ماذا تعرف النسويات عن الحب؟
Joan Snyder, Postmardemgarden, 1995,

أنيا مولينبيلت/ موقع الجمهورية- من منّا لا يتذكرُ مشهد الوداع الحزين في الفيلم الكلاسيكي كازابلانكا؟ ها هما إنجريد بيرجمان وهمفري بوغارت يقفان متقابلين في المطار. هي تعتقدُ أنها ستبقى معه، بينما يصعد زوجها الطائرة. أما بوغارت يرى الأمور بشكل مختلف. يوصل حبيبته إلى طائرة زوجها قائلاً: «عندي عمل يجب أن أنجزه. مشاكل ثلاثة أشخاص صغار ليست سوى هباء في هذا العالم. ستفهمين هذا يوماً ما». تذهب هي ويبقى هو لوحده، لا، ليس لوحده تماماً. بالكاد نلاحظ أن بوغارت يمشي نحو الشمس وبجانبه القبطان رينو.

هذه نهاية حبٍّ كبير من دون أدنى شك، ولكنها بداية لصداقة جميلة بين رجلين. هكذا ينبغي أن تسير الأمور، وهكذا تسير دائماً: النساء يعشن من أجل الحب، والرجال تشغلهم أمورٌ أهمّ. ولا بدَّ أننا سنفهم هذا يوماً.

قال عالم الاجتماع لو برنت في محاضرته «مسائل ساخنة»، التي ألقاها في عام 1989، إن النسويات ألغينَ الحب، وبأنهنَّ غير قادرات على الحب أو فقدان أنفسهنَّ في الآخر. قال: «أنتنَّ أيتها النسويات تخفنَ من الحياة ذاتها»، وسمّانا بخيلات جنسياً، خائفات على تجربتنا الهزيلة ونحميها من خلال تقنين المخاطرة، وتنظيم الشكّ تجاه كل شيء، وتجاه الجميع.

تساءلتُ حينها: ماذا دهى برنت؟ هل هو واقعٌ في حبٍّ من طرف واحد؟ أم أنه ضحية طلاق إشكالي؟ ألم أظن دائماً بأن النساء يشكلنَ الجنس الرومانسي الحالم بالحب في عزّ النهار، بينما رجالُنا منشغلون بقضايا أهم كالحرب والسياسة وكرة القدم. هل تغيّرَ شيءٌ فعلياً؟ ألا تملأ الدموع عيون بيرجمان وهي تنظر من على سلم الطائرة إلى ظهر حبيبها المتلاشي شيئاً فشيئاً؟ أم أنها دخلت طائرتها كمن يقول: «بالناقص!»؟ وكيف ستكون نظرته لو قالت مثله: «عندي عمل يجب أن أنجزه» واختفت؟ سيحتار؟ أم سيكون كمن تلقى لكمةً على أنفه؟

لم يكن برنت على حقّ عندما ادّعى أن النسويات غير قادرات على الحب، وعليه ألّا يقول هذا أمامي أنا بالذات. ألم يقرأ كتابي من دون خجل؟ ألم أكتب فيه عن الحبّ الحارق صفحةً تلو الصفحة؟ أم أنّ السيد برنت ما زالَ يعتمدُ الفكرة القديمة عن الحبّ كسلوكِ خُنوعٍ بَدَهيٍ عند المرأة؟ إذن معه حق، فمع ظهور النسوية ازداد عدد النساء اللواتي لا يرغبنَ بتصغير أهميتهنّ أو محو شخصيتهنّ باسم الحب. كنتُ أتوقع التبادل الحقيقي، وأن يهتم الرجل برغباتي وطموحي وأحلامي كما أفعل أنا تجاهه.

يالي من رومانسية ميؤوس منها ومثالية. صدّقتُ من كلّ عقلي أنه مع النسوية سينفتحُ المجال أخيراً للحبّ الحقيقي، من دون تلاعب كما كنت أرى والدتي تفعل، من دون أكاذيب أو خدع، من دون محاولة الوصول لشيء عن طريق التملق، أو كعائدٍ بديلٍ عن الجنس. ضمن العلاقة الصادقة سيتلقى الرجل مني المساندة في عمله والاحترام كما سأتلقاها أنا منه. كنتُ أتوقَّعُ أن الرجال، أو على الأقل العصريين منهم، سيقدّرون ذلك. ولكن الأمور لم تكن بتلك البساطة.

برنت يلامسُ جانباً من الحقيقة إذن. فالحبّ، أو بالأحرى الحبّ الغيري، لا ينسجم في واقع حياتنا بهذه السهولة مع النسوية. وبالرغم من أننا تكلمنا فيما بيننا كثيراً عن الموضوع، إلا أن ثمة قليلاً من التنظير حول الحبّ بين المرأة والرجل والنسوية.

بحثتُ مرةً في صندوق المصطلحات الورقي التابع لأرشيف الحركة النسوية الوطني. كانوا قد أضافوا مصطلح «الحب» منذ فترة قصيرة، ولكنه حوّلني إلى كلمات أخرى: «الحب، أنظر السلوك الجنسي». ما هذا؟ هل تهتم النسويات بدراسة الدعارة والعنف والجنس ويهملن الحب؟ نحن نعيش الآن في عام 2016 ولم نعد نستخدم صندوق المصطلحات، عندنا غوغل. ولكن حتى في غوغل لا أجد شيئاً يذكر. يبدو أن الحب ما زالَ طفلاً غير مُعتَرَفٍ به في النقاشات والدراسات النسوية، أم أننا أخفيناه ضمن جدالاتنا عن العناية والجنس والعمل المنزلي واختيار شريك الحياة؟ هناك سببان لإهمال الحب في التفكير النسوي. فالحب، أولاً، هو تعلّقٌ وتسليم، وهذا ظاهرياً يعاكس أمثولة النسوية المستقلّة. وثانياً، عند النساء أسبابٌ وجيهةٌ لعدم الثقة: تاريخياً نصيبُ النساء في صفقة الحب أسوأ بكثير من الرجال. الحب المسموح للمرأة يتضمن غالباً فقدان حق التصرف بجزء كبير من حياتها وتسليمه لزوجها، كما أن الحب الحرّ يشكل مخاطرة أكبر للنساء بسبب السمعة واحتمال الحمل. دعونا لا ننسى أن الكلام عن «المرأة الساقطة» كان عادياً جداً أيام شبابي، وأني كنتُ إحدى آخر البنات اللواتي أُجبِرَنَ إلى حدٍّ ما على الزواج جراء حملهن. الرجال هم أرباب الأسرة رسمياً، الأمر الذي سبَّبَ لنا كثيراً من الصداع عندما تُوِّجَت يوليانا ملكةً لهولندا. السؤال كان ماذا نفعل بزوجها برنارد؟ فهو رسمياً ربّ الأسرة، بينما زوجته ملكة البلاد. ألا يعني هذا أن برنارد هو ملك البلاد أيضاً؟ المشكلة تم حلّها في عام 1956 عندما صارت المرأة المتزوجة ذات أهلية، وسُمِح لها بالإمضاء على الأوراق.

ليست المطالبة بالمساواة في الحبّ أمراً حديثاً، لكن مَن يبحث في التاريخ عن النساء القويات اللواتي وجدنَ المساواة في علاقتهن مع الرجل، يستنتج أن هذا يحصل نادراً. في كتابي كازابلانكا، كتبتُ عن نساء موهوبات وعاطفيات في آن واحد، نساء أَمِلنَ الحصول على حبٍّ حقيقي متبادل: ألما ماهلر، كلارا شومان، بيلا فان زاولين، جورج ساند، مرغريت ميد، مارينا تسيتايفا، إيما جولدمان، ماريا كالاس ورومي شنايدر. الخيار مؤلمٌ دائماً: إن فضلّتِ التعامل بجدية مع عملكِ، فالأرجح أنِك لن تجدي رجلاً مستعداً أن يمنحكِ المجال ويساندكِ، كما تساند النساءُ الرجالَ على مدى التاريخ. البديل أن تختاري العيش من دون رجل. لم يكن برنت محقاً، ولكنه لامسَ جانباً حسّاساً. في صراعنا من أجل الاستقلالية يحصل أن يُهزَم الحبّ. وإذا كسب الحب، خسرت موهبة النساء في غالب الأحيان. لا ندري كم من المواهب فقدناها. فقط نعلم أن كلارا شومان، عازفة البيانو الموهوبة والمؤلفة الموسيقية، تخلت عن عملها لأن زوجها لم يحتَمِل، مثلها مِثل ألما ماهلر. لا توجد نساء كثيرات وجدنَ شريك حياة استطعنَ أن يعشنَ معه على قدم المساواة. لم أجد في التاريخ سوى بضعة أزواج، فيرجينيا وولف وليونارد وولف على سبيل المثال.

من خلال أسماء النساء المشهورات التي ذكرتُها منذ قليل، يمكنكم تخمين سنّي (رومي شنايدر؟ ألم تمُت منذ فترة طويلة؟)، وإلى حدٍّ ما الشريحةَ الاجتماعيةَ التي أنتمي إليها. ولكن انبهاري بحيوات المشهورات ليس سوى امتداد لما تقرأه النساء من مجلات أسبوعية كـ «بريفي» و«ستوري» ليعرفن ماذا حلّ بالنساء الأخريات: الملكات والنجمات وزوجات لاعبي الكرة. حبٌّ جديد، كارثة زوجية، خيانة، طلاق، كل هذا لا يُشبِعُ ظمأ القارئات. كم مرة عَشِقَت سيلفي سراً؟ وهل عادت أمبر روس إلى طليقها؟ ها هي شيريل تطلّق للمرة الثانية. ياللمتعة: باتريسيا باي تشتري سيارة باهظة الثمن لشابها الصغير!

ماذا علّنا نبحث في حيوات النساء الأخريات؟ التشابه؟ من جهة نودُّ لو يفوز الحبّ الحقيقي، ومن جهة أخرى نعزّي أنفسنا بأنه حتى المشهورات الجميلات والثريات يواجهنَ مشاكلاً مع الرجال.

الحب قضية نسوية

هل أُصيبت النسويات باليأس من الحب؟ هذا ينطبق على البعض فعلاً. ليسوا مخطئين تماماً أولئك «ضد النسويين» حين يزعمون بأن النسويات هجرنَ الكلام عن الحب. قالت شولاميث فايرستون في 1970 بأن الحب هو فطرتنا وخاصرتنا الرخوة. نحن قادرات على الاستقلالية عندما نكون وحيدات. نفكر حينها بحرية حول الجنس، وقد نجرب الجنس الذاتي أو الجنس من دون ارتباط. ولكن حالما نبدأ بالتفكير بالعلاقة مع آخر، نصبح تابعات لقبول هذا الآخر لنا. وهنا تُوضَعُ استقلاليتكِ التي حصلتِ عليها على المحكّ. الحب هو بحكم التعريف تعلّقٌ متبادل. ولكن كيف سنوازن بين حاجتنا للاستقلالية وحاجتنا للارتباط عندما نبحث عن الحبّ عند الرجل؟

يبدو أن البشر اتفقوا فيما بينهم على أن تنشغل النساء أكثر من الرجال بالحب. انظروا إلى الأفلام النسائية. انظروا إلى روايات الجيب التي تلتهمها النساء والتي يخجل الرجل المحترم أن يُضبَطَ متلبساً بقراءتها في القطار. انظروا إلى مجلات البنات ومجلات الثرثرة. كل هؤلاء الصبايا اللواتي يرغبن بمعرفة مصائر الأميرات والنجمات. لمَ كلُّ هذا؟ هل نحن فعلاً، بالطبيعة، الجنسُ الرومانسي؟

سأحاولُ فهم هذه الأشياء بطريقة مغايرة: كل هذه الرومانسية عبارة عن أدبيات مهنية.

دعونا نستذكر روايات الزمن الخالي، الروايات الفيكتورية الضخمة التي كتبتها النساء وقرأتها النساء. روايات جين أوستن وإميلي برونتي التي ما زالت تعرضُ كأفلام. ماذا كان موضوعها الأساسي بدون استثناء؟ الخيار الذي تواجهه المرأة بين الحب الحقيقي وبين الرجل المناسب. في ذلك العصر لم يكن كيانكِ يعتمد بالدرجة الأولى على ما تنجزينه بنفسكِ، وإنما على الرجل الذي تعيشين معه. يحدد والدكِ منذ البداية إلى أي طبقة اجتماعية تنتمين، وماهي فُرَصكِ في الحياة، وفيما إذا كنت ستضطرين إلى العمل في سن الثالثة عشرة لتساعدي على إعالة الأسرة. ويأتي بعده الرجل الذي ستتزوجينه، والذي سيخطبكِ من والدك. هو الذي يحدد مجرى حياتك، وفيما إذا كنتِ ستحظين بالحَشَم والخدم أو تصبحين خادمة. لا توجد حرية في الحبّ بالنسبة لمعظم النساء في ذلك العصر. ورقتكِ الرابحة هي والدٌ ثري، ولكن مشكلته هي أنه سيحرص على ألا تتزوجي من شخص تحت طبقتكِ الاجتماعية. وعليكِ أن تنتبهي كوريثة له ألا يطمع الرجل بمالكِ. من الأفضل أن تكوني جميلة، فهذا حريٌّ أن يجعل الرجل يتنازل ويتزوج بامرأة ليست من مستواه.

الأمور لم تعد بهذه الفجاجة. ولكن الناس ما زالوا يتزوجون ضمن طبقتهم الاجتماعية، وبقي جمال المرأة ورقةً رابحةً توسِّع خياراتها بين العرسان. تركيزُ كثيرٍ من النساء على المظهر يُعتبر غالباً سطحية أنثوية، ولكنه في حقيقة الأمر مقاولة جادة تحت غطاء الرومانسية. القادرة على أن تكون جذابة فُرَصها بالحصول على حياة معقولة أكبر من التي تعتبر قبيحة، وبالأخص عندما يكون تعليمها متدنياً. أخطأت بعض النسويات حين حاولنَ في بداية الحراك النسوي أن يشوِّشنَ على مسابقة ملكة الجمال اعتراضاً على تثمين النساء كالغنم. المشارِكات بالمسابقة اللواتي استثمرنَ الكثير من المال والجهد كي يظهرن بأجمل حلّتهن، لم يشعرنَ بتقدير النسويات لهنّ، ولم يقدّرنَ هذا الإنقاذ. أَملُهنَّ كان الفوز بلقب الأجمل، ليصبحنَ نجمات سينمائيات أو عارضات أزياء أو كي يصطدنَ رجلاً ثرياً. وفجأة جاءت القبيحات ليخبرنهنَّ أنهنَّ متخلفاتٌ ومضطهدات. دعونا وشأننا لو سمحتنّ!

الخطأ هو أن المسألة هنا ليست أنوثةً مُستغَلَّة، وإنما طبقية. الجمال واستيفاء شروط الجاذبية الأنثوية هما رأسمال هؤلاء السيدات للاستثمار في مستقبل أفضل طالما السنّ ما زال يسمح، إذ أن هذا الرأسمال عرضةٌ للذوبان مع مرور السنين، وعليهنَّ الوصول قبل فوات الأوان.

الحبّ قضيةٌ نسوية. بمعنىً آخر: شريك الحياة له تأثير كبير على حياة المرأة. نعم، أكثر من الرجال. لذا علينا ألا نستغرب انشغال النساء بتجارة اختيار الشريك، حتى ولو بدا الأمر على أنه رومانسية.

أستاذات في الحب؟

كثيرٌ من الكتابات حول الفروق بين الجنسين تتغنى بتفوق المرأة: نحن الجنس الأفضل إذا تعلَّقَ الأمر بالحب. حتى في المقالة الرائدة بعنوان «الحب» التي كَتَبَتها فايرستون، والتي جعلتني أعتنق النسوية، يُوصَفُ الرجال كما لو أنهم شلّة مُعاقين عاطفياً. إنها آلية حبّ البقاء ذاتها التي نلمسها عند العديد من الجماعات المضطهدة: الميل إلى تحويل حالة عجز إلى نوع من التفوق الأخلاقي. يحصل هذا أيضاً عندما نعتبر النساء الجنسَ الأفضل، لأنهن لا يتهافتن على سلّم العمل، ولا يطلبن السلطة ولا يُضرِمن الحروب.

يمكننا طرح تفسير مغاير لاعتيادنا النظر إلى أنفسنا كأستاذات في الحب. كَتَبَت فرانسيسكا كانسيان مقالةً مهمة بعنوان «تأنيث الحب». برأيها يميل الناس إلى عكس الفروق بين الجنسين على التاريخ، والتوهّمِ بأنها كانت هكذا دوماً، وهكذا ستبقى. نفعل الشيء نفسه بخصوص الحبّ، كما لو أن الصورة المثالية للحبّ الحقيقي لا تتغير أبداً. تقول كانسيان إن الأمر ليس كذلك، وإن الصورة المثالية للحبّ الحقيقي تغيرت كثيراً عبر التاريخ. في اليونان القديمة كان حبّ الرجل للغلام الصغير الجميل هو المثال الذي يجب أن تُقَاسَ عليه كل أشكال الحب الأخرى. وفي أوروبا القرن الثالث عشر استلم حبُّ البلاط الملكي هذا الدور: انبهار الفارس العفيف بزوجة الحاكم. وفي العصر الفيكتوري طغى حبُّ الأم لطفلها.

أما في عصرنا الحالي انتقل الدور إلى الحبّ الغيري، وصارت العلاقة الطويلة غير التعددية هي المعيار، حتى ولو تبين أن قليلين هم الذين يستوفون هذه الشروط طيلة حياتهم. وثمة أفكار ثابتة عن هذا الحب: المبادرة في العلاقة بيد الرجل، ولكن بعد الاتفاق يصبح الحفاظ على العلاقة من مهام المرأة. من يعبّر عن هذا الوضع أفضل من الرجل الأمستردامي القائل: «الأحمق الذي يلاحق عربة هو جالس فيها». ضمن هذا المعيار الرجال هم الفاتحون، والنساء هن المُحِبّات من غير منازع.

ترى كانسيان بأن لهذه الصورة المثالية تاريخٌ مادي: في العصر ما قبل الرأسمالي، عندما كان الفصل ما بين العمل والسكن أقلَّ مما هو عليه الآن (المزرعة، والحِرَف المنزلية)، وعندما كان الإنتاج (التصنيع للبيع) وإعادة الإنتاج للاستخدام المنزلي (الطعام والملابس) ليسا منفصلين عن بعضهما بعضاً، بالرغم من أنه كان ثمة فرق بين عمل الرجل وعمل المرأة، إلا أننا لا نلاحظ الفرق بين ما يقوم به الناس وما يشعرون به تجاه بعضهم. فقط الطبقات الثرية المُعفاة من العمل العضلي كانت قادرة على التلاعب بالحبّ، وحبذا أن يتم ذلك بموازاة زواج تمَّ لأسباب تجارية. لم يكن الحبّ حراً كما هو الآن. الناس كانت تتعاقد لأسباب عملية. الرجل يبحث عن امرأة قوية تنفعه في المزرعة. والجمال مهم في الطبقات التي تحتاج النساء كزوجة مضيفة ذات وظيفة تمثيلية. كانت العوائل تترابط عبر زيجات أبنائها. آخر الناس الذين لا يحق لهم الزواج كما يحلو لهم هم أعضاء الأسرة الملكية المُجبرين على مصاهرة النبلاء. ماكسيما، ملكتنا الحالية، هي أول شخص تتزوج من ملك لأنها أحلى امرأة في نظره.

أما اليوم ثمة فصل حاد بين العمل والسكن، باستثناء الريف وبعض الشركات والدكاكين العائلية. وبالتالي نشأ فصل بين عالم النساء وعالم الرجال. في الأسرة التي «نستمدها» من التاريخ، بينما هي مشروعٌ حديث، يخرج الرجل صباحاً إلى العمل وتبقى المرأة في المنزل لتعتني بالأطفال وتنظيف المنزل. حتى حين تعمل المرأة خارج المنزل، يبقى هذا النموذج هو المتعارف عليه. والنتيجة هي نشوء فرق بين ما يقوم به الناس من أجل بعضهم، وما يشعرون به تجاه بعضهم. ما يقوم به الرجل هو عملٌ وليس حبّاً، وما تقوم به المرأة هو حبٌّ وليس عملاً. محاولتنا كنسويات أن نطلق على عمل ربة المنزل تسمية «عمل منزلي» كانت مدعاة لسخرية كثيرين. الاعتناء قليلاً بالأطفال، هل هذا عمل؟ هذا ما تقوم به المرأة لأنها امرأة!

تُسمّي كانسيان هذا «تأنيث الحب». لقد صادرنا تعريف الحبّ: ما تقوم به النساء، ومحافظتهنَّ على العلاقة، هو الحبّ الحقيقي. التعبير العاطفي وبثّ الأحاسيس أثناء الجلوس سوية على الأريكة، هذا هو الحبّ. سأرسمُ لكم مشهداً من غرفة العلاج النفسي لزوجين. زوجان يواجهان صعوبات زوجية. هي تشكو، مثل كثيرات من النساء، أنه لا يقول الكلمة الحلوة ولا يبدي حبّه لها. الرجل يجلس عاجزاً أمامها من دون أن يفهم ماذا تريد. طبعاً يحبّها، ألم يبقَ معها، ألم يستمر الزواج حتى الآن؟ المُعالِجَة النفسية تتعاطف مع الزوجة (ربما عندها رجل على شاكلته في البيت)، وتطلب منه أن يتلاطف مع زوجته في فترة ما قبل الجلسة القادمة. وعندما يأتي موعد الجلسة تسأل الزوجين فيما إذا نجحت المهمة. لا، تقول الزوجة. نعم، يقول الزوج. وكيف كان لطيفاً: لقد غسل لها سيارتها.

حان الوقت كي نعيد الأمور إلى نصابها، ونعترف بأن الكدّ والجهد من أجل قرشين إضافيين للأسرة هو أيضاً حبّ، حتى ولو فضَّلَت المرأة أن يأتيها مرّةً بوردة حمراء.

اختيار الشريك

لحس الحظ أن اختيار الشريك هو من الأشياء القليلة التي تتملصُّ من سياسات اتخاذ القرار. لم يحصل قبل الآن أن عشنا في زمن يتمكّن فيه هذا العدد الهائل من الناس من اختيار الشخص الذين يريدون قضاء ليلةٍ معه/ا، أو بقية العمر. وصار من حقّ الرجال عندنا أن يتزوجوا أو لا، والنساء أيضاً. نلاحظ آخر علامات التدخل واضحة عند الأسرة الملكية. من زمان، كانت ثورةً أن يتزوج أحدهم من شخص ليس من النبلاء، ولكن الأمير فريزو اضطر للتخلي عن مكانه في لائحة أولياء العرش لأن خطيبته ميبل، التي أصبحت أميرة، كانت قد عاشرت رجلاً خطأ. ولقد مرّت علينا أيام اعتبرناها كارثة عائلية أن ترغب فتاة كاثوليكية الزواج من شاب بروتستانتي: «دينان على مخدة واحدة والشيطان ينام بينهما». انتهى عصر تدخل الأهل أو حتى الحكومة، وعندما تتدخل العائلة بزيجات أبنائها، كما يحصل في أسر المهاجرين، نعتبر هذا «اختلافاً ثقافياً» وننسى أن هذا كان طبيعياً هنا منذ زمن قصير.

لم يكن اختيار الشريك حرّاً إلى هذه الدرجة من قبل. ومع ذلك جميعنا يعرف ما هو شكل الزوج والزوجة الطبيعي. الرجل أطول وأكبر سناً وراتبه أعلى. نحن عصريون ولا يهمنا غالباً من الأكبر سناً أو الأكثر مالاً. نعرف أن الرجال وسطياً أطول من النساء، ولو خلطناهم فيما بينهم سنحصل على عدد أكبر من الزوجات الأطول من أزواجهنّ. في الحياة شكلهم ملفت للانتباه. يتزوجان، ولكن عليهما أن يجهّزا النكات للرد على الملاحظات التي ستنهال عليهما لا محالة، كما كان أحد أصدقائي المتزوجين يقول: «عندما نستلقي يختفي الفرق». أثناء زواجي الأول طُلِبَ مني أن أنزل درجة لالتقاط صورة العرس على سلم دار البلدية، كي أرفع رأسي بدلع إلى زوجي الأطول مني ببضعة سنتيمترات فقط. ولقد امتثلتُ لهذا الطلب. ولكن بعد أربعين عاماً وأثناء زواجي الثاني، لم يُطلَب مني هذا ولم أكن لأمتثل أصلاً.

اختيارُ الشريك يتم تلقائياً، فطرياً، أو هكذا نعتقد. هل لنا تأثير على انتقاء الأشخاص الذين نعشقهم؟ ومع ذلك يبدو أننا قادرون إلى حدّ بعيد على رسم ملامح شريكنا المستقبلي، وهنا يأتي دور الطول والسن والمال. من زمان قمتُ ببحث غير علمي على الإطلاق. تابعتُ دعايات الراغبين بالزواج، وسجّلتُ ماذا يريد الرجال والنساء من شريكهم/ن المستقبلي. هذا كان قبل عصر مواقع التعارف. ولقد لاحظتُ ما يلي: النساء الباحثات عن علاقة يرغبن رجلاً من السن ودرجة التعليم نفسهما تقريباً. هنَّ يبحثن عن المساواة. أما الرجال فيريدون شيئاً مختلفاً تماماً: جميعهم يريدون امرأة أصغر منهم (بكثير). بعضهم قال إن سنّهم هو الحد الأقصى، وإن كان الأمر ليس جذاباً. الرجال لم يتطرقوا إلى مستوى التعليم أبداً. التحضّرُ مرغوبٌ دائماً، يبدو أنها ميزة أن تجيد المرأة الأكل بالشوكة والسكين. باختصار: النساء لن يجدنَ فارس أحلامهنّ عبر دعايات الزواج، ولا حتى الرجال.

هل ما زال الوضع هكذا؟ أقلّ، ولكن ما زلنا نعرف كيف يكون الارتباط الغيري. ننتبه مباشرة عندما تكون الزوجة أكبر سنّاً. مقالات بأكملها تُكتَب عن الموضوع: هل ستمشي الأمور بينهما؟ ازدادَ عدد النساء اللواتي يكسبنَ أكثر من أزواجهنّ، جزئياً بسبب الأزمة الاقتصادية في البلد، وجزئياً بسبب تحرّر المرأة. ولكنها زيجات ليست خالية من المشاكل.

اعوجاج في سوق الزواج

تلك الفكرة العنيدة عن عدم المساواة في الارتباط أدَّت إلى اعوجاجٍ بَيِّنٍ في سوق الزواج. في قمة الهرم نرى نساء متعلمات وصلنَ إلى سنٍّ جعلَ فُرَصَهنّ ضعيفة بإيجاد شريك جديد في حال لم ينجحنَ بالحفاظ على الشريك الأول. وفي أسفل الهرم نجد شباناً صغاراً غير متعلمين وغير قادرين على الحصول على امرأة. مع الملاحظة أن صِغَر سنّهم لا يدوم، وتقدّم عمر النساء يستمر.

لدي نظرية شخصية لا أستطيعُ إثباتها: كثيرٌ من الاستياء عند الشبان الذين يسيؤون التصرف، نابعٌ عن حقيقة أنه في الوقت الذي تصل درجة غليان التستسرون في دمهم إلى أقصاها، يرون حبيباتهم يُخطَفنَ من قبل الرجال الأكبر سناً والأكثر حظاً ومالاً. ونجاح الذكورة يكمن طبعاً في حظوظك عند النساء. تُسرَق هذه الفُرص من الشبان الصغار، بينما يتابعون تَعثُّرَهم في سوق العمل بسبب تدني تعليمهم. هذا لا يزيد أبداً من لطافتهم.

وثمة نتيجة أخرى ننساها. خُذ الزوجين الغيريين بعين الاعتبار. هو أكبر منها، أي يسبقها في المهارة المهنية ويكسبُ أكثر منها، ولكنهما يخططان لإنجاب الأطفال وعليهما اتخاذ القرار: واحدٌ منهما سيشتغل أقلّ والآخر أكثر كي تمشي الأمور المادية بوجود الطفل. كيف سيكون القرار عندما يصادف أنه هو الذي يكسب أفضل؟

النسوية (ومعها النساء اللواتي دخلن سوق العمل، ويرغبنَ بعلاقة تساوٍ ضمن ارتباط غيري) أدت إلى ازدياد عدد النساء من دون صفّ انتظارٍ طويل من العرسان المُحتملين. لاحظتُ الشيء نفسه أيضاً عند الجيل الثاني للمهاجرين إلى هولندا: في معمعة التشكي من المسلمين الذين لا يريدون الاندماج، اعتبرناها مشكلةً أن يُحضِرَ الهولنديون ذوي الأصول التركية والمغربية عرسانهم من بلدهم الأصل. لم ننتبه إلى أن بنات وأبناء المهاجرين أصيبوا بعدوى التحرّر، وبالأخص الفتيات المتفوقات تعليمياً على الشبان. عندنا مجموعة كبيرة من الفتيات المتعلمات اللواتي يفضِّلَن زوجاً من بيئتهن، على شرط أن يكون عصرياً ولا يمانع عملهنَ خارج البيت. هذا الشخص من الصعب العثور عليه بين شبان الجالية الصغيرة أساساً، لأن معظمهم يفضلون المرأة التقليدية، والقادرين -مثلهم مثل الرجل الهولندي- على الترفّع عليها بحنان. وبهذا كانت الخيارات في البلد الأصلي أوسع بالنسبة لكليهما. الأمر يتغير حالياً ببطء، بيد أني ما زلتُ أرى كثيراً من المهاجرات المتعلّمات وصاحبات المهن الواعدة، ممن لم يجدنَ شريكاً حتى الآن.

الشبان في أسفل الهرم مشكلتهم أكبر من النساء في أعلى الهرم، أقصد بالنسبة للمجتمع. أودُّ لو كان ثمة دراسات حول الشباب المشاغبين، من عنف مشجعي كرة القدم، إلى إزعاج السكارى منهم، إلى عصابات الشوارع. يجبُ النظر في رغبتهم المكبوحة بالحصول على الجنس والحبيبة الجميلة. ليست صدفةً أن أسمع كثيراً من المرشدين الاجتماعيين يقولون إن وضعهم يتحسن عندما يعشقون صبيّة.

قد يعتقد الرجال بأنهم متقدّمون، ويؤمنون بأفكارهم العصرية حول المساواة بين النساء والرجال، ومع ذلك لا يحتملون أن تكون زوجاتهم أكثر نجاحاً أو أن يكسبنَ أكثر. بإمكانهم إقناع أنفسهم بأنهم مستفيدون من ارتفاع دخل الزوجة، ولكن وفقاً لدراسة حديثة شارك فيها عدد من الرجال الهولنديين، فإن الرجل يشعر بالإهانة عندما تتميز زوجته على صعيدٍ ما. يبدو أن شعورهم بالقيمة يتعلق بشكل مباشر بتفوقهم على المرأة الواقفة إلى جانبهم. ولقد مررتُ بهذه التجربة شخصياً. كلما صدرَ لي كتاب، أي مرةً واحدةً في السنة، كانت المشاكل تتصاعد بيني وبين خطيبي السابق، وفي كل مرة يكون موضوع المشكلة مختلفاً. تعلمتُ مع الوقت أن أجهّزَ نفسي، وألا أتكلم عن الردود الطيبة التي أتلقاها، وفضلتُ مع الوقت ألا يرافقني إلى حفلة عرض الكتاب أو المحاضرات. المزاج سيكون رديئاً للغاية بعد المشوار. ولقد كنتُ حريصةً ألّا أتطرقَ للمشكلة الحقيقية، وبأنه غير قادر على إتمام أطروحة الدكتوراه. في كتابي كازابلانكا ذكرتُ كثيراً من الزيجات المشهورة التي كانت فيها الزوجة موهوبة: همينغواي وفيتزجيرالد أحبّا امرأة موهوبة، من دون أن يتحملا انطلاقتها الحرة، والنتيجة كانت مأساوية.

ثمة شيءٌ غريبٌ بخصوص معيار فَرِق السنّ. طبعاً علماء الأحياء سارعوا بإيجاد السبب: خصوبة المرأة محدودة بالعمر وتنتهي عند سنّ معين، والرجال قادرون على الإنجاب في سنّ متقدم. ولكن هل هذا هو السبب؟ نادراً ما أرى الرجال الذين يتزوجون للمرة الثانية أو الثالثة يرغبون بالإنجاب، غالباً الرغبة من طرفها. وكما قلت، فإن جزءاً كبيراً من حياتنا العاطفية لا دخل له بإنجاب الأطفال، فلقد تحررنا هرمونياً منذ زمن بعيد. نمارس الجنس حتى ولو كان الإنجاب مستحيلاً. وعندنا رغبات أخرى، منها مثلاً أن يمتد بنا العمر مع شريك حياتنا. هذا طبعاً ما ينجح به الرجال بسهولة، أما النساء فلا. نظراً إلى عمر المرأة الأطول بخمس سنوات، ونظراً إلى فرق السن بين الزوجين، ترى معظم النساء أزواجهنَّ وهم يفارقون الحياة قبل أن يجدنَ لنفسهنَ طريقاً للتملص منها. كما أن الأمر ليس منطقياً من ناحية الجنس. النشاط الجنسي عند الرجال يكون في قمته في بداية شبابهم، قبل العشرين. وبعدها يخف شيئاً فشيئاً مع العمر. أما النساء اللواتي اكتشفن المتعة، يواصلن على الوتيرة نفسها إلى عمر متقدم – هذا طبعاً إذا كان لديهنَّ شريك. في حال نظرنا إلى الجنس ورغبة امتداد العمر مع الشريك، سيكون الزوجان المثاليان هما رجل شاب وامرأة تكبره سناً. ولكني أخشى أن يكون تقيدنا بالصور الجندرية عن الجاذبية أكبر من قدرتنا على تغييرها.

عندما يكون دخل الزوجة أعلى

هل تغيّرَ شيء؟ نعم. عدم المساواة أقلّ، بيد أن التغيير بطيء ولا يخلو من الصدام. امرأة من أصل خمس نساء يكسبنَ أكثر من أزواجهن. هناك سببان لذلك: أولاً، درجة تعلم النساء صارت أعلى من الرجال. وثانياً، لأن احتمال بطالة الرجل عندنا أكبر، حيث بدأت مهن الرجال بالتناقص السريع، كما هو الحال في قطاع الصناعة والزراعة. أما في قطاع العناية بالمرضى والوظائف الحكومية التي تشغلها الكثير من النساء، فلا زالت الإمكانيات كبيرة.

يلاحظ البروفيسور بيت براكه بأن الرجال غالباً ما يكتئبون في حال كان دخل المرأة أعلى، وبالأخص عندما يقومون بالأعمال المنزلية، يتوترون ويأرقون وتخفّ شهيتهم للطعام. ينطبق هذا بالأخص على الرجال الأكبر سناً. وحسب طبيبنا الكاتب إيفان فولفرز، فإنهم يتناولون حبوب التنشيط الجنسي أكثر من غيرهم. لا ينسحبُ هذا على الجميع، فجريدة «إن إر سي» وجدت مثالين ناجحين. في المثال الأول: هي مديرة، وهو عازف غيتار ويقوم بالأعمال المنزلية. في الماضي كان وضعهما مختلفاً وكان هو الأكثر نجاحاً. هما الآن سعيدان أنهما حققا أحلامهما وأنَّ لا أحد أهمّ من الآخر. وفي المثال الثاني: هي مديرة وتقود شركة يعمل فيها ثمانية آلاف شخص، وهو ربّ منزل. عندهما طفلان، الكبير عشر سنوات والصغير ثمان. هو تخلى عن عمله ويقوم بكل أعباء المنزل وما يخصّ الأطفال، وبما أن حياته هكذا لا تمنحه الغذاء العقلي، قرر أن يدرس من جديد ليبحث عن عمل جيد على المدى البعيد. تصعب عليه أحياناً نظرة الناس له على أنه زوج سيدة الأعمال.

لم يكن إذن هدف أي من الأزواج أن يرتفع راتب المرأة، ومعظم الرجال لا يعجبهم ذلك. الأمريكية إيرانية الأصل فارنوش ترابي تكسب أكثر من زوجها – في الولايات المتحدة نسبة النساء اللواتي يزداد دخلهن على دخل أزواجهن تصل إلى 28 بالمئة. هي تقول بأنها واقعة في مشكلة، وبأن زيجات من هذا النوع غالباً ما تنتهي بالطلاق. الرجال يصابون بالاكتئاب ويخونون زوجاتهم بكثرة. ومما يؤدي إلى تعاسة الزوجات هو سلوك الأزواج غير الراغبين بشمر أكمامهم والمشاركة بالواجبات المنزلية. بل على العكس تماماً، فالوضع لم يتغير منذ الثمانينيات وقتَ كان عدد المتفوقات دخلاً أقل. ولقد لاحظ أرلي هوخسخيلد بأن النساء صاحبات الدوام الكامل يواصلنَ عملهنّ في المنزل من أجل إرضاء الزوج، كما لو أنهنَّ يكفرنَ عن ذنبهنّ في هذه الإهانة. الطلاق في هذه الأُسَر واردٌ أكثر منه في الأُسَر التقليدية.

حتى في الولايات المتحدة نادراً ما يختار الزوجان التوزيع غير التقليدي للأدوار. وإن حصل هذا، يكون نتيجة فقدان الرجال لعملهم جراء أزمة اقتصادية. وفي حالات نادرة يعرف الزوجان هذا قبل الزواج ويتفقان عليه. بعض الرجال يقدّرون ميزات هذا الوضع، فيستغلّون الفرصة ليدرسوا أو يفتحوا شركة غير متأكدين من فُرَص نجاحها. ترابي تخصِّصُ فصلاً كاملاً تسجّلُ فيه نصائح للنساء المتفوقات، وكيف عليهنَّ أن يتعاملوا مع هذا الرجل في حال رغبنَ بالاحتفاظ به. أهم شيء ألا يشعر الرجل بعدم الحاجة إليه، لذا عليها أن تترك الأعمال الإدارية وأمور الضرائب له، وأن تشاوره بكل الأمور وتطلب نصيحته دائماً. عليها أيضاً أن تحوّلَ مبلغاً من المال إلى حسابه الخاص، كي لا يضطر أن يطلب منها شيئاً. وعليها ألا تركز على مسؤوليته في المنزل، من الأفضل أن تستأجر «زوجة» تقوم بالأعمال المنزلية. تعترف ترابي بأنها ليست نسوية وأن كتابها ليس كذلك أيضاً. كتابها ليس نسوياً فعلاً، وإنما دليل من أجل البقاء للزوجات الناجحات.

تتساءل الكاتبة هيلين كرول في جريدة «إن إر سي»، لمَ على المرأة الناجحة أن تجهد نفسها بإيجاد رجل ناجح؟ لمَ لا تكسر التابوهات وتكون أكثر تحرراً من خلال زواج برجل أقل مرتبة؟ لماذا لا نقلب نهايات روايات الجيب وتتزوج طبيبةٌ مختصةٌ ممرضاً من منطلق التنويع؟ ألم يحن الوقت كي تتواعد المتعلمات مع الرجال الأقل تعليماً؟ بغض النظر عن أن الأمر يشبه البحث عن حيوان أليف، فإن كرول لا تحسب حساب أن الرجال غير المتعلمين لا يتهافتون على صفوف الانتظار أمام المرأة الأعلى مستوى، وأن للنساء أسباباً كافية كي لا يباشرنَ هكذا علاقة. ليس لأنهنَّ يرغبنَ حتماً برجل يزيدهنَّ مرتبة أو مالاً، ولكن لأنهنَّ يدركنَ بأن الرجال يرتاحون أكثر عندما يمارسون ثقلهم على العلاقة، أليس كذلك؟ حتى ولو لم يكن الأمر عصرياً. الرجال يرتاحون بجانب امرأة لا تبرز فوقهم، لا حرفياً ولا معنوياً. لن يعترفوا بهذا سريعاً. الرجال العصريون سيقولون إنهم ينجذبون بالمقدار نفسه إلى المرأة التي تفوقهم ذكاءً، ولكن عندما يقابلون امرأة من هذا النوع في الواقع يشعرون بأنهم مُهدَّدَون، ولا يحبونها. تَوَجُّهُ النساء نحو الرجال الأكبر سناً والأعلى دخلاً هو إذن أكثر من مجرد بقايا تقاليد عفى عليها الزمن.

وكما قلت: حتى الحب هو قضية نسوية. ولكنها قضية صعبة. هناك أمور يمكننا المطالبة بها: التساوي بالأجور وقوننة الإجهاض. كما أننا نحمل اللافتات عالياً ضد العنف، ولا نتنازل عن مطلب أن يكون ظهور وجوه نسائية في وسائل الإعلام أكثر من مجرد الزينة. قد نعاود الجدال حول السقف الزجاجي. ولكن أن نخرج إلى ساحات أمستردام وبأيدينا لافتات: «اعشقونا»! لا أظن أننا سنفعل ذلك قريباً.

Joan Snyder, Postmardemgarden, 1995,

Joan Snyder, Postmardemgarden, 1995,

هذا النص هو ترجمة رحاب شاكر لمقالة الكاتبة والسياسية الهولندية أنيا مولينبيلت حول الحب بوصفه قضيةً نسوية، والتي صدرت عام 2016 ضمن كتابها: الفرق.

أنيا مولينبيلت (1945)، كاتبة وسياسية هولندية، وإحدى رائدات الموجة النسوية الثانية التي عمّت في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. صدر كتابها الأهم من دون خجل عام 1976، الذي كتبت فيه عن حياتها الشخصية، وحاولت من خلاله تسييس الشخصي عند المرأة. كانت أنيا مولينبيلت عضوةً في مجلس الشيوخ نيابة عن الحزب الاشتراكي (2003 حتى 2011). ناصرت القضية الفلسطينية.

أترك تعليق

المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015