لبنان: النساء ملأن الطرقات للتطوُّع لكنَّ طاولة ماكرون لم تتّسع لهنّ!
ماكرون وامرأة لبنانية خلال زيارته لبيروت عقب الانفجار

فرح البعيني/annahar- هبّت شريحة كبيرة من اللبنانين بعد “انفجار الموت” لإنقاذ ما تبقى لنا في هذا الوطن، فانتشروا أينما كان، ورصّوا الصفوف للبدء بمعركة الحياة في مواجهة كل معارك الإلغاء. المشهد كارثي، لكن حضور النساء والمجموعات الشابة بشكل خاص شكّل ظاهرة تعودنا عليها بشكل دائم على الأقل منذ الأشهر الماضية حتى اليوم. فمنذ فترة ونساء لبنان يخترن الصفوف الأمامية لمواجهة الكوارث التي تجابهنا: أفكار نيّرة، تضامن وقوة وقدرة تنفيذ على أرض الواقع بشكل فعّال. لكن النساء اللواتي إنشغلن بإعادة ترتيب البيت اللبناني والمبادرة في ظل غياب النظام والدولة لم يفلحن في الحصول ولو على كرسي واحد على طاولة القرار التي استضاف فيها ماكرون “أمراء الطوائف”.

فبعد كل ما حصل، فشلت هذه الطاولة بجمع الشرائح الأكثر حاجة والأكثر إقصاءً عن مراكز صنع القرار كالنساء، وجلّ ما فعلته هو جمع أمراء حرب سابقين وممثلي لطوائف لحلّ قضية تعني الجميع إلا هؤلاء المعروفين بتاريخهم “الناصع”.

فالسؤال اليوم:

لماذا نطرح ضرورة حضور المرأة في هكذا ظروف صعبة تمرّ بها البلد؟

تُجيب جمانة زباني منسقة المشاريع في هيئة الأمم المتحدة للمرأة، “النهار” عن هذا السؤال، معتبرة أن تغيير وضع المرأة في لبنان اليوم مهم جداً، لأن دون تغيير مسار نظرة المجتمع لدور المرأة لا يمكننا أن نغير شيئاً على صعيد البلاد ككل. فالدراسات أثبتت عالمياً أن إشراك المرأة في مراكز صنع القرار وفي العمل السياسي ضروري لنجاح عمليات السلام على المدى الطويل. فالمشاركة المتساوية بين الجنسين تؤدي إلى تحقيق سلام طويل الأمد ودائم بعد الصراعات. ومن هنا تشدد زباني على ضرورة التركيز على مشاركة النساء من ناحية العدد في كل شيء سياسي ومن ثم عندما يأتي الموضوع للمشاركة حسب النوعية عندها يتنافس الرجال والنساء بشكل متساوٍ بناءً على الخبرات.

وتأتي آراء العديد من النسويات والباحثين اليوم لتكمّل هذا الرأي، حيث يجب وضع حضور المرأة أولوية لأنه بشكل أساسي لا يجب أن يتم إفراغ الخطاب النسوي من المضمون السياسي. وكذلك لأنه لا يمكن الكلام عن دولة ديمقراطية دون الحديث عن تحقيق عدالة بين الجنسين، كما لا يمكن الحديث عن دولة ودستور مدني دون أن نلحظ الإطار نفسه. وفي النهاية لا يمكن تحقيق العدالة الإجتماعية التي نسعى إليها اليوم إذا تمّ إقصاء النساء عن العمل السياسي.

كيف نضمن مشاركة أكثر للنساء اللبنانيات في مراكز صنع القرار؟

يشهد النظام اللبناني اليوم حالة صدمة كبيرة، وبالتالي إذا أردنا أن نتطلع قدماً إلى مشاركة النساء بشكل جدّي بعيداً عن الزخرفات الإعلامية للأحزاب السياسية الحالية، علينا أن نتوقف عن التهليل لمشاركة المرأة الخجول الذي أصبحت السلطة تقدمه لنا دون أي مساواة أو معايير، فقط لركوب موجة الكوتا وزيادة صورة الحضور النسوي على صفحاتهم الملطخة بالكثير من المؤامرات.

فحليمة قعقور الناشطة السياسية والدكتورة في القانون الدولي تعتبر أنه في ظل النظام الحالي من الطبيعي أن تكون هذه النتيجة، لأنه ليس هناك من آليات ديمقراطية شفافة وتعتمد على الكفاءة، إنما ترتكز المشاركة في صنع القرار على العائلية والطائفية، وبالتالي زعيم العائلة رجل وزعيم الطائفة رجل. وأن وجود هذه المعايير يمنع المرأة من أن تكون في مركز اتخاذ القرار. وإذا جرى تعيينها من قبل هذه الأحزاب، يأتي ذلك ليخدم المشروع الأساسي الأبوي وليشكل واجهة لهذه الأحزاب.

والحلّ بالنسبة لقعقور يكون عبر إنشاء أحزاب جديدة عابرة للطوائف، حيث تستحدث آليات تفضي إلى مشاركة النساء والشباب والفئات المهمشة بمراكز صنع القرار، وهذا يتطلب تثقيفاً سياسياً وتعبئة جديدة، حيث يكون لهذه الأحزاب سبل ديمقراطية ليدخل الجميع بمعركة متساوية تنتج طبقة فيها الجميع ومختصة بصنع القرار.

أما زويا جريديني مديرة منظمة كفى فتطرقت إلى أمر عميق وقد يساهم بحلّ هذه المشكلة، إذ اعتبرت أنه لكي يصبح لدينا بلد ديمقراطي يجب تغيير الكثير من الأنظمة الذكورية الرجعية، مثل قوانين الأحوال الشخصية التي تكرّس سلطة الرجل على المرأة وتضعها في موقع دوني وتطلب منها طاعة الزوج. ووصول المرأة إلى مراكز القرار يحتاج إلى تحقيق المساواة والعلاقة التشاركية في داخل الأسرة ليعود وينعكس على المجتمع بشكل عام. وتختم جريديني أن إلغاء النظام الطائفي وإقرار قانون مدني وتعديل قوانين الأحوال الشخصية يجب أن ينتج عقداً إجتماعياً جديداً، وهذا ما سيكرّس وجود المرأة في المراكز على المدى الطويل. إلا أن الصراع طويل ويحتاج إلى الكثير من الوقت والتضحيات.

درب الجلجلة سيكون طويلاً، لكن قدرة النساء اليوم على مواجهة الصعاب التي تواجهنا منذ أسبوع حتى اليوم تبشر بالأمل، أمل بغد أفضل هنا في أرضنا بعيداً عن أمراء الطوائف في بلد تمثّل فيه كافة شرائح المجتمع من شبابه إلى نسائه إلى كل الفئات المقصيّة.

ماكرون وامرأة لبنانية خلال زيارته لبيروت عقب الانفجار

ماكرون وامرأة لبنانية خلال زيارته لبيروت عقب الانفجار 

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015