هدى عباس/ayyamsyria- يأتي كتاب “التذكير والتأنيث/الجندر”، الصادر عن المركزُ الثقافيُّ العربيّ، في العام 2005، ضمن سلسلةِ “مفاهيم عالمية”، ليناقش قضية النوع الاجتماعي من وجهات نظر مختلفة، لثقافات مختلفة.

تم اختيار مصطلح “الجندر” ليكونَ موضوعَ هذا الكتاب، وضم الكتاب ست مقالات مختلفة، لست باحثات من ثقافات مختلفة، هنَّ؛ (رجاء بن سلامة من تونس، دروسلا كورنل من الولايات المتحدة، جنفييف فريس من أوروبا، سيمانتيني نيرانجانا من الهند، ليندا ولدهام من جنوب إفريقيا، ولي كسياو-جيانج من الصين).

وجاءت الدراساتٍ متنوّعة، وغنية لعدة أسباب:

1/ اختلافُ الخلفيات الثقافية للباحثات.
2/ اختلاف الجغرافيا التي تم رصد المصطلح فيها.
3/ اتساعِ حقول المصطلح المختار ومجالات بحثه.
مما أدى إلى تعدد الزوايا التي خضعَت من خلالها القضية المناقشة للبحث.

“إفراط الجندر” ورجاء بن سلامة

ركزت رجاء بن سلامة في مقالتها “إفراط الجندر” على الجانب الحقوقي من القضية في البلاد العربية، وهي في ذلكَ تتقصَّى تعريف المفهوم (وما يندرجُ تحته من قضايا المساواة والمثليين والمخنثين وما أشبه) في خطاب السلطتين (الدينية والسياسية) في تراث العرب وحاضرهم، كما تعرضُ بحثاً لُغوياً ينتهي إلى انتقادٍ حادٍ للأنظمة القمعية العربية.

دروسلا كورنل في “نشأة مفهوم الجنس ومحنه في الولايات المتحدة”

تَتَتّبعُ دروسلا كورنل في “نشأة مفهوم الجنس ومحنه في الولايات المتحدة” نواةَ هذا المفهوم الأولى وتطورهُ فيما بعد ليشملَ قضايا أوسع من المساواة بينَ الجنسين، ويتقاطعَ مع نقاطٍ حساسة في النظام القانوني والأخلاقي الأمريكي.. مُحدِثاً بذلك إشكالياتٍ تتعلقُ بمفاهيم العرق والجنس والحرية والهوية في مجتمعٍ متنوِّعِ العرقيات خاضَ صراعاتٍ لإرساءِ مفاهيمَ مثالية ثابتة.

دلالاتٍ المصطلح وما تثيره من إشكالاتٍ

أمَّا مقالتَيّ جنفييف فريس وسيمانتيني نيرانجانا “تأييداً لنوعِ الجنس” و”الجنس في وجهيه الخاص والعام” فتُخضِعان للدراسةِ الكلمةَ – بما هيَ نواةُ مفهومٍ ومفتاح بحث- وما تحتمله من دلالاتٍ وتثيره من إشكالاتٍ تبلغُ حدَّ التناقض. تُقدِّمُ فريس بحثاً فلسفياً شيقاً، في حينِ تموضعُ نيرانجانا “الجندر” أكثر في محيطهِ الثقافي الهندي وتستعرض القضايا التي يثيرها مثل المساواة وعمل المرأة وكيفية تناول جسدها.

لي كيسياو-جيانغ تجرّدُ المفهوم من زيِّه الأوروبي في “جسمانية الجنس المجتمعي”

تمتازُ المقالةُ “جسمانية الجنس المجتمعي” لـ لي كيسياو-جيانغ بصبغته الصينيةِ القوية، فالباحثةُ تجرّدُ مفهوم التذكير والتأنيث تماماً من زيِّه الأوروبي حيثُ نشأ، وتعيدُ تكوينهُ في مجتمعها الصيني مبينةً من خلال ذلك ماهيته في الذهنية الشعبية معَ ما يجرُّه ذلك من فهمٍ مختلفٍ لطبيعةِ العلاقةِ بين الجنسين.

ليندا ولدهام وبحث أنثروبولجي “الجنس، والسلالة، والمواطن الأصلي”

ويختتم الكتاب بـ “الجنس، والسلالة، والمواطن الأصلي” لـ ليندا ولدهام، وفيه تخصُّ بالدراسةِ مدينةً ريفيةً صغيرة تُدعى “غريكاتاون” في إفريقيا الجنوبية، جاعلةً من الجنس والوضع الاجتماعي موضوعي بحثِها الرئيسين. وتعرِّفُ في بحثها الأنثروبولجي سلّمَ العلاقات المختلفة في هذه المدينة التي يُشكِّلُ الانتماء مفردةً رئيسةً في عُرفها وإليهِ تحتكمُ علاقات الرجال والنساء فيما بينهم وبين بعضهم البعض.

رغم أهمية هذه المبادرة، إلا أن اتساعَ المفهوم وما استتبعَ ذلك من اختلاف زوايا البحث لم يخدِم هدفه كثيراً، إذ يصعبُ والحالُ كذلك إجراء مقارناتٍ سليمة وعادلة بين الثقافات والوقوع على نقاطِ التشابه والاختلافِ بينها.

ففي حينِ لا تستدعي “الجندر” تعريفاً بالنسبةِ للباحثتين الأمريكية والفرنسية لكون أوروبا والولايات المتحدة، مهدَ هذا المفهوم، نجدُ رجاء بن سلامة تقفزُ على تعريفِه إلى قضايا القمع واحتكار الكلمة في العالم العربي، وهي همومٌ مشتركة تفرضُ نفسها بكثرةٍ على الأقلام العربية، وهي في ذلك ترسّخ فكرةَ تخلف العرب باستقرائها للتراثِ وسحب استنتاجاتها على العقلية المعاصرة، أمَّا مقالةِ جيانغ الصينية فتنطوي على اعتزازٍ بهويتها إذ تُصرِّ على تشكيلِ المصطلح ضمنَ إطارٍ صينيٍّ بحت.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.