سلمى الديب/ Raseef22- ضغطة زرٍّ بسيطة على محرّك البحث غوغل ستكتشف فضائح عمرو وردة واتهامه بالتحرّش الجنسي، الأمر لا يُخفى على أيِّ شخصٍ يستطيع أن يستخدم الإنترنت عموماً، لكن:
من يصدّق فضائح التحرّش؟
من يُقرّ بقضايا التحرّش عندما تحكي عنها النساء؟
هل تغيّر اتهامات التحرّش أيَّ شيء؟
تحكي لي صديقتي عن التحقيق الذي حُوّلت إليه بسبب منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، تقول فيه إن دكاترة الجامعة يمكن أن يكونوا متحرّشين، إثر حادثة اتهامٍ لدكتورٍ جامعي في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، تستطرد في الحديث قائلةً إن التحقيق كان بسبب الإساءة لأعضاء هيئة التدريس، ذكور وإناث غضبوا من منشور يدين ذَكَراً، بالرغم من وجود الأدلّة والفيديوهات التي تثبت صحّة اتهامه بالتحرّش، إلا أن فعل الإنكار هو السمة الرئيسيّة لأغلب حوادث التحرّش في المجتمعات العربيّة.
عندما تقرّر أيُّ أنثى من العالم العربي تحديداً، أن تكتب على مواقع التواصل الاجتماعي عن حادثة تحرّش حدثت لها أو لغيرها، يُلقى اللوم عليها، بلا أيِّ تحرٍّ للدقّة في الحادثة، قد توصف أيضاً النساء بالهيستيريا لأنهن يصرّحن بذلك على مواقع التواصل الاجتماعي.
دور السوشال ميديا في فضح المتحرّشين
بدايةً من حركة “أنا أيضاً” التي فضحت الكثير من قصص التحرّش الجنسي داخل هوليوود إلى يومنا هذا، حيث الحديث عن عمرو وردة، وتصدّر هاشتاج #منتخب_المتحرشين و #SalahSupportsSexualHarassment هو دور مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الوعي بقضايا التحرّش لا يمكن إغفاله أبداً، الحديث عن قضايا التحرّش في كلِّ مكان في العالم ووصوله للعالم العربي بسبب مواقع التواصل الاجتماعي، ساعد النساء في العالم العربي على التحدّث عن وقائع الانتهاك والتحرّش التي يتعرّضن لها، لكن ظننا نحن النساء أن ما حدث مع هارفي وينشتاين يمكن أن يحدث في العالم العربي لوردة أو غيره، توقعنا أن يفقد وظيفته كما حدث داخل هوليوود، لكن الحقيقة ليست كما في عالم هوليوود.
حيرة العالم العربي
يقع العالم العربي في حيرةٍ من أمره في تعريف التحرّش، ويقع العالم كلّه في صعوبة إثبات حوادث التحرّش لأنها مبنيّة في أغلب الأحيان على اتهامات وشهادات الناجيات فقط، قد يحدث أن هناك شهوداً، أو أن الكاميرات مثلاً قد سجّلت الأمر، لكن في العالم العربي يختلف الأمر، يوجّه لنا دائماً نحن كنساء سؤال عن تعريف التحرّش؟ ما الخط الفاصل بين الفعل المقبول والفعل الذي يعتبر تحرّشاً؟
التحرّش الجنسي دائماً ما يُربَط بالإساءة الجنسيّة أو الاعتداءات الجنسيّة، وهذا الربط فيه الكثير من الصحّة، ولكن التحرّش تحديداً مربوط بهياكل السلطة أو القوّة، خاصّة عندما يكون الحديث مرتبطاً بقضايا في أماكن العمل أو التوظيف أو الدراسة، يضع مرتكبُ الجريمة الناجيةَ في معضلةٍ أخلاقيّة، إمّا أن تتهمه بالتحرّش وقد تخسر فيها وظيفتها، أو تقرّر السكوت وتقبل الأذى حتى لا يقع عليها اللوم.
يبذل الناس جهدهم في لوم الناجية وتعنيفها، وقد يتطاول الأمر للنيل منها والسخرية من مظهرها، كما حدث في الحادثة الأخيرة للفتاة ماريهان المصريّة التي اتهمت عمرو وردة بالتحرّش، اتهموها أيضاً أنها فعلت ذلك من أجل جلب الشهرة، لكن لم يحاول أيّ شخص تحليل نفسيّة عمرو وردة كمتحرّش، ما الذي يدفع لاعب كرةٍ شهير لتكرار التحرّش الجنسي بالنساء؟
ما هي صفات المتحرّش؟
وبحسب مقال منشور على موقع Psychology Today، فإن المتحرّش لديه صفات أربع، أوّلها ما يعرف بالثالوث المظلم، ويقصد بالثالوث هنا الشخصيّة النرجسيّة والشخصيّة السيكوباتيّة وأخيراً الشخصيّة المكيافيليّة، ومن المعروف عن الشخصيّة النرجسيّة أنها لا تهتمُّ سوى بقدراتها، وتفتقر لأيّ تعاطفٍ أو قدرةٍ على قبول رأي مخالف، لا يهتمّ النرجسيّون إذا كنت تحبّهم أم لا، ولكنهم يهتمّون فقط بأن تراهم أشخاصاً أقوياء يستحقّون الإعجاب، ويبرّر النرجسيّون التحرّش بأنهم محرومون من التجارب الجنسيّة، لا يمكنهم تخيّل الرفض أو أن هناك شخصاً ما لا يريد ذلك الفعل.
أما أصحاب الشخصيّة السيكوباتيّة، فهم لا يسمعون إلا أنفسهم، ويعانون أيضاً من الاندفاع العدواني، أصحاب تلك الشخصيّة يرتكبون التحرّش ليس لأيّ سبب إلّا أنهم يريدون ارتكابه.
أما عن الشخصيّة المكيافيليّة والتي سميت بهذا الاسم نسبةً إلى الكاتب نيكولا مكيافيلي، صاحب كتاب الأمير، والذي يتحدّث فيه عن الفلسفة السياسيّة الحقيرة التي تبرّر دناءة الوسيلة للحصول على الغاية، أي التي تسعى لتحصّل كلَّ شيء مهما كلّفها الأمر.
تخيّل المزج بين الثلاث شخصيّات معاً! الناتج عن هذا المزيج هو الاستغلال والخداع والتلاعب، إلى جانب غضِّ البصر عن مشاعر الآخرين، ناهيك عن جنون العظمة. بعبارة أخرى، وصفة مثاليّة لسمات أيِّ متحرّش جنسي.
أما الصفة الثانية هي التبرير الأخلاقي، ويقصد به هنا أن يبرّر المتحرّش فساده الأخلاقي عن طريق خَلْق نسخةٍ من عالمه الخاص، لا يطبّق عليها المبادئ الأخلاقيّة التي تدينه، بمعنى آخر أن ينفصل الشخص عن بيئته المحيطة لكي يبرّر لنفسه أفعاله المشينة، والتي تسبّب له اللوم في تلك البيئة، وتبرير هارفي وينشتاين لجرائم تحرّشه مثال واضح لذلك، حيث قال هارفي أنه رجل عاش في الستينيات والسبعينيات من القرن السابق، حيث كانت كلّ القواعد المرتبطة بالسلوك وأماكن العمل مختلفة تماماً.
أما الصفة الثالثة فهي العمل في بيئةٍ يسيطر عليها، حيث يُلاحظ التحرّش الجنسي بشكل أكثر في البيئات التي تغلب عليها هيمنة الرجال، مثل الجيش أو أقسام الشرطة أو الجراحة أو الماليّة، لا يمكن الإغفال هنا عن أن كرة القدم لعبة يهيمن عليها الرجال، وأن الجمهور أغلبه رجال، يجرّأ ذلك المتحرّش على الاستمرار في انتهاكاته، لأن آليات الحساب تكون متواطئة في أغلب الأحوال.
أما الصفة الرابعة فهي المواقف العدائيّة تجاه المرأة، الأمر الذي لا يمكن إغفاله أبدا في حالة وردة، بالنظر إلى تاريخه في النوادي التي لعب لها في البرتغال واليونان. حيث تمَّ طرده وفسخ عقده في البرتغال، بعد ما ثبت أنه تحرّش بزوجات اثنين من اللاعبين في المعسكر، أما في نادي باوك اليوناني، فتمَّ فسخ العقد معه، حيث أشير إلى أنه لن يستكمل عقده مع ناديه، بعد اتهامات بالتحرّش.
تنجح الصفات الأربعة في وضع تحليلٍ واضحٍ لشخصية المتحرّش، وتشير أيضاً إلى ضرورة العلاج من قبل أطباء أو معالجين نفسيين. وتفسّر لي بشكل شخصي تماماً، تقاطعيّة هياكل السلطة وموضعي كامرأةٍ تتعرّض للتحرّش بشكلٍ شبه يومي، وتُتهم بالهيستيريا أيضاً، في كلِّ مرّة تكتب عما يحدث لها في الشارع، سأكتب مراراً وتكراراً عن حوادث التحرّش، وعلى من يبرّر الأمر أن يختار شخصيته بين مركبات الثالوث المظلم ويذهب للعلاج.
من يجلب حقوقنا المسلوبة؟
في كلِّ مرّة أرى منشوراً على مواقع التواصل الاجتماعي اسأل نفسي، إذا كان الأمر يُجدي حقاً؟ هل التحدّث عن معاناة الشارع والعمل والجامعة التي نتعرّض لها نحن النساء تفي بالغرض؟
لن تجلب لنا مواقع التواصل الاجتماعي حقوقنا المسلوبة كنساء، لكنها تعكس حقيقة حياتنا، تقرّب للرجال، وللنساء أيضاً، صورةً من الواقع البعيد عنهم، والذي يترفّعون عن قبوله، تؤكّد منشوراتنا عن حقّ النساء بالعدالة وبحرّية التصرّف في أجسادهن، لكنها توقعنا أيضاً في دائرة اللوم التي تمنعنا أحياناً من الكتابة والحديث، لكننا في النهاية مازلنا نكتب، أملاً بمجتمعات أفضل وغير معادية للنساء.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.