alarab- تواصل مجلة “الجديد” الثقافية اللندنية استثارة أهم الأقلام العربية في النقد والفكر والأدب، وتفتح في عددها الجديد لشهر مايو الجاري مرة أخرى ملف الكتابات السردية النسوية من زاوية جديدة هي حضور صورة الرجل فيها، كما تقدم لمحة عن المشهد الثقافي العربي من المشرق إلى المغرب.
فقد خصصت مجلة “الجديد” الثقافية اللندنية عددها السادس والسبعين لتقَصي صورة الرجل في الأدب الروائي والقصصي النسائي العربي واستكشافها في ملف بعنوان “قلم المرأة وصورة الرجل”.
وعلى غرار أعدادها السابقة كرست المجلة عددها الجديد لنصوص سردية وشعرية ومقالات فكرية ونقدية تفتح أهم المشاغل الجدلية للفكر العربي والإنساني اليوم إضافة إلى حوار أدبي، ورسائل ثقافية لشعراء وكتاب ونقاد من المغرب والمشرق.
ملف العدد
وانطلق الجراح من الشاعر البرتغالي فرناندو بيسوا (1888 – 1935) صاحب المخيلة الانشطارية، والشخصيات الشعرية المتعددة وعلاقته بمدينة لندن، رغم أنه ليس في سجله شيء يشير إلى زيارة لندنية، بينما يرجح أن تلك التجربة للشاعر متخيلة على غرار شعراء آخرين، معتبرا أنه “كما غامر الشعراء في خلق الكلمات غامروا ويغامرون في خلق الأمكنة والأزمنة”.جاء في افتتاحية العدد الجديد من المجلة بقلم رئيس تحريرها الشاعر السوري نوري الجراح بعنوان “القصيدة والفاجعة مدن المخيلة ومراكب الطرواديين”، الذي بدأ نصه بتساؤل عن “ما الذي يحدث عندما يقيض للشعراء أن يزوروا الأماكن التي بلغتها مخيلاتهم قبل أن تطرقها أقدامهم”؟
وتطرّق الجراح إلى هجرة السوريين مستشهدا بكتابه الشعري “قارب إلى ليسبوس” ومشبها السوريين بالطرواديين، لكنه يرى أن “نظرة الأمل التي يمكن أن يحملها هؤلاء الطرواديون الجدد أكانوا داخل سوريا أو خارجها نحو مستقبلهم الجماعي، على رغم المصاعب والعذابات والخسائر والتضحيات المهولة التي قدموها حتى الآن، هذه النظرة إنما تنبعث من عدالة قضيتهم، ومن توقهم إلى الحرية”.
جاء ملف “قلم المرأة وصورة الرجل” في ثلاثة أقسام، تناول أولها دراسات وأبحاث في هذه الثيمة، فيما خصص الثاني لشهادات الكاتبات، بينما كان الثالث استطلاعا ميدانيا. وقد شاركت في الملف نخبة من الناقدات والنقاد وعدد مهم من الكاتبات العربيات من العراق، عمان، مصر، الجزائر، المغرب، تونس، فلسطين، الأردن، سوريا، وقد حاز الملف على نصف عدد صفحات المجلة الواقعة في 250 صفحة.
من شأن هذا الملف أن يكون عتبة ومدخلا لدراسة صورة الرجل في روايات الكاتبات العربيات المعاصرات وقصصهن، لاسيما أن النتاج الأدبي للمرأة في شتى الجغرافيات العربية بات مكرسا ثقافيا ونقديا، ولم تعد “شهرزاد” العربية غائبة عن ساحة الأدب. ويمكن ملاحظة تراجع حضور النساء العربيات في كتابة الشعر، لكن ذلك يحدث لصالح حضورهن في كتابة القصص والروايات، ويمكن لقراء الأدب ونقاده ملاحظة إقبال الجيل الجديد من الكاتبات العربيات على خوض غمار هذا النوع الأدبي.
وفي السنوات الأخيرة بات للكتابة النسائية العربية مكانة هامة انتزعتها أقلام نسائية ناضلت لسنوات لفرض أصوات المرأة، ولافتكاك الاعتراف الذي بدأت تحصده، فقد نالت مؤخرا روائيات عربيات جوائز مرموقة عربية وأجنبية، وبات لزاما على النقاد الأدبيين الالتفات أكثر إلى النتاج الروائي للمرأة، للوقوف على سماته الخامة والخاصة، والميزات التي يتمتع بها والقيم التي ينتجها ويعبر عنها.
نصوص ومقالات
حفل هذا العدد بنصوص شعرية لكل من بهاء إيعالي “أغنيات لقرية مضببة”، علي مواسي “اختلال الذاكرة”، ديمة محمود “عدمية وفهلوة ومسرح عرائس”، ليث الصندوق “أربع قصائد”، محمد ناصر المولهي “تحت ضربات الشمس”، كما قدم نصين سرديين لميلاد خالدي بعنوان جامع “استحضار”، ومحمود خيرالله بعنوان “أشباح”.
وعلاوة على النصوص الأدبية قدم العديد من المقالات النقدية نذكر من بينها “الأرض اليباب وظلالها تعددية الترجمة في الثقافة العربية” والذي تطرق فيه الناقد المصري ممدوح فراج النابي إلى قضية تعدد الترجمة بين ما لها وما عليها، كما نجد مقالا هاما للشاعر والكاتب الفلسطيني عبدالرحمن بسيسو بعنوان “الشاعر والناقد.. تفاعل مكونات وتناظر مرايا” وهو عبارة عن تفاعل مع أسئلة ملف “أنت والشعر”، المنشور في عدد مارس 2021 من المجلة.
وينطلق بسيسو ناقدا رأي الشاعر التونسي أيمن حسن في الشعر ونظرية النقد والتأثر، باحثا في في مسألة التأثر بالشعراء الآخرين، وبالنقد والنقاد، الذي يرى أنه تأثر غير مدرك من قبل الشاعر أثناء صيرورة الكتابة، لكونه، في الأصل، تأثرا ضمنيا مضمرا، كما يتطرق إلى ممارس النقد من قبل الشاعر الذي يتحول عن دوره ككاتب للنص الشعري؛ أي لن يكون هو الشاعر الذي “جلس ليكتب” فكتب نصاً أرضاه.
وفي مقال بعنوان “نوال السعداوي والنسوية العمومية” تقدم الناقدة المصرية نادية الهناوي قراءة في ظاهرة نوال السعدواي، التي ترى أنه “لو عدنا إلى ما كُتب عنها لوجدنا انقساماً بحثياً واضحاً حول آرائها ومدى صدقها في تبني القضية النسوية”.
أما الكاتب التونسي أبوبكر العيادي فكتب تحت عنوان “المجموعة البشرية والكوفيد والبيوسياسي” أنه “إذا كانت فكرة المجموعة تعبر عن ضياع ونقص ومصادرة، وتحيل على الفراغ والتشوّه، فإنها لا تُحَسُّ كإمكانية قصوى فقط، بل كخطر وتهديد للكيان الفردي للذات، لأنها تقطع الروابط التي تحمي الهوية البيولوجية والاقتصادية والاجتماعية، وتعرّض كل فرد إلى عدوى تحمل في طيّاتها خطرا على الذات والآخر”.
وكتب أحمد برقاوي تأملات فلسفية بعنوان “الذات والحقيقة التواصلية” مقرا في ختامها بأن “الحياة حزمة من الحقائق المشتركة التي تسمح للذات أن تظهر”.
وجاء حوار العدد مع الشاعر الفرنسي زِينو بيانو تحت عنوان “شعرية مطلقة”، والذي يقر بأن الكلمة الشعرية “تصمدُ منذ أورفيوس والفيدا لديها متنفس، تمنح منذ آلاف السنين حدسا نورانيا، سلطة عليا للتألق، مئات الأيقونات المفعمة بالحياة، زارعي اليوتوبيا. لا يمكن أن ينقطع هذا التصوّر النّابض للكائنات والأشياء مهما كان الشّكل”.
واختتم العدد بمقال لمؤسس وناشر المجلة الدكتور هيثم الزبيدي بعنوان “الوصايا العشر للمثقف العربي”، واعتبر فيه أن “المثقف اليومي العربي مجموعة تناقضات في شخصية واحدة. تستطيع أن تجد مثقفين عربا تنقلوا من اليسار إلى القومية إلى الإسلاموية وصولا إلى الشعبوية. هؤلاء كانوا نسخا قديمة من التأثر بالتيارات الجارية في حينها. المثقف الحالي يجمع من هذه الأفكار سوية وأكثر من هذا”.
بهذا العدد تهدي “الجديد” قراءها في الربيع عددا آخر ممتازا، أضيفت إليه مئة صفحة ليمكنه أن يستوعب ما يجود به بريد المجلة من كتابات، إلى جانب ما تخطط له المجلة وتنجزه من ملفات شهرية تثري الحياة الأدبية بدراسات وحوارات وسجالات تخض بركة الساكن في الثقافة العربية.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.