء، من فقر وبطالة ونزوح؛ فإنهم يسجلون نسبة مرتفعة جدًا من المواليد الجدد، منذ بداية الأزمة في سورية حتى الآن.

ويلاحظ في المدن التركية التي تحتضن عددًا كبيرًا من اللاجئين السوريين (غازي عنتاب، كلّس، إسطنبول، أنطاكيا) ارتفاع عدد المواليد السوريين، منذ بداية قدوم السوريين إلى تركيا أواخر عام 2012 حتى الآن. ففي إحصاء لوزارة الأسرة والشؤون الاجتماعية التركية، مطلع العام الحالي، بلغت نسبة الأطفال المولودين في تركيا، منذ عام 2014 حتى الآن، 250 ألف طفل، في حين كانت نسبة الولادات، حتى نهاية عام 2013، (7600) طفل فقط. غير أن هذه النسبة غير دقيقة تمامًا؛ بسبب وجود ولادات في المـنازل، وهذه الولادات غير موثقة، في المستشفيات أو عند دوائر الأحوال الشخصية التركية، وتصـبح مع الوقـت ولادات مجـهولة.

في الأردن، صرّحت وزارة التخطيط والتعاون الدولي، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، بأن عدد الأطفال السوريين المولودين في الأردن، خلال هذا العام فقط، 100 ألف طفل، وأن الأطفال يشكلون 40 بالمئة من إجمالي عدد اللاجئين السوريين الموجودين في الأردن.

أما المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان، فقالت إن اللاجئين السوريين في لبنان يمثلون (فئة فتيّة)؛ إذ إن 18 بالمئة (العدد الإجمالي مليون ونصف) منهم ولدوا في لبنان.

الطبيبة ماجدة حميد التي تعمل في مشفى للتوليد في بلدة (خربة الجوز) بريف إدلب شمال سورية، صرحت لـ (جيرون) بأنها “لا تمتلك أرقامًا أو إحصاءً دقيقًا عن عدد المواليد في المنطقة، لكنها أكّدت أنها تقوم -يوميًا- بتوليد ما بين 8 إلى 10 سيدات، واحدة أو اثنتين منهن على الأقل، تحت سن الثامنة عشرة”.

سيطرة المعتقد الديني والأعراف الشعبية

تؤدي المعتقدات الدينية التي تحرّم الإجهاض، وتشجع على استمرار المرأة في الإنجاب، طالما أنها تمتلك القدرة الجسدية على ذلك، دورًا في ارتفاع معدلات الولادات بين اللاجئين السوريين. وهناك الكثير من النساء لا يستخدمن موانع الحمل؛ لاعتقادهن بأن استخدامها يتعارض مع المعتقد الديني، إضافة إلى جهل الكثيرين بمسألة التفريق بين التحديد والتنظيم؛ وقد أدّى هذا الأمر دورًا بارزًا في ازدياد أعداد المواليد، حيث قلّما نجد أسرة سورية، في تركيا أو أي دولة أخرى من دول اللجوء، عدد أفرادها أقل من ستة أشخاص.

كما تلعب استجابة بعض الأفراد لضغط المحيط الإجتماعي دورًا في زيادة الإنجاب؛ إذ تأمل (ميساء) السيدة الثلاثينية بأن تُرزق بصبي، يكون عونًا لبناتها الستة، حسب قولها، وليخفف عنها حجم الضغط النفسي الشديد الذي تشعر به، من عائلة زوجها الذين يلحّون عليها بمواصلة الإنجاب، لكي يأتي الذكر (الذي سيحمل اسم أبيه). تقول لـ (جيرون): “أحب بناتي كثيرًا، لكني أشعر بالحزن؛ كلما سمعت دعوة من أي أحد، يتمنى لي فيها بأن أرزق بصبي، وهذا ما يدفعني إلى التفكير بالإنجاب مجددًا”. على العموم، هناك تمسّك من قبل اللاجئين المنحدرين من مناطق ريفية، بفكرة تكوين عائلة كبيرة، والتباهي بكثرة الأبناء.

إضافةً إلى الأسباب السابقة، هناك عامل مهم يتعلق بالحرب الدائرة في سورية. ففقدان العديد من العائلات لأبنائهم، خلال الحرب، ولّدَ لديهم رغبة في تكثيف الإنجاب؛ لتعويض الذين استشهدوا.

بالنسبة إلى المناطق المحاصرة التي تعاني من شح في الأدوية وكل ما يتعلق بالخدمات الصحية، كالغوطة الشرقية بريف دمشق، فإن الوضع مختلف. حيث إن عدم توفر موانع الحمل ساهم في زيادة الإنجاب، على الرغم من الظروف المعيشية السيئة. تقول الآنسة (نعمات)، من مركز تمكين المرأة في الغوطة الشرقية، لـ (جيرون): “كثير من النساء يحملن بالرغم من عدم رغبتهن في الإنجاب. وهنا تبدأ المشكلة؛ ذلك أنّ الأم معرضة للإجهاض، بسبب قلة التغذية، والجنين معرّض للموت بعد ولادته، بسبب عدم توافر العناية الطبية اللازمة”.

الرجل يتخذ القرار

غالبًا ما يتخذ الرجل قرارَ استخدام أو عدم استخدام وسائل المنع، بل إنه يقرر نوع الوسيلة، في بعض الأحيان. حيث تتحدث كثير من السيدات بأن أزواجهن يرفضون استخدام الواقي الذكري، لأنه يؤثر على إحساسهم بالنشوة. وتسود كثير من المفاهيم الخاطئة، حول طرق استخدام موانع الحمل، منها أن استخدام “اللولب” يسبب إزعاجًا للرجال، خلال ممارسة العلاقة الحميمة، لذلك تمتنع العديد من النساء عن استخدامه، تلبية لرغبة الزوج. وهناك مفاهيم خاطئة شائعة، بين النساء أيضًا؛ فبعض النساء يعتقدن أن استخدام حبوب منع الحمل يسبب الإصابة بمرض السرطان أو العقم، إن تمّ استخدامه فترة طويلة.

أزمات صحية واقتصادية

تنعكس مخاطر تعدد الإنجاب على الواقع الصحي والمعيشي، سواء للأم أو الطفل. وتتحدث الطبيبة ماجدة حميد عن المشكلات الصحية التي تتعرض لها النساء قائلة: “الظرف المادي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالوضع الصحي للزوجة. بمعنى أنه عندما لا تحصل المرأة على التغذية اللازمة، بسبب الوضع المادي السيئ للأسرة؛ سينعكس ذلك على صحتها خلال فترة الحمل. صادفت حالات لنساء تسبب نقص التغذية لديهن بضعف قدرة المبايض على إنتاج بويضات سليمة. والسيدات اللواتي لا يتلقين العناية الصحية والتغذية المناسبة يكنّ أكثر عرضة لمخاطر النفاس بعد الولادة، ولا سيّما إذا ترافق ذلك مع نزف شديد”. وترى الطبيبة أن من الضروري أن يكون هناك فترة، تراوح بين 2 إلى 3 سنوات، بين كل طفلين؛ لكي يستعيد جسم المرأة صحته ولياقته.

تعتقد الدكتورة ماجدة أن استخدام وسائل منع الحمل حاجة ضرورية؛ لأنها تمنح الزوجين الحق في اختيار عدد الأطفال، بما يتلائم مع الظرف والبيئة التي يعيشون فيها، وتسهم في تقليل مخاطر الإجهاض غير المأمون، لا سيما بالنسبة إلى الفتيات الصغيرات.

الإنجاب العشوائي، وانعكاسه على الوضع الاقتصادي للأسرة، ينتهك حقوق المرأة في الحصول على الرعاية الصحية والطبية اللازمة، بحسب البند الثاني من المادة (25) لإعلان حقوق الإنسان. إضافة إلى انتهاك حق الأسرة بأكملها في الحصول على مستوى معيشة لائق، على صعيد المأكل والملبس والرعاية الصحية، بحسب البند الأول من المادة (25). فتنظيم الأسرة حق إنساني وعامل محوري، بالنسبة إلى المساواة في النوع الاجتماعي.

وينعكس حق الأبوين، في تحديد عدد مرات الحمل، على نمط حياة الأطفال صحيًا ومعيشيًا وتعليميًا. فحسب إحصاءات لوزارة التعليم التركية، هناك 359 ألف طفل سوري في تركيا غير ملتحقين بالمدارس، من أصل المجموع الكلي لعدد الأطفال البالغ 972 ألف طفل. أغلب هؤلاء الأطفال دخلوا سوق العمل، لعدم قدرة الأهل على الإنفاق؛ ففي المدن التركية المكتظة بالسوريين باتت رؤية الأطفال المنتشرين على الطرقات وعند إشارات المرور لبيع أكياس المحارم أو البسكويت أمرًا شائعًا. ومعظم هؤلاء لم يتجاوزوا سن العاشرة. وهذا يُعدّ انتهاكًا لحق الطفل في الحصول على التعليم، بحسب البند الأول من المادة (26) لإعلان حقوق الإنسان.

غياب التوعية

معظم الجمعيات والمنظمات الموجودة في تركيا، ولا سيما تلك التي تُعنى بشؤون المرأة، تقتصر خدماتها على تقديم الدعم النفسي من آثار الحرب، إضافة إلى تعليم النساء بعض المهن والحرف اليدوية، لتمكينهن من إعالة أطفالهن وأسرهنَّ. لكن هناك غيابًا واضحًا للمبادرات والحملات التوعوية التي تهتم بنشر الوعي لدى النساء والأزواج عمومًا، بخصوص تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية.

يتفق الدكتور فراس جندي، وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة، مع أهمية التوعية بقضايا تنظيم الأسرة. يقول موضحًا لـ (جيرون): “مسألة تنظيم الأسرة باتت حاجة ضرورية، لا سيما بعد عدة سنوات من الحرب والنزوح واللجوء. ومع أننا نمتلك الرؤية والرغبة في تنفيذ برامج وحملات توعية، لكننا -للأسف- لا نمتلك الإمكانات المادية لتنفيذها. وحتى الآن، لا توجد مراكز تهتم بالصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة، سواء في المخيمات أو خارجها”.

يوضح الدكتور جندي أن الواقع المأسوي الذي تعيشه سورية جعل اهتمامهم وإمكاناتهم تتركز على العناية بالإصابات الحربية. وعلى الرغم من أهمية نشر التوعية، بخصوص تحديد الإنجاب، فإن وزير الصحة يعترف بأن هذا الأمر ليس من أولوياتهم في الوقت الحالي.

مسؤولة وحدة الرعاية الطبية والصحة الإنجابية، في اتحاد منظمات الرعاية والإغاثة الطبية (ussom)، صرحت لـ (جيرون): “لا توجد لدينا أنشطة في تركيا، بخصوص هذا الموضوع. بالنسبة إلى سورية، لا يقوم عمال الصحة المجتمعية بنشاط توعوي واضح ومباشر، بسبب حساسية هذا الموضوع، يتم الأمر بشكل غير مباشر في مراكز الرعاية الصحية الأولية، من خلال القابلة التي تقدم مشورات حول تنظيم الأسرة (المباعدة بين فترات الحمل، التأثيرات الصحية.. إلخ) ويتم إعطاء الراغبين فقط وسائل لمنع الحمل.

بالنسبة إلى نورما، وهي (عاملة مجتمعية) لبنانية، عملت مع العديد من المنظمات الدولية التي تُعنى بشؤون اللاجئين، ومنها منظمة العمل الدولية في مناطق (عرسال، بعلبك، مشاريع القاع، هرمل، اللبوة)، يُعدّ الحديث مع اللاجئين في هذا الأمر بشكل مباشر مخالفًا لشروط وقوانين عملها. وتوضح لـ (جيرون): “نحن نعمل مع الأشخاص، ضمن واقعهم وبيئاتهم ومعتقداتهم الدينية، ولا نستطيع التدخل بمسألة تعدد الولادات؛ لأن هذا يُحسَب تدخلًا في ثقافتهم وعاداتهم. إضافة إلى أنه يخلق حواجز وشعورًا بعدم الارتياح، بيننا وبين الشخص المستفيد من خدماتنا. وكل ما نستطيع فعله هو لفت نظرهم، أو إخبارهم بعناوين المراكز التي تقدم وسائل منع حمل واستشارات صحية، ولهم حرية القرار.

على الرغم من إقرار (ميساء) بأنها ستتوقف عن الحمل بمجرد إنجاب الصبي؛ لكنها عادت واعترفت بأنها غير واثقة، إن كانت ستكتفي بصبي واحد أم ستفكر بإنجاب أخٍ له!

الحمل والولادة

الحمل والولادة

*أنتجت هذه القصة الصحافية، بدعم من منظمة (صحافيون من أجل حقوق الإنسان) الكندية، وصندوق الأمم المتحدة للديمقراطية.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015