أمينة خيري/ جريدة الحياة- أن تمتلك المرأة أرضاً يعني أن الطريف إلى التنمية الاجتماعية والاقتصادية وتحقيق الأمن الغذائي واحترام أكبر لحقوق الإنسان بات ممهداً. هذه الملكية حائط صدّ يحول بينها وبين العنف والمشكلات الصحية، كما إنها تمكنها من القيام بدور أكبر وأكثر فعالية في دعم استقرار المجتمعات، لا سيما تلك التي تمر بأزمات وكوارث وصراعات.
تمكين المرأة من امتلاك الأرض يعني أمان واستقرار واستقلالية وحرية، ليس فقط لها ولكن لمجتمعها. إلا أن الأدوار المجتمعية المرسومة للنساء، لا سيما في المجتمعات الشرقية، والأنماط المطلوب منها أن تبقى في داخلها، والتفرقة في داخل الأسرة، وقدرتها على الوصول إلى المحاكم والقضاء، إضافة إلى التقاليد والأعراف كثيراً ما تعرقل حق المرأة في امتلاك الأرض.
وعلى رغم أن العراقيل التي تحول دون امتلاك المرأة للأرض لتستخدمها في الزراعة وتربية المواشي وغيرها من الأغراض الاقتصادية موجودة في كل أنحاء العالم، إلا أن بلداناً في الشرق لا تزال تفرض قيوداً مجتمعية تشكّل قدراً أكبر من العوائق أمام نسائها.
وحدة الأراضي في «برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية» و «الشبكة العالمية لأدوات الأراضي» وجامعة شرق لندن أطلقت تقريراً مهماً حصلت عليه «الحياة» قبل أيام، عنوانه «المرأة والأرض في العالم الإسلامي: مسارات لزيادة فرص الوصول إلي الأراضي من أجل تحقيق التنمية والسلام وحقوق الإنسان».
يتناول التقرير التحديات التي تواجه النساء اللواتي يعشن في بلدان إسلامية والتي لا تختلف اختلافاً جوهرياً عن تلك التي تواجهها النساء في أجزاء أخرى من العالم، ولكن أحياناً تتخذ شكلاً راسخاً في الأولى. فأدوار النوع الاجتماعي المحددة اجتماعياً، وديناميات القوة غير المتساوية، والممارسات الأسرية التمييزية، وعدم المساواة في الوصول إلى العدالة تقف حائلاً دون حق المرأة في تملّك الأرض. ومع ذلك، فإن 20 في المئة من سكان العالم مسلمون، وفي هذا السياق تظهر أنماطاً معينة خاصة بالأراضي تعكس الممارسات العرفية كعناصر مشتركة تخلق فرصاً لمواجهة هذه التحديات.
ويستعرض التقرير السبل المعروفة لتمكين المرأة من امتلاك الأرض وأرزها الميراث والزواج، إلا أنه وفي ظل شح المعلومات والأرقام المتاحة في العالم الإسلامي عن نسب امتلاك النساء للأراضي، فإن دراسات الحالات تؤكّد أن نسبة امتلاك النساء للأراضي أو سيطرتهن عليها متدنية جداً. وفي الشرق الأوسط وبلدان شمال أفريقيا، تساهم قواعد الميراث السائدة في تدنّي نسبة المالكات للأرض، إذ لا تتعدى 4 في المئة. وفي بلدان جنوب آسيا، وتحديدًا في بلد مثل أفغانستان، لا تزيد نسبة امتلاك النساء للأراضي على 2 في المئة.
وعلى رغم عدم وجود قيود في الإسلام تحدّ من قدرة المرأة أو حقها في شراء أراضٍ من أموالها، إلا أن نسبة التشغيل المتدنيّة بين النساء وارتفاع أسعار الأراضي عموماً يجعل الأمر صعباً. كما أن امتلاك الأرض على سبيل التهادي كجزء من المهر مسموح، إضافة إلى حق المرأة في الاحتفاظ بما كانت تملكه من أرض قبل الزواج، وكذلك الحصول عليها كميراث حتى وإن كان أقل من نصيب الذكر. ويشير التاريخ الإسلامي إلى أن المرأة تمتعت بحق منفصل ومستقل وكامل في هويتها القانونية وحقوق الملكية، وذلك في الوقت الذي كانت فيه في القوانين البريطانية والأميركية محرومة منها.
ويشير التقرير إلى الإعلان الصادر عن المؤتمر الإسلامي الـ19 لوزراء الخارجية والذي انعقد في مصر عام 1990 والذي تبنّى «إعلام حقوق الإنسان في الإسلام». وتنص المادة 15 على أن من حق الجميع أن يتملّك طالما بطريق قانونية، وهذا الحق يعني حقوق ملكية كاملة من دون تحيّز للنفس أو الغير في المجتمع.
يذكر أن لدى غالبية البلدان الإسلامية أنظمة قانونية عدة، وليس نظاماً واحداً، حيث قوانين الأحوال الشخصية والمدنية والدينية وغيرها كثيراً ما توجد في القوانين العادية، وكذلك في منظومة أخرى من القوانين المرتكزة على الشريعة. حتى في البلدان الإسلامية التي تعتمد منظومة قانوينة واحدة تجد القوانين العرفية والدينية متسمّرة في لعب دور كبير في حياة النساء والرجال، حتى في الحالات التي سنّت فيها قوانين مدنية تغل من أيدي القوانين العرفية والدينية.
وعموماً، فإن القوانين وحدها لا تضمن حق النساء في امتلاك الأراضي حتى لو كانت تنص على ذلك بصراحة وقوة. ويلفت التقرير إلى أن كفاءة القوانين وفعاليتها تعتمد في شكل كبير على الوعي بها والقدرة على تطبيقها ومقدرة الدولة على فرضها. لذلك فإن نشر الوعي بالقوانين وفائدتها وأهمية تطبيقها على القدر عينه من أهمية القوانين. ففهم القوانين والوعي بأهميتها يسهلان عملية التطبيق والمطالبة بها.
ويأتي التقرير بأمثلة عدة من بلدان إسلامية بينها مصر، التي تحتل المكانة الأولى بين البلدان العربية من حيث عدد السكان (101 مليون نسمة)، كما إنها مرجعية ثقافية ودينية كبرى في المنطقة وبين البلدان الإسلامية. وعلى رغم وجود فروق مجتمعية ومعيشية كبيرة بين الحضر والريف، وبين شمال مصر وجنوبها، إلا أن المجتمع مجتمع أبوي. وامتلاك الأراضي والعقارات لا يزال يمثل تحدّياً للنساء في الريف والحضر.
وعلى رغم أن القوانين المعمول بها لا تفرّق في مضـــمونها بين النساء والرجال، إلا أن أقل من 6 في المـــئة من ملكية الأراضي الزراعية للنساء. بل وأنه من غير المقبول اجتماعياً أن ترث النساء أرضاً زراعية، لا سيما في الأماكن الريفية حيـــث يتحوّل نصيبهن في الإرث ليدخل في ملكية أســرية أكبر تدار من قبل أخ أو قريب. وكثـــيراً ما تدفع الأســر بناتها إلى الزواج من قريب حتى تبقى ملـــكية الأرض في داخـــل الأسرة، ولا تؤول إلى أخرى. وفي مطلق الأحوال، تؤول إدارة الأرض الزراعية المملوكة للمرأة إلى رجل.
كذلك الحال بالنسبة إلى بيت الزوجية، إذ جرى العرف أن تكون ملكيته للزوج وليس الزوجة. وإن وقع الطلاق بينهما، فإن المرأة لا تملك شيئاً. وقبل انعقاد مؤتمر القاهرة الدولي للسكان والتنمية في عام 1994، تباحث خبراء ومسؤولو وزارة العدل ومنظمات أهلية حول سبل دعم الحقوق القانونية لكلا الزوجين، وتوصلوا إلى أن السبيل لذلك هو إضافة بضع بنود حول إدماج شروط في عقد الزواج لضمان الحقوق والملكيات. وكان بين هذه البنود ما يختص بملكية العقارات والأراضي. كما تضمّنت بنوداً خاصة بحق الزوجة في التعويضات في حال وقع الطلاق بينهما رغماً عنها. كما يسمح عقد الزواج المصري بأن ينص على ملكيات خاصة بالأراضي، وإن كان هذا الحق لا يستخدم بكثرة بعد.
ويؤكّد التقرير على أن مثل هذه الحقوق والإمكانات القانونية يجب أن يتم نشرها والتوعية بها في شكل أفضل وأكبر وتتاح للجميع حتى يتم استخدامها، لا سيما في مجتمعات مثل مصر حيث لدى المؤسسات قدرة نسبية على إنفاد القوانين.
الرسائل السبع التي يركّز عليها التقرير تنص على أن تمكين النساء من امتلاك أراضٍ يؤدي إلى تنمية اقتصادية واجتماعية ويحقق الأمن الغذائي. وتشير دراسات سابقة إلى أن مساهمة النساء في العملية الزراعية يؤدي إلى تحسين تنمية مجتمعاتهن ويحقق مزيداً من الإنتاجية، ما يعد حجر زاوية في القضاء على الفقر. والرسالة الثانية هي أن امتلاك النساء للأراضي يدعم حقوق الإنسان. فامتلاك المرأة للأرض وعدم وجود ما يهدد هذا الامتلاك يدعم قدرتها على تحقيق مستوى معيشي أفضل لها ولأسرتها، إضافة إلى مسكن أكثر آدمية وما ينتج عن ذلك من تنمية للمجتمع برمته، ومن ثم ضمان الحق في التعليم والسكن والصحة وغيرها.
الرسالة الثالثة هي تمكين النساء من الأراضي يعني مزيداً من مشاركتهن في الحياة العامة والسياسية، وبالتالي قدرتهن على المطالبة بمزيد من الحقوق لهن ولأسرهن عبر مشاركتهن في الحياة السياسية والوصول إلى صانعي القرار. والرسالة الرابعة هي أن امتلاك النساء للأرض يمكن أن يحميهن من العنف، إذ ثبت أن المرأة صاحبة الملكية أقل عرضة للعنف المادي والنفسي.
وتشير الرسالة السادسة إلى أن ملكية النساء للأرض تمكنهن من القيام بأدوار فعالة في إنهاء الصراع في أماكن الحروب. فالمرأة صاحبة الحيازة للأراضي الزراعية قادرة على تحقيق إنتاجية غذائية مرتفعة ومن ثم تحقيق الأمن الغذائي، وهو سبب رئيس من أسباب الاقتتالات. كما أن هذا الدور يمكنهن من تحقيق الدعم الاقتصادي والغذائي في أماكن الصراعات ما يساعد على سرعة إنهائها.
والرسالة السادسة هي أن هذه الملكية تعني أماناً واستقراراً واستقلالية وحرية للنساء. فملكية المرأة للأرض جانب بالغ الأهمية في حياتها، وتضمن لها الكرامة والأمان بغض النظر عن عرقها أو معتقدها أو وضعها الاجتماعي أو عمرها أو مستوى دخلها.
وتنصّ التوصيات التي يقترحها التقرير على نشر الوعي بحق النساء في ملكية الأراضي، وكذلك بالقوانين الموجودة التي تنص على ذلك في حال وجودها، والمطالبة بسنّها في حال غيابها. كما يوصي بالعمل على إدماج حق النساء في ملكية الأرض في عقود الزواج وقوانين الميراث، إضافة إلى التدريب على العيش في ظل منظومات عدة للقوانين. كما ينصح بدعم قدرة المرأة على اللجوء إلى التقاضي ورفع الوعي بأهمية البت السريع والعادل في مثل تلك القضايا، فضلاً عن توفير سبل فض المنازعات والتي تضمن عدم هضم حقوق المرأة.