wonews وكالة أخبار المرأة- سعت الباحثة المغربية فاطمة المرنيسي في جلّ كتبها لتقويض الصور الذهنية الثابتة عن المرأة في الثقافة الذكورية مثل: المرأة الشيء، والمرأة الدونية، والمرأة المثال، والمرأة الخاضعة، لصالح بناء نموذج المرأة الإنسان، واعتمدت تفكيك مفهوم «الحريم» في الثقافة السائدة، وتعرية الجانب المخفي مما كان يجري في أروقة قصور الخلفاء، وردهات السلاطين العثمانيين ورؤية المستشرقين.
نموذج الجمال
في كتابها «هل أنتم محصنون ضد الحريم» مسّت المرنيسي بقوة وضعية المرأة في المجتمع الغربي، لافتةً إلى واقع الاستلاب والعبودية المقنَّعة التي يُروّج لها إعلامياً، ويُنظر إلى المرأة بوصفها دمية أو عارضة أزياء، مشيرةً إلى أن هؤلاء العارضات لا يتجاوزن سنّ الثانية عشرة، وحتى لو كنّ في العشرين يجب أن يحافظن على هيئة الحيرة والهشاشة والقلق أمام سيدهن، أي المصوّر، وكذلك سحرة المال الذين يتلاعبون بالصور ويُملون القوانين. وتناولت نموذج الجمال الغربي، كما يتجلّى في العروض الطقوسية لدور الأزياء الراقية أو في المجلات النسائية بصورة غريبة، وهو ما يذكّر بالذي كان سائداً في النظام العبودي في روما قبل المسيحية.
أصل الجارية
«جارية، قينة، غيشا، محظية، أمة»، كل هذه الألفاظ ترجع إلى حقبة تاريخية سحيقة كانت الأمم فيها تقوم على الفتوحات العسكرية، يغادر فيها القادة الغزاة- بحسب المرنيسي- في الصباح الباكر مدججين بالسلاح، ويؤوبون مساء مع غنائمهم وجلها من البشر الذين تحولوا إلى عبيد بعد سقوط مدينتهم.
استهلت المرنيسي الكتاب بتحرير معاني تلك الألفاظ من لسان العرب إلى الغيشا اليابانية، والمحظية عند الأوروبيين، والتي شاعت في رسومات فناني أوروبا بدءا من انغر ودولاكروا إلى ماتيس وبيكاسو. كما وضحت المرنيسي علاقة «الجارية» بالدولة العثمانية، فالكلمة تعود إلى أوضة «oda» أي الحجرة بالتركية، لتخلص إلى أن الأوروبيين لم يرسموا الجواري كما عرفهم العرب في الحريم لدى الخلفاء، بل إن ما ألهمهم هو الحريم عند العثمانيين، الذين بسطوا سيطرتهم على أوروبا منتهية إلى: «لقد بنت كل الحضارات ثروتها على الاسترقاق بدءا من الإغريق والرومان الذين أعطوا العالم المتحضر، حريمه الأول، من اليونانية gynoeceum ومعناه الخدر، فيما يستخدم الفرنسيون هذه الكلمة بمعنى امرأة، وكان الإغريق يميزون بينها وبين الحريم وهو النطاق الخاص بالنساء والأطفال الذكور الذين لم يبلغوا بعد».
سؤال جوهري
اشتغلت المرنيسي في كتابها على إبراز التصورات التي رسمتها وكرستها المخيلة الغربية لنساء الشرق، وأصبحت نسقا سيطر على الأعمال الأدبية والفنية كافة على اختلافها؛ كالرسم والباليه والسينما، انطلاقا من مصطلح الحريم وصورته الذهنية كمكان متخيل، مليء بالإثارة والسحر والرغبات الدفينة، التي تصور المرأة كمحظية مستسلمة، وهو ما جعل الغربي يقع أثيرا لهذا السحر، ويسعى خلف أسطورة الشرق الغامض الشبق غير العاقل الكسول الذي يستحق أن يستعمر وأن يضبط.
كما تتساءل المرنيسي عن العارضات في الغرب اللاتي يظهرن على هيئة الأطفال ولكنهن يتقاضين أجورا خيالية. فمن صاحب القرار في مدينة تعمل فيها النساء؟ وتقول: إنه سؤال جوهري في الحضارة الحديثة التي لم تجد الجواب.
حضارة شديدة الغنى
توصلت المرنيسي إلى مجموعة من الأفكار القابلة للفحص والمراجعة، ومنها:
– توضيح مفهوم الحريم، وتصحيح التأويل الخطأ له.
– إن الارتباط العضوي بين الغزو العسكري وعبودية النساء شكل ثابتا بالنسبة إلى كل ثقافات الحريم: اليونانية، والرومانية، والإسلامية ـ التركية.
– لم يرتبط الحريم بمجيء الإسلام، بل تأتى مع ثقافات سابقة عنه، كالمنظومة الاجتماعية الرومانية واليونانية.
– استمرار الحلم بالحريم يسيطر على الإنسان الغربي كذلك، رغم ثوراته الاجتماعية الكبيرة. لكن واقعه السوسيوثقافي يحول بقوة بينه وبين انعكاس هذا الهوس واقعيا فيستعيده عبر الفن ولكن ما مفهوم الحريم؟ هذا السؤال العريض الذي خاض فيه الكتاب، متوصلا إلى الاستشهاد بحضارة إسلامية كوزموبوليتية شديدة الغنى، تتميز بتنوع يرسخ عالميتها، مختتمة بـ«لقد مارس العرب العولمة قبل الأمم الأخرى بكثير نوعا ما».
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.