كيف تعيش “سوريّات” وسط كل هذا العنف؟
أب متحرش وأخ عنيف وزوج مدمن… كيف تعيش سوريات وسط كل هذا العنف؟

سهى كامل/Raseef22- تنتظر لمياء (اسم مستعار) أمام ديوان المحكمة الشرعية في مدينة اللاذقية، أن تسمع صوتاً من داخل الديوان يناديها، لتحصل على ورقة وفاة زوجها المخطوف منذ سبع سنوات، تضع ساقاً فوق ساق تشعل سيجارة، تقول: “دعيت عليه يروح وما يرجع.. راح وما رجع”.

“كان أخي الأكبر يضربني، عندما تزوجت تولى زوجي المهمة”، توجز لمياء (47 عاماً)، تعمل مدرسة، حياتها بهذه الكلمات. تسحب لمياء نَفَساً من السيجارة، وتشرح: “منذ بداية زواجي تعرّضت للضرب، كان يضربني من أجل النقود، ثم يضع حججاً تافهة تبرر فعلته، يريد نقودي وعندما أرفض أن أعطيه يضربني، عمله نجّار باطون، في أعمال البناء، دائماً كان جيبه فارغاً”.

كسر بالفك السفلي، وفي عظم الحجاب في العين، ارتخاء في عضلات الحاجب، فتق لجرح عملية القيصرية، نزيف بالأذن الوسطى والتواء في عظمة الأنف، هذا ما سببه الضرب الذي تعرضت له لمياء من قبل زوجها، الذي كان “عنيفاً جداً”، أفقدها الوعي مرة، وبقيت في المستشفى ثلاثة أيام، تقول: “ضربني بقوة على كافة أنحاء جسدي، فقط لأنني تأخرت في تحضير طعام الغداء نصف ساعة”.

لم تجد لمياء ملجأ لها من عنف زوجها، قانونياً أو اجتماعياً، تقول: “كنت في كل مرة أشتكي لأمي ما يفعله بي، تُجيبني: معلش يا بنتي ما إلك غير بيت زوجك، كلنا أكلنا ضرب، نارو ولا جنة أهلك، ما عنا بنات مطلقات. وكان أخي الأكبر يضربني كلما طلبت الطلاق، يهددني أنه سيحرمني من عملي ويمنعني من الخروج، كنت أستكين واسكت”.

اختفى زوج لمياء خلال موجة الخطف التي مرت بها سوريا في العام 2013، ولم يعد أبداً، هي اليوم تنتظر أن يعطيها القاضي ورقةً تثبت وفاته، لا تهتم لمياء بعودته، العنف الذي تعرّضت له أفقدها أي إحساس تجاهه، إنها فقط تريد هذه الورقة لتضمن البقاء في منزلها مع أولادها الأربعة.

“لست مومس يا أبي”

في ريف اللاذقية، يتجلّى الفقر الشديد الذي عاشته راما (اسم مستعار)، في أشكال عدة، كان أكثرها قسوةً وإيلاماً تحرّش والدها بها، وهي في عمر الـ 4 سنوات، تقول لرصيف22: “نشأتُ وكبرت في بيئة ملوّثة، وفي منزل أخاف أن أنام فيه بمفردي مع أبي، كنت دائماً أقول لأمي: لا تتركيني لوحدي في المنزل معه”.

عرفت راما التحرّش منذ كانت صغيرة، وتصف ذلك لرصيف22: “كان أبي يحاول أن يلمس عضوي التناسلي، يحملني ويضع يده على صدري، يأخذني إلى فراشه بحجّة أنه يريد أن يساعدني على النوم”.

قاومت راما ولم تستسلم لتحرّش والدها الذي كان يضربها كلما رفضته، تقول: “بعد أن كبرتُ قليلاً وفهمت ما الذي يفعله والدي، بدأتُ المقاومة. كنت أرفضُ أن يقترب مني، وفي كل مرة أرفض أتعرّض للضرب المبرح، تبقى آثار الكدمات على جسدي أياماً وليالي”.

كان والد راما يضرب زوجتيه اللتين تعيشان في المنزل ذاته، ويضرب بناته الثلاث، وبعد أن تزوّجت راما في عمر الـ18 عاماً، كان نصيبها زوجٌ عنيف مدمن على المشروبات الروحية. عندما يسكر يضربها بقسوة، ويطلب منها أن تُمارس معه الجنس بعد كل مرة يضربها، رفضت راما عنف زوجها وقفت في وجهه ومنعته من الاقتراب منها كما تقول.

تُكملُ راما حديثها: “كلما طلبت نقوداً، يجيب إن ذلك يتوقّف على ما سأقدمه له في الليل فوق الفراش، شعرتُ أنني مومس أحضرني من الشارع، لم أشعر يوماً أنني زوجته، كلما طالبته بواجباته تجاه المنزل وبناته كان يضربني، إلى أن ثُرتُ عليه أخذت ابنتيّ وغادرنا المنزل”.

وتضيف راما: “أما أبي فلم أستطع أن أشتكي عليه في المحكمة، رغم كلّ العنف والقسوة التي تعرّضنا لها أنا وإخوتي البنات، خوفاً من الفضيحة وكلام الناس، قلقنا على سُمعة إخوتنا الشباب الثلاثة، كلهم تزوّجوا، ماذا ستقول زوجاتهم؟ أبٌ يتحرّش في بناته؟ أيضاً حرصتُ على ألا تعلم ابنتاي حقيقة جدّهما، لذلك فضّلتُ السكوت”.

تعاني راما، التي أصبح عمرها الآن 36 عاماً، من اكتئاب شديد، ارتفاع في ضغط الدم وخمول عام في الجسد، لكنها تشعر أنها أفضل حالاً. تركت زوجها وافتتحت محلاً لبيع الألبسة الأوروبية المستعملة، تقول: “قطعتُ علاقتي بأبي، المرة الأخيرة التي تحدّثت فيها معه، قلت له لو أنني فعلت ما تريد مني؛ لأصبحتُ أشهر مومس في هذه المدينة”.

تختم راما قصتها واصفةً مشاعرها: “لم أشعر بالحب يوماً، كل ما حصلت عليه هو الإهانة والتحرّش والتعنيف، لكنني سعيدة بحياتي الجديدة مع ابنتيّ، سأعلمهما حبّ الحياة. لن أسمح أن تعيشا ما عشته”.

“لمن أشتكي؟”

حصلت ميسون (اسم مستعار) على طلاقها أخيراً، بعد أن عاشت 17 عاماً مع زوج يضربها كل يوم، انتهزت ميسون فرصة دخوله إلى السجن بجرم الدعارة، ورفعت دعوى تفريق، نالت حريتها بعد سنوات من الحياة الزوجية المليئة بالقسوة والضرب والتعنيف.

تقول ميسون، من مدينة حلب منطقة المرجة، لرصيف22: “تزوّجت بعمر 13 عاماً، كان زوجي قاسياً يضربني بالخرطوم، كنت أتألم كثيراً من ضرباته، جسدي لم يعد قادراً على الاحتمال”.

زوج ميسون منعها من الخروج من المنزل. كان يقفل الباب عليها ويذهب، تقول لرصيف22: “لم أرَ شيئاً من هذه الحياة من منزل أهلي إلى منزل زوجي، مهمتي فقط خدمته وتلبية رغباته الجنسية وتحمّل ضرباته، كنتُ مستكينةً إلى أبعد درجة، أمارسُ معه الجنس بعد أن يضربني لأنني لا أقوى على قول لا”.

تشرح ميسون: “لمن أشتكي؟ لا أم لدي ولا أب ولا أخوة. ماتوا جميعاً. إن قدّمت شكوى ماذا سيفعل بي؟ أين سأنام؟ ماذا سأعمل؟ وأنا لم أدخل المدرسة يوماً ولا أعرف القراءة، كما لم أتعلّم أي مهنة تسندني في هذه الحياة”.

وتضيف ميسون: “التزمتُ الصمت والصبر على تعنيفه وضربه، إلى أن جاء اليوم الذي أخذته فيه الشرطة منذ عدة أعوام، ودخل السجن بجرم الدعارة، عندها أدركتُ أنه لن يستطيع أن يؤذيني وهو في السجن، فطلبتُ الطلاق وحصلتُ عليه. أعملُ اليوم في تنظيف المنازل، آثار الكدمات اختفت عن جسدي، لكنها مازالت جرحاً عميقاً في قلبي لابد أن يندمل مع الأيام”.

“أبلغتُ الشرطة”

أما نادين (اسم مستعار) فسيدة قاومت العنف الذي تعرّضت له من زوجها وثارت حتى النهاية، ضربته ودفعته عنها وحصلت على طلاقها، بحسب حديثها لرصيف22.

عمر نادين الآن 31 عاماً، تزوّجت عندما كان عمرها 23 عاماً، ظنّت أن الحياة سعيدة، وأنّ زوجها سيعوّضها عن معاناتها مع أخيها الأكبر الذي مارس سلطته الذكورية عليها وحرمها من التعليم بعد وفاة والديها، عانت في حياتها الزوجية من الضرب، لم تسلم من عنف أخيها ولا زوجها.

لكن نادين لم تستكن، وفي إحدى المرات ضربها زوجها بصحن السجائر، كاد أن يحرمها من النظر، سارعت إلى قسم الشرطة في مدينة حلب، وقدّمت شكوى ضده، ثم إلى المحكمة التي حوّلتها إلى الطبيب الشرعي ليعاينها، وأوقفت زوجها الذي اختبأ لعدة أيام قبل أن توقفه الشرطة.

تقول نادين لرصيف22: “لو أن كل سيدة تتعرّض للضرب والتعنيف تشتكي إلى قسم الشرطة؛ لن يتجرؤوا على ضربنا! رغم أنه لم يدخل السجن، لكن بعد أن اشتكيتُ، كان يخاف أن يضربني، وعندما يضربني يحاول ألا تظهر آثار عنفه على جسدي، خوف أن أتقدّم بشكوى ضده”.

تضيف نادين: “لم أحصل على تعليم، فقط درستُ إلى الصف السادس الابتدائي، ليس لدي عمل، لكن لم أستطع أن أحتمل ضرباته وإهاناته وشتائمه، أخي زوّجني ليستريح من مصروفي ورماني في النار، لكن الآن حياتي أفضل، لابد أن ألتقي برجل يحبّني ويحترمني، هكذا أفكر، الحياة لم تنتهِ بعد”.

“تدخّل الدولة لحماية الأسرة”

تعلّق المحامية رهادة عبدوش، لرصيف22: “لا تُوجد مادة في قانون العقوبات السوري تتعلّق بالعنف الأسري، ولا العنف ضدّ المرأة والأطفال، توجد فقط مادة تتعلّق بالضرب والإيذاء، وهي مادة عامة لا تخصّ الزوجة أو الأطفال أو أفراد الأسرة، ولا يُحبَس المجرم إلا أن كان هذا الضرب مؤدّي إلى عاهة دائمة أو إيذاء وتعطّل عن العمل فوق الـ20 يوماً، وهذا يحدّده الطبيب الشرعي”.

تعود أسباب العنف ضدّ المرأة في سوريا لجملةٍ من العوامل، منها مرتبط بالمجتمع والزواج المبكر، وبالفقر ورغبة العائلة بتزويج ابنتها لتصبح تابعة لزوجها، أيضاً القانون الذي لا يحاسب المجرم إلا إذا كانت الأذية واضحة على جسد الضحية، لذلك لابد، بحسب عبدوش، من تدخّل الدولة لحماية الأسرة بأكملها وليس المرأة فقط.

ولا تلجأ الزوجة إلى النيابة العامة لتقديم الشكوى لأنها لا تستطيع حماية نفسها من زوجها، أهلها أو المجتمع، ولا توجد في سوريا مراكز لرعاية المرأة، بعد إغلاق مركز هاتف الثقة، مركز هيئة الأسرة ومركز تطوير دور المرأة، تم إغلاقها جميعاً منذ عامين، بحسب المحامية عبدوش.

ولا توجد إحصائيات حول عدد النساء المعنَّفات في سوريا، بحسب المستشار الإقليمي لقضايا المساواة بين الجنسين، في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة “الايسكوا”، أكرم خليفة، الذي صرّح لصحيفة “الوطن” منتصف العام السابق أن نسب التعنيف ضدّ السوريات زادت.

أب متحرش وأخ عنيف وزوج مدمن… كيف تعيش سوريات وسط كل هذا العنف؟

أب متحرش وأخ عنيف وزوج مدمن… كيف تعيش سوريات وسط كل هذا العنف؟

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015