دمشق/ مواقع إلكترونية- أقرّ مجلس الشعب الاثنين عدداً من التعديلات التي طالت قانون الأحوال الشخصية في سوريا، الأمر الذي سبب جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيّدٍ للتعديلات الحاصلة والتي تمحوَرت غالبيتها حول حقوق المرأة والطفل، وبين معارضٍ اعتبر أن التعديلات الجديدة قلّلت من شأن السلطة الدينية الشرعية وخفّفت من وطأة “الذكورية” في المجتمع السوري، وفي المقابل اعتبر البعض أنّ هذه التعديلات جوهرية، بينما رأى آخرون أنها مجرّد تعديلات سطحية لا ترتقي لما هو مأمول.
وكان من أبرز التعديلات التي انقسم الرأي العام حولها هو إمكانية جعل العِصمَة بيد الزوجة، وإمكانية وضع المرأة في عقد زواجها شروطاً تضمن حقّها في العمل ومنع زوجها من الاقتران بثانية، إضافةً إلى رفع سن الزواج لـ 18 عاماً وتثبيت مبدأ “العقد شريعة المتعاقدين” وتعديل شروط وإجراءات الحضانة والمهر.
الخبير القانوني وعضو مجلس الشعب محمد خير العكام أكّد لـ”هاشتاغ سوريا” أن عدد المواد التي تمّ تعديلها وصل لحدود الـ70 مادة، ما جعله أوسع تعديلٍ لقانون الأحوال الشخصية الموضوع منذ سنة 1953، مضيفاً أن هدف هذا التعديل هو تحقيق المساواة الممكنة بين الرجل والمرأة ولكن بما يتواءم مع التشريعات الإسلامية، بالإضافة الى تحقيق الغاية الفُضلى للطفل لكي تتوافق مع الاتفاقيات الدولية.
وأشار عكام إلى أن التعديل الذي أقر إمكانية جعل العِصمَة بيد المرأة؛ منح المرأة حرية تطليق نفسها، وبنفس الوقت لم يحرِم الرجل من هذا الحقّ. مضيفاً أن هذا القانون كان موجوداً سابقاً؛ والجديد هو توضيحه فقط بحيث يصبح شرطاً، خاصةً بشروط العقد منذ البداية، بالإضافة إلى إقرار مهر المثل بدلاً من المهر المُسمّى؛ ما يعني المهر المناسب لوضع المرأة الاجتماعي.
وأوضح الخبير القانوني أنّ العديد من الدراسات المجتمعية أثبتت أن نسبة 70% ممن طلبو أن تكون العِصمَة في يدهم في سوريا، مارسوا هذا الحقّ خلال السنة الأولى من الزواج ما شكّل خطراً كبيراً، مشدّداً على ضرورة ترشيد استخدام لفظ “الطلاق” بين الطرفين.
وحول عقود الزواج القديمة ومدى إمكانية تطبيق التعديلات الحديثة عليها؛ بينّ الخبير القانوني أنّ جميع عقود الزواج القديمة يمكن إجراء التعديلات عليها بعد موافقة الزوج، مبيّناً أنه تمّ وضع تم وضع قيود جديدة على الزواج الثاني، حيث أصبح من حقّ الزوجة منع زوجها من الزواج بامرأةٍ أُخرى إلا بموافقتها وشروطها التي تتضمّن عدم إقامة الزوجتين في منزلٍ واحد، مع إمكانية تعديلها لهذه الشروط في حال تضرّرها فيما بعد، كما يحقّ لها في حال خالف الزوج أيّ من الشروط الموضوعة في العقد؛ طلب التفريق لعلّة الشقاق دون أن تخسر أيّ من حقوقها، كما تستطيع التراجع عن تبرئة زوجها من المهر في حال طلَّقها بشكلٍ تعسّفي.
وبينّ عكام أنه في حال قام الرجل برفع دعوى طلاق على زوجته بإرادةٍ منفردة دون وجود “سببٍ مقبول” تستطيع الزوجة رفع دعوة والمطالبة بنفقة ثلاث سنوات دون أن تثبت الفاقة والفقر.
وعن التعدیل الذي سبّب جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي والمتمثّل بحقّ الأنثى بالزواج دون موافقة ذویھا، أوضح عكام أنه بإمكان الأنثى التي تجاوزت الـ 18عاماً الزواج بعد أن یَطلُبَ القاضي من ولیّھا بیان رأیه خلال فترةٍ لا تتجاوز الـ 15 یوماً؛ فإذا لم یعترِض أو كان اعتراضه غیر جدیرٍ ”بالاعتبار“، یأذَنُ القاضي بزواجِھا بشرط الكفاءة ومھر المثل.
ورأى عضو مجلس الشعب أنّ ھناك نصوص صریحة من القرآن لا یمكن مخالفتھا أو المساس بھا؛ ما أدى لعدم تعدیل العدید من المواد المتعَلّقة بمدّة “العدّة للمرأة” و”الزواج المدني” و”المساواة بین الرجل والمرأة في موضوع الشھادة”، مبیّناً أنّ الزواج المدني یعتبر باطلاً وفق نصوص قرآنیة واضحة، وكون قانون الأحوال الشخصیة موضوعٌ ”للمسلمین“ ووفقاً للأحكام الشرعیة، وبالتالي لا یمكن لأيّ أحدٍ أن یشرّع غیر ذلك؛ حتى لو كانت آراؤنا الشخصیة لا ترى ضیراً في ھذا الزواج، مضیفاً أن إقرار الزواج المدني ”مبكر جداً“ و المجتمع السوري غیر جاھز لإقرار مثل ھذه التغیيرات الجوھریة في مثل ھذه المرحلة.
وختم العكام أنّ كلّ قوانین الأحوال الشخصیة تثیر إشكالیاتٍ في العالم أجمع ولا یوجد قانونٌ یحظى بنسبة 100 %في المجتمع، معتبراً أن القانون المعدّل حالیاً حقّق نسبة 75 %من المتطلبات المجتمعیة.
ویعدّ قانون الأحوال الشخصیة السوري، أحد أكثر القوانین إثارةً للجدل، والانتقادات، ویرى كثیرٌ من الحقوقیین والناشطین خاصةً في مجال قضایا المرأة، أنه ینحاز بشكلٍ كبیر للرجل، وخاصةً فیما یتعلّق بالشھادة وعدم المساواة في الإرث.
إقرار القانون بهذه الطريقة السريعة وخلال 3 أيام من الإعلان عن وجود تعديلات كان موضع نقد الحقوقي والخبير القانوني ”عارف الشعال“ الذي وصفه بها تعديل قانون ً بالمشروع البائس، منتقداً “السرعة الصاروخية التي أَقرَّ الأحوال الشخصية، وهو واحد من أهم القوانين في الدولة المرتبط مباشرة بحياة الناس (3 أيام بين إعلان السلطة التنفيذية إعداد مشروع التعديل، وإقراره من السلطة التشريعية) حيث تمّ سلقه في مجلس الشعب بجلسة واحدة، كمن يحتسي فنجان الشاي، إذ لا ندري كيف ناقش المجلس 70 مادة (حوالي ثلث القانون)، بساعتين أو ثلاث!!” معتبراً أنّ “عدم فسح المجال أمام الناس والقوى المجتمعية لمناقشة أهم قانون يتناول حياتهم الخاصة والشخصية، وإبداء رأيها فيه! سببه فيما أظن الخشية من حراك مجتمعي واسع وانتقادات قد تتسبّب بإجهاض تمريره، كما فشل سابقاً تمرير قانونٍ جديد للأحوال الشخصية في العام 2009”