ما بين الذكورة والأنوثة.. تاهت إنسانيتنا
هل المرأة أقل كفاءة من الرجل؟!!!

إيمان ونوس/ alnnour- منذ انهيار العصر الأمومي تحت ضربات نشوء الملكية الخاصّة وتقسيم العمل وامتلاك قلّة لوسائل الانتاج، انقسم المجتمع البشري إلى طبقات تتوافق قيمة كل منها مع ما تمتلكه من مال وإقطاعيات وعبيد أو عمّال ومزارعين.

منذ ذلك التاريخ أصبحت المرأة تابعاً بل ومُلكاً للرجل الذي صار هو المسؤول عن كل ما يتعلّق باحتياجات أسرته المادية والأمنية وحمايتها من الأخطار الخارجية، وأوّل ما قام بفعله أن حجبها داخل البيت للخدمة والإنجاب وتربية الأولاد، مُتحكّماً بمصيرها ومسار حياتها الذي رسمه لها وفق آرائه ومعتقداته المؤسّسة على مقتضيات القيم والمعتقدات المجتمعية التي حدّدتها قوانين وأنظمة الملكية السائدة حينذاك، واستمر الحال على ما هو عليه إلى حين ظهور الأديان التي جاءت متوافقة مع العديد من القيم السائدة في المجتمعات التي ظهرت فيها، فكان أن عزّزت تلك التبعية الأنثوية لذكور القبيلة، ووضعت الأسس والتشريعات التي نظّمت الحياة البشرية، فرسمت الحدود المعروفة للعلاقة ما بين الجنسين بكل أشكال الصلة التي تربطهما. هنا باتت العودة لما كانت عليه المرأة في عصرها الذهبي/الأمومي أو حتى التفكير في بعض المساواة مستحيلة، بحكم تلك التشريعات المُستمدّة من النصوص المقدّسة لمختلف الديانات حتى وصلت المرأة إلى مرحلة آمنت حقيقة بأنها خُلِقَتْ على هذا النحو من الضعف والتبعية بدعم من الفروقات البيولوجية بين الجنسين التي استغلّها المجتمع لإضعاف المرأة والتقليل من شأنها مقابل تعزيز قوة الرجل بكل الاتجاهات، فلم تُفكّر يوماً بأن هناك خللاً في حياتها وعلاقتها مع نفسها ومع الرجل، واستمر هذا الحال طويلاً وطويلاً جدّاً، لكن ومع مرور الزمن، وبفعل بعض العادات والتقاليد التي كانت تحكم الطبقات العليا من المجتمع، والتي فرضت على المرأة نمط حياة قائماً على قواعد وأسُس يجب اتباعها للتمييز ما بينها وبين عامة النساء في الطبقات الأدنى، كتعلّم الموسيقا والقراءة وباقي الفنون الأخرى التي تتوافق وطبيعة المرأة وفق المفهوم المجتمعي السائد مع استمرار السطوة الذكورية المعهودة.

هنا، ومع مرور الزمن بدأت بعض ملامح الوعي البدائي بالظهور حول وضع المرأة في تلك الطبقات، وظهرت بعض حالات تمرّد على نحو بسيط، لكنها بالتأكيد لاقت الصدّ والرفض من أولي الأمر، وحتى من نساء أكبر سنّاً ومكانة كالأم أو الجدّة اللواتي رفضن انجرار فتياتهن وراء أفكارهن المجنونة التي ستُفضي بهنّ إلى مصير حزين إن هنّ تشبثّنَ بها. إلى أن ظهرت بعض الحركات والأفكار التي نادت بضرورة تغيير واقع المرأة باعتبارها إنسانة تمتلك العقل ذاته الذي يمتلكه الرجل بغضِّ النظر عن الفروقات البيولوجية التي ليست أساساً جوهرياً للتمييز بينهما. وسريعاً جرى استغلال ما طرحته هذه الحركات من رؤى وأفكار حول ضرورة المساواة بين الجنسين في مختلف الحقوق والواجبات من قبل أصحاب رؤوس الأموال والمصانع، لاسيما بعد الحرب العالمية الأولى فقد انخفضت نسبة الذكور إلى الإناث، ما جعل العديد من تلك المصانع تتوقف عن العمل أو تنخفض إنتاجيتها إلى حدود انخفضت معها الموارد والأرباح، فلمعت في أذهان أصحابها فكرة السماح للمرأة بالعمل لامتصاص تبعات ما جاءت به الحركات الداعية لتحرّر المرأة من أفكار قد تطيح بمكانة الرجل بشكل عام من جهة، ومن جهة أخرى في محاولة لاستمرار العمل في المصانع واستغلال حاجة النساء آنذاك للعمل بأجر أقلُّ من أجر الرجل للبقاء وأطفالهن على قيد الحياة بعد اختفاء العديد من الرجال. ولاحقاً وفي زمنٍ متقدّم، جرى استغلال المرأة من قبل أصحاب رؤوس الأموال والمصانع في الإعلان عن بضائعهم ومنتجاتهم لامتلاكها كل خصائص الأنوثة التي تُغري وتجذب المستهلك، فصارت مجرّد جسد ومادة إعلانية للتسويق الذي يتطلّبه النشاط الاقتصادي القائم أساساً على استغلال جهود وعرق الفقراء الذين لا يملكون سوى قوتهم الجسدية للحصول على ما يبقيهم على قيد الحياة. هنا جرى استغلال جسد المرأة بكل الأشكال، وكان من الضروري أن يكون هذا الجسد شبه عارٍ كي تكون عملية الجذب أقوى وأكثر جدوى اقتصادية.

في المقلب الآخر، وفي المجتمعات الزراعية القائمة حينذاك على الملكية الإقطاعية والتي لا يملك فيها الرجال سوى قوتهم الجسدية، جرى أيضاً استغلال جهود النساء في الأعمال الزراعية وتربية المواشي التي لا تتطلّب جهداً خارقاً، بفارق أنه ووفق القيم التي تحكم هذه المجتمعات، إضافة إلى قسوة المناخ، جرى حجب جسد المرأة داخل لباس شدّد على حشمتها أكثر تفادياً لأيّة خطيئة يُسببها الاختلاط والاحتكاك المباشر بالرجال المشاركين بالعمل الزراعي. وهذا ما ينطبق من حيث النظرة إلى المرأة كأنثى وضرورة احتشامها على المجتمعات التي رأت في جسد المرأة عورة يجب سترها كلها من رأسها حتى أخمص قدميها وفق القيم الدينية التي تحكمها وتسيطر على تشريعاتها، وانطلاقاً من هذه القيم وهذا الواقع جرى الفصل بين الجنسين في الأماكن العامة ابتداءً من المدارس والجامعات وصولاً إلى أماكن العمل وأيّة تجمعات تفترض وجود المرأة فيها منعاً للاختلاط الذي قد يقود لارتكاب خطايا وفق منظور أولي الأمر، خطايا لا يدفع ثمن ارتكابها سوى المرأة.

واليوم، وبظلّ التطور الحاصل سواء على شكل اللباس أو العلاقة ما بين الجنسين، نجد أن الموقف من مظهر المرأة ما زال محكوماً بذهنية الامتلاك الذكوري سواء العائلي أو العام، فهو بالتأكيد سواء أكان مظهراً محتشماً أو عارياً يدلُّ دلالة لا تقبل الشك على سطوة هذه الذهنية التي تسمح للرجل باللباس العادي والمعروف، بينما تفرض على المرأة ما يوافق حاجات الذكورة النفسية والمادية والقيمية من لباس يتوافق معها. وفي حالتي الحجب أو التعرّي لا يمكن فهم هذا الموقف من المرأة سوى أنه موقف قائم على اعتبارها ليست أكثر من جسد يجري التحكّم فيه وفق مقتضيات الحاجات النفسية والمادية وحتى الاقتصادية، وبالتالي لا يمكننا رؤيته سوى أنه امتلاك ورفض لإنسانية المرأة مقابل تعزيز حضور أنوثتها. وهنا لا يمكن تبرئة المرأة من النظر إلى نفسها على أنها أنثى أكثر ممّا هي إنسانة، في تماهٍ تام مع الذكورية التي تستعبدها وتمتلكها.

هل المرأة أقل كفاءة من الرجل؟!!!
هل المرأة أقل كفاءة من الرجل؟!!!

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015