نتيجةً للانتخابات البرلمانية الأخيرة في الكويت؛ أصبح البرلمان الكويتي منتدىً رجالياً بحتاً، بعد أن غادرته المرأة الوحيدة التي كانت فيه، كما أصبحت الكويت البلد العربي الوحيد الذي يخلو برلمانه من النساء.
لماذا لم ينتخب الكويتيون أي امرأة لتدخل مجلس الأمة؟
ألمى حسون/ BBC عربي– منذ أن كانت في العشرينات من عمرها، والكويتية عذراء الرفاعي تطالب بأن تمارس دورها السياسي بأن تكون ناخبة أو مرشّحة للبرلمان؛ فكانت تشارك في مؤتمرات وأنشطة ضغط سياسي لتقر الكويت هذا الحق، كما تتذكر.
وعندما حصلت المرأة الكويتية على حق المشاركة السياسية لأول مرة عام 2005، لم تكن عذراء في العمر المناسب للترشّح. أما في انتخابات عام 2016 فشعرت أنها لا تزال حديثة العهد بالعمل السياسي، فقررت صقل مهاراتها وتدربت لسنوات لتكون جاهزة، وترشحت بالفعل لعضوية مجلس الأمة هذا العام – لكنها لم تنجح.
كانت المحامية عذراء الرفاعي واحدة من بين 33 امرأة سعين لدخول ميدان العمل البرلماني، لكن الكويتيين لم يختاروا أيّاً منهن.
فأصبح البرلمان الكويتي بذلك منتدى رجاليا بحتا، بعد أن غادرته المرأة الوحيدة التي كانت فيه، كما أصبحت الكويت البلد العربي الوحيد الذي يخلو برلمانه من النساء.
“محزن أننا في عام 2020 ولا توجد عندنا امرأة واحدة في البرلمان. كانت خيبة أمل. معظم المرشحات يحملن شهادات عليا، ولديهن برامج انتخابية مميزة، لكننا خُذلنا يوم الاقتراع”، تقول المحامية عذراء لبي بي سي عربي.
وبعد أن كانت مصرّة على رفض آلية الكوتا، تغير رأيها تماما بعد ظهور النتائج: “كنت أردد أننا في دولة ديمقراطية ويجب أن يكون لدينا حق الإدلاء بأصواتنا عن اقتناع. كنت أقول إن المرأة الكويتية تتمتع بثقافة وفكر عال، واعتقدت وجود قبول للتصويت لامرأة. لكن بعد هذه التجربة تغيرت قناعاتي ألف بالمئة؛ فالمجتمع غير متقبل بعد، ويمنع المرأة من المشاركة. وهذا إهدار لحقي الإنساني بأن أمارس العمل السياسي”.
“لم أتوقع حربا بهذه الشراسة”
تشاركها مرشحة ثانية، هي شيخة الجاسم، الشعور بالصدمة من نتائج الانتخابات – رغم أن عدة مؤشرات في المجتمع كشفت عدم الميل لانتخاب نساء للمجلس.
إذ تداولت مواقع إلكترونية محلية في شهر أكتوبر/تشرين الأول من هذا العام، نتائج دراسة لأستاذة العلوم السياسية بجامعة الكويت، وفاء العرادي، خلصت إلى “تراجع القبول الشعبي للمرشحات في البرلمان الكويتي”.
تقول شيخة الجاسم، وهي أستاذة جامعية تدرّس الفلسفة، إنه بغياب النساء عن قبة البرلمان “لن يتأثر مجلس الأمة وحده، بل ستتأثر الكويت كلها. رجعنا إلى الوراء بسبب عدم وجود تمثيل نسائي”.
كانت هذه هي المرة الأولى التي تقرر فيها أستاذة الفلسفة الترشح للبرلمان، ولم تكن لديها، ولا لدى فريقها المسؤول عن الحملة الانتخابية، خبرة سابقة في هذا المجال. “أردت الترشح لأني شعرت أنه بإمكاني تقديم شيء للبلد. كما أن الجو العام الذي سيطر على الكويت في السنوات الماضية لا يعبر عنّي”.
أستفسر عما تقصده “بالجو العام”، فتوضّح: “أصبح الجو المسيطر هو جو قبلي، متشدد، محافظ، إسلامي. حتى النواب الحضر كانوا يخافون من التعبير عن ليبراليتهم. تقريبا انتفت الليبرالية من الجو العام السياسي في الكويت. أصبح لدينا إسلام سياسي ومحافظين. صرنا نشهد رقابة مشددة على كل المطبوعات (..)، عانينا طيلة السنوات السابقة انحدار المستوى الثقافي عموما”.
وتقول إنها كانت تتوقع بعض “المعارك” ضدّها، كالنبش عن مقابلات قديمة لها وإعادة نشرها، لكنها لم تتوقع “كل هذه الشراسة في الحرب”، وتعتقد أن مهاجمتها تعود لمواقف سياسية عبرت عنها، وليس بسبب ليبراليتها.
أما المحامية عذراء فتعتبر أن الشائعات كانت أكثر ما أساء للمرشّحات. وتذكر أمثلة على ذلك، منها تداول فتوى تحرّم إعطاء الصوت لامرأة بناء على تفسير لحديث “ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة“؛ وإشاعة طالتها شخصيا بأنها ليست مستقلة بل مدعومة من قبل فئة معينة؛ وتناقل مقولة أن هدف المرشحات الوصول إلى منصب وزاري لا إلى مقعد البرلمان.
وتوضّح أن هناك انطباعاً سائداً في المجتمع بأن العمل البرلماني “عمل الرجل” أما المرأة “فيناسبها أكثر” العمل الوزاري الإداري.
وكانت الدكتورة معصومة المبارك أول امرأة تصبح وزيرة في تاريخ الكويت، وكان ذلك عام 2005.
وتزامنت أجواء الاحتقان السياسي هذه مع أجواء إجراءات الإغلاق العام والجزئي بسبب وباء كورونا، مما أبعد المرشحين عن التواصل مع الناخبين والحديث معهم عن قرب – الأمر الذي أثر كثيرا على المرشحتين اللتين تحدثت معهما بي بي سي. فسبب إجراءات الإغلاق لم تكن هناك إمكانية كبيرة، مثلا، للاجتماع في “الديوانية” مع الناس رغم أن هذا تقليد متبع في البلد.
“لله الحمد لم تنجح أي امرأة”
ويطغى في الكويت شعور عام بالاستياء من أداء البرلمانية الوحيدة في الدورة السابقة، صفاء الهاشم، مما ولّد شعورا بعدم الثقة بدور جاد للمرأة في البرلمان.
عملت المحامية عذراء عن قرب مع صفاء الهاشم في لجنة المرأة والأسرة في البرلمان، وكانت من ضمن فريق صياغة قانون الحماية من العنف الأسري الذي صدر هذا العام. وتقول إن النائبة السابقة لعبت أيضا دورا في تعديل قانون محاكم الأسرة، وسعت لتغيير قرارات لائحة بنك الائتمان في منح القروض للمرأة.
وتعلّق على ذلك: “لا أعرف لماذا يحملّونها (لصفاء الهاشم) المسؤولية كاملة. بالنهاية كانت وحدها. إن كانت سيئة، هناك رجال سيئون في المجلس ولاحظنا ذلك في الفترة الأخيرة (..) وفعلا سمعت كثيرين يقولون ‘لله الحمد لم تنجح أي امرأة وإلا ستكون صورة عن صفاء الهاشم ‘ “.
لكن عموماً، لم يكن أداء البرلمانية الوحيدة هو سبب الامتناع عن انتخاب نساء أخريات؛ فلا تزال عقلية المجتمع الكويتي تحمل صورا معينة للأعمال “المناسبة” للمرأة.
“لابد من دعم الحكومة لأن المرأة حاليا ليست في موقع متساو مع الرجل. تحتاج إذنا منه للخروج من البيت فما بالك بأن تختار من تريد أن تنتخب أو أن تترشح”، تعلّق شيخة الجاسم.
وتضيف: “رفعت الحكومة يدها عن أي مساعدة لنا كنساء؛ فلا برامج من قبل وزارة الإعلام لتمكين المرأة ولتعزيز صورة أنها قادرة على العمل. ترسخت صورة المرأة المذيعة أو الممثلة فقط، لا المرأة القادرة على تقديم طرح سياسي، رغم أن عمر مشاركة المرأة في الحياة السياسية وصلت إلى 15 عاما”.
لا تزال نتائج الانتخابات البرلمانية وخسارة كل النساء المترشحات حدثا عمره أيام قليلة، لم يصبح بعد ذكرى بعيدة، ربما لهذا السبب تقول أستاذة الفلسفة شيخة الجاسم: “سأبقى مهتمة بالسياسة وخصوصا بحقوق المرأة، لكني لم أقرر إن كنت سأترشح مجددا أم لا”.
لمحة عن تمثيل النساء في البرلمانات العربية
صحيح أن الكويت أصبح برلمانه بلا نساء، لكن يبقى كذلك تمثيل المرأة العربية نيابياً ضعيفاً جداً في معظم الدول العربية. وكحلّ لهذه المشكلة، لجأت بعض الدول العربية إلى آلية منح كوتا معيّنة للنساء، وإلى تعيين نساء في البرلمان -لا انتخابهن- لضمان زيادة عددهن. وطبعاً هناك انتقادات كثيرة تتعلّق بهاتين الآليتين.
وفقاً لموقع الاتحاد البرلماني الدولي، تأتي الإمارات العربية المتحدة على رأس قائمة البرلمانات العربية من حيث مشاركة النساء، والرابعة على مستوى العالم، لأن نسبة مشاركة المرأة فيها وصلت إلى 50 بالمئة.
وكان رئيس دولة الإمارات قد وجّه عام 2018 بزيادة تمثيل المرأة في المجلس الوطني الاتحادي (البرلمان) إلى النصف. لكن التنافس الانتخابي في الإمارات يكون للفوز بنصف المقاعد فقط، في حين يعيّن حكام الإمارات بقية النوّاب.
ويذكر أن الإماراتية أمل القبيسي كانت أول امرأة تتولى رئاسة البرلمان في بلدها، وكان ذلك خلال الفترة التشريعية الماضية.
ووفقاً لموقع الاتحاد البرلماني الدولي، الذي ينشر بالإنجليزية منذ الستينيات إحصائيات تتعلق بالبرلمانات في العالم، جاءت نسب مشاركة النساء في البرلمانات العربية كما يلي:
- العراق: 26.4 في المئة (إذ يطبّق نظام الكوتا بمنح النساء 25 في المئة من مقاعد البرلمان على الأقل).
- جيبوتي: 26.2 في المئة.
- الجزائر 25.8 في المئة (تزامناً مع حركة الاحتجاجات عام 2011، ألزمت الأحزاب بتخصيص 30 في المئة من قوائم الترشيحات للانتخابات التشريعية والمحلية للمرأة).
- تونس 24.9 في المئة.
- الصومال 24.4 في المئة.
- المغرب 20.5 في المئة.
- موريتانيا 20.3 في المئة.
- السعودية 19.9 في المئة.
- ليبيا 16.0 في المئة.
- الأردن 15.4 في المئة.
- مصر 15.1 في المئة (وكان مجلس النواب المصري قد أقر عام 2019 تعديلات دستورية تضمنت زيادة حصة المرأة إلى 25 في المئة من مقاعد البرلمان).
- البحرين 15.0 في المئة.
- سوريا 11.2 في المئة. (عام 2016 تولّت هدية عباس رئاسة البرلمان لكنها عُزِلت في العام التالي).
- قطر: 9.8 في المئة.
- لبنان4.7 في المئة.
- سلطنة عُمان 2.3 في المئة (فازت امرأتان فقط في انتخابات مجلس الشورى (2020) ذي المقاعد الـ 86).
- اليمن 0.3 في المئة (في مجلس النواب اليمني، 300 رجل، وامرأة واحدة).
ولا تتوفر إحصائيات عن الأراضي الفلسطينية، ولا عن السودان، ولكن نصّ مشروع الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية في السودان على منح المرأة نسبة 40 في المئة في البرلمان، وسط مطالبات بزيادة النسبة إلى 50 في المئة، لكن ذلك لم يطبق بعد. وفي آخر انتخابات برلمانية في السودان كانت نسبة مشاركة المرأة 25 في المئة.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.